Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/10/2009 G Issue 13531
الخميس 26 شوال 1430   العدد  13531
بين (الأحساء) و(المتوسطة الخامسة عشرة بالهفوف)
أسماء بنت عبد العزيز المحمود

 

أريقي عَلى سَاعِديَّ الدموع وشُدِّي على صدريَ المتعبِ

اسماء عبدالعزيز المحمود

إلى مَن مَلَكتْ خيالي.. وشَغَلتْ خواطري.. وتيَّمتْ فؤادي.. وسَلَبتْ تفكيري.. إلى مَن احتضنتني سنواتٍ مرَّت كأنَّها لحظة.. إلى مَن أحببتُها.. بل عشقتُها من أول نظرة.. وها أنا اليوم أُودِّعُها.. وأسكبُ دموعَ الأسى على فِراقها..

إلى مدينتي الحبيبة (الأحساء).. إلى جَنَّةِ (المنطقة الشرقية).. أُهدي هذه الكلمات المتواضعة.. علَّها تُصوِّر شيئاً من حبي ووفائي.. وأنا أرمقُها من بعيد.. والمسافات الطويلة تفرِّقُ بيني وبينها..

قلبي يُعذِّبنُي وعيني تَدمَعُ

وقصيدتي صرختْ فهل منْ يسمعُ؟

إنِّي أرى شمسَ المحبةِ تختفي

وَأَرَى حِبَالَ وِصَالِنَا تَتقطَّعُ

لَقَد عِشْتُ في هذه المدينة الجميلة أروعَ أيام حياتي.. وأجمل لحظات عُمري.. وما زلتُ أتنفَّسُ هَواءَها.. وَمَا زَالَ حُبُّها يتعمَّقُ في فؤادي.. ويُخالِطُ عِشقُها عِظَامِي.. كيف لا؟ وهي الأحساء!

لا تلوموني في حُبِّها.. ولا تعذلوني في عشقها.. فمَن يترعرعُ في ربوعها.. ويشربُ مِن مائها.. ويتنفَّسُ مِن هوائها.. سيعذرني حينها.. وسيعلم مقدار الألم الذي يعتصِرُ فؤادي.. ويتحشرجُ في صدري.. وأنا أرَى الأقدارَ تُباعِد بيني وبينها.. وتُفرِّقُ بين الأحبَّة.. وتُقطِّعُ حبال المودة.. وترميني بعيداً عن أروع الأماكن.. وأجمل الذكريات.. وخيالاتها الهائمة لا تزال ترسم في ذهني أحلى المواقف التي لا يمكن أن تُنسى..

لا تعذليني كَيفَ لا أبكي دَمَاً

وأنا أرى جَرَسَ الوَدَاع سيُقرَعُ؟

لا تعذليني يا حبيبةُ، إنَّني

بكِ هائمٌ، والبينُ أمر مُفجِعُ

فالإنسان حينما يغادر مدينته.. ويفارق موطنه.. ويترك وراءه آلاف الذكريات.. وأروع الأصدقاء.. تنتابه حالة من الشعور لا يمكن أن يحس بها سوى من يعايش تلك اللحظات..

إيه يا حلوتي (الأحساء).. ما أسرع الأيام! بالأمس أحط رحالي في ربوعك الجميلة.. مستبشرةً بجمال المدينة.. ومعالمها الرائعة.. وسمعتها الطيبة.. واليوم أغادرها بكل ألم.. حاملةً في فؤادي كل ذكرى عطرة.. طوال خمس عشرة سنة.. كانت من أجمل السنوات في حياتي..

إيه يا حلوتي (الأحساء).. كيف أنسى أجمل الأماكن في زواياك البديعة؟.. كيف أنسى (جبل القارة)؟ وهو يجسد لوحة طبيعية نحتتها الصخور.. وإطلالته المتميزة على أشجار النخيل الكثيفة.. كيف أنسى (مزارعك الخضراء).. التي تحتل مساحات واسعة من أرضك الطيبة..

إيه يا (أحساء) الجمال والخضرة والنقاء.. كيف أنسى (عيونك المتدفقة) التي ترويك بالحياة.. وكيف يغيب عن ذهني شاطئك (العقير).. الواجهة البحرية المتميزة على مستوى المنطقة الشرقية.. الذي لعب ميناؤه دوراً تاريخياً مهماً في هذا الوطن.. وكيف أنسى طعم تمرك (الخلاص) ومذاقه الحلو الذي لا تزال روعته في فمي.. وكيف أستطيع أن أتناسى (سوق القيصرية) الذي يعود تاريخه إلى الستينيات.. ويعد من أكبر وأعرق الأسواق التراثية والشعبية في منطقة الخليج.. بل كيف ستغيب عن خيالي (واحة الأحساء) التي تنافس على قائمة عجائب الطبيعة السبع في العالم..

أنَّى لي أن أنسى ذلك المجتمع المتلاحم والمترابط؟ وكيف أنسى النفوس الصافية النقية؟ ذلك المجتمع الذي بلغ الغاية في الكرم والتواصل.. وكيف سأتناسى طلاب الأحساء وطالباتها المتميزين الذين كان لهم حضور متميز في كثير من المسابقات.. وقد حصدوا كثيراً من الجوائز على كل المستويات..

أما أجمل الأماكن التي لا يمكن للقلب أن ينساها.. ولا للذهن أن يغفل عنها.. تلك هي زوايا (المدرسة الخامسة عشر المتوسطة بالهفوف) التي تأسست عام 1415هـ.. وكنتُ من أوائل اللواتي تشرفن بالتدريس فيها، فقد كانت مقراً لعملي طيلة إقامتي في مدينتي الحبيبة.. خمسة عشر عاماً عِشتُ بين أركانها أياماً حُلوة.. وذكرياتٍ جميلة.. ولستُ أصدِّقُ أنني أفارقها بعد كل هذا العُمر الذي قضيته فيها.. وأنا أقابل كل صباح فيها أروع الزميلات.. وأعز الصديقات.. وأكثر الطالبات اجتهاداً ونشاطاً واحتراما.. لقد كانت بحق أياماً لا تُنسى.. ولحظات لا يمكن أن تتلاشى.. فأنى للقلب أن يتحمل الفراق؟

نَارُ الفراقِ أُحِسُّها في دَاخِلِي

يُكوى بها صَدري وتُكوَى الأَضلُعُ

فالعينُ تبكي والجوانحُ تشتكي

والقَلبُ مِن أَلَمٍ يَئِنُّ ويَجزَعُ

لقد كانت هذه المدرسة مثالاً للمدارس النموذجية على مستوى المنطقة الشرقية.. بل ربما على مستوى المملكة العربية السعودية.. فهي من مباني (أرامكو) المتميزة، وقد اشتركت مدرستي الحبيبة في الكثير من المسابقات على كل المستويات كانت آخرها مسابقة جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز.. وقد حصلت على كثير من الجوائز المتقدمة..

ستبقى عروس الهفوف (المتوسطة الخامسة عشرة) صرحاً شامخاً يُزيِّنُ ربوع المنطقة الشرقية، ودُرَّةً تتجمَّل بها الأحساء.. وتتشرف باحتوائها الهفوف..

لقد تشرَّفتُ خلال عملي في هذه المدرسة طوال هذه السنوات بالتعرف على زميلاتٍ ضربن أروع الأمثلة في حسن التعامل.. والإخلاص في العمل.. وكانت أيامي معهن أياماً تفيض محبةً وصفاءً ووئاماً.. وستظل ذكراهن في القلب إلى الأبد.. تأتي في مقدمتهن.. مديرتنا الرائعة.. الأستاذة الفاضلة حصة بنت عبد العزيز السبيعي.. التي قادت هذه السفينة بكل اقتدار.. فحققت أروع النتائج.. ووصلت المدرسة برفقتها إلى هذا المكان المتميز..

كما لا يمكن أن أنسى بقية رفيقات دربي المعلمات اللواتي شاركنني التخصص نفسه.. فكنَّ مثالاً للتعاون والتواصل.. الأستاذة وفاء العتيبي والأستاذة هيا الشهري والأستاذة أسماء العرفج والأستاذة نورة المبارك.. وأقدم لهن عبر هذا المنبر أسمى آيات الشكر والامتنان على رائع تعاملهن.. وجميل أخلاقهن..

كما لا يمكن أن أنسى بقية المعلمات اللاتي سعدتُ بالعمل معهن تحت سقف هذه المدرسة الرائعة.. وشعرتُ معهنَّ أنني مع أهلي.. وكُنَّ نعم الزميلات.. وأروع الصديقات.. فأجمل التحايا لهنَّ ولجميع الكادر التعليمي في المدرسة من معلمات وإداريات.. كما لا أنسى الخالة العزيزة أم عدنان التي كانت بمثابة الأم الحنون لهذه المدرسة ولمعلماتها وطالباتها..

وبعد.. هذه كلمات توديعية كتبتها وألم الفراق يفتت القلب.. ويُحيلُ الحبر دمعاً ساخنا.. راسمةً أجمل الذكريات للعمر الجميل الذي قضيته هناك.. ومُسجلةً أرق عبارات الشكر والتقدير لكل الزميلات.. وكاتبةً بمداد الأسف أبلغ أحرف الاعتذار لكل مَن أخطأتُ في حقها..

وأهلاً ومرحباً بربوع نجد.. عاصمة الوطن.. (الرياض) التي ستكون لي معها قصة حب أخرى مثلما كان لي مع (الأحساء)..

نفحاتُ الصِّبا ومَهدُ الخُزامَى

(نَجدُ) يا موطنَ الإباء سَلامَا

ووداعاً وداعاً (الأحساء).. ووداعاً وداعاً (المتوسطة الخامسة عشر)..



slm888slm@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد