Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/10/2009 G Issue 13531
الخميس 26 شوال 1430   العدد  13531
عجباً لأمر هؤلاء!.. فقدوا القناعة فأصبحوا أغنياءَ فقراء
مسفر الحفيان

 

لا أنكر بداية بأن في مجتمعنا فقراء حقيقيين، يعيشون بيننا ويعانون من ضيق الحال. ولكنَّ حديثي هنا ليس عن هذه الشريحة، مع احترامي لهم واعترافي بأنهم يستحقون كلَّ الاهتمام من قبل الجميع، ولكنَّ هذا المقال عن أولئك الذين يصنفون أنفسهم خطأ ونكراناً ضمن هذه الفئة، أولئك الذين لا تخلو وجباتهم من أطيب أنواع المأكل والمشرب، بل ولا يمرُّ بهم أسبوع واحد دون أن يكون لهم وقتٌ مخصصٌ للترفيه والتسلية، ومع ذلك، نجدهم ينعتون أنفسهم بالفقر، بل إننا نكاد لا نجد أحداً منهم يحمد الله ويشكر الحال، ويعترف بأنه يعيش في نِعم عظيمة لا تعدُّ ولا تحصى.

والعلة في هؤلاء؛ من وجهة نظري؛ أن كلاً منهم ينظر لمن هو أيسر منه حالا، ويطمع أن يصل إلى ما وصل إليه، فيحرم نفسه من أن يستمتع بيومه وبما لديه من أنعام كثيرة، ويفني وقته تحسراً وندامة، وهكذا هو حالهم فهم في سباق مع الأرقام، وجميعهم يشتكي لأنهم لم يقفوا مع أنفسهم لحظة واحدة لينظروا إلى من يعيشون في حال أسوأ من حالهم ليعلموا يقينا حجم الخيرات التي يتربعون في وسطها، ولم يعتبروا بحال من نراهم على شاشات التلفزة يومياً ممن لا يجدون وجبة واحدة لمدة أسبوع كامل، بل ولا يجدون ما يسترون به أجسادهم أو يحمون به أطفالهم من الموتِ جوعاً أو برداً.

ذهبت بي ذاكرتي بعيداً إلى ذلك الطالب الزميل من كوريا الجنوبية عندما قصدني على انفراد ثم استأذنني في سؤال شخصي، أذنتُ له فقال: هل أنت غني؟ قلت له: لماذا هذا السؤال؟ قد لا تصدقون ما سأقول! فقد قال لي ذلك الرجل: أراك في كل صباح تأتي إلى الجامعة حاملاً كوباً من القهوة، قلتُ: وما الغرابة في ذلك، قال: ذلك الكوب يكلف دولارين اثنين، وهذا يعني عشرة دولارات في الأسبوع، وهو تماماً ما يعادل كل ما أملكه من مالٍ يقيم حالي لأسبوع كامل، ثم قال: سألتك: هل أنت غني وأنا على قناعة بأنك كذلك، فمن يملك فائضاً قدره عشرة دولارات في الأسبوع الواحد لشراء القهوة، فمن المؤكد بأنه لا يعاني مشكلة في توفير المأكل والملبس والمشرب والمسكن.

عجباً لأمر هؤلاء! فكيف يكونون أغنياء فقراء، إنهم أغنياء لأنهم لا يجوعون، ومع كل ذلك يجدون أنفسهم فقراء لأنهم مع كل ما يملكون من هذه الخيرات لم يجدوا معها قناعة ترضى بها أنفسهم ويعيشون بفضلها مطمئنين حامدين شاكرين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد