كتب الدكتور عثمان العامر مقالة بعنوان: (المجتمع الأكاديمي بين المثالية والواقع المر) في العدد (13522)، وجاءت كلمات الكاتب نادبة حظ المجتمع الأكاديمي من حيث شيوع بعض الإحن فيه، وأنه يجب أن يكون بالضد من ذلك؛ ذلك لأن (المعادلة الطبيعية في أذهاننا أنه متى ما ارتقى الإنسان علميّاً جزماً سيرتقي أخلاقيّاً وسلوكيّاً) على حد قوله. لقد نسي الدكتور أن الرجل لا يعدو أن يكون طفلاً كبيرًا كما يقوله علماء النفس، فظاهرة التنازع والتدافع ماثلة فيهم كما في غيرهم، والإنسان مهما نال حظًّا من العلم فإنه قد يكون وبالاً عليه، فيكون انحرافه منظّمًا وليس كما المنحرف العادي، وقد يقع الانحراف من المثقف كما يحصل من الجاهل، بل إن المثقف قد يعسر علينا فك طلاسم جريمته في حين أن المجرم العادي قد لا يعجزنا كشف أمره.
إن التنازع موجود في الإنسان، فإن تنازع وجهة فإنه متعاون وجهة أخرى، ومن ينازع من أجل التنازع دون الانحياز إلى جهة فإنه ليس بسوي، ولكن هذا التنازع يختلف من حيث الخطوات التي يسير عليها المتنازعون من حيث البلوغ، فالطفل يتنازع مع غيره من أجل لعبة رآها مع قرينه، فهو يحاول أن يأخذها، فإن تعذر عليه راح يبكي ليعينه في سلب لعبة قرينه من يسمعه من حوله، وكذلك الرجل، فهو يتنازع مختلفًا في الدرجة دون النوع.
لقد راح الدكتور يمتدح المجتمع الأكاديمي من أنه صفوة المجتمع من حيث قبوعه في صرح شامخ وهو الجامعة، لكن الواقع يغالط هذا الرأي، فلو تأملنا في شغف كثير من الأكاديميين في المناصب الإدارية لهالنا العجب، بينما الحق أن على حملة حرف الدال أن يكونوا بين طلابهم وليس في مكاتب إدارية كما هو معمول في الدول المتقدمة كأمريكا مثلاً، فالإدارة للإداريين، وذوو حرف الدال هم لقاعات التدريس، فليس لرئيس دولة أن يكون دكتورًا، بل يجب أن يكون إداريًا سياسيًّا محنكًا، فهذا خلل يجعل المجتمع الأكاديمي يرسف في الميل عما هو مطالب به قبل أن يقدم على ظاهرة التنازع، فتنازعه مهما كان شريفًا حيال المناصب الإدارية فهو خطأ جسيم. ولعلي أوعز إلى الدكتور الكريم سبب تسمية الأكاديمية بهذا الاسم، وهي تنبئ عن أن ظاهرة الاستعلاء ملتصقة فيهم، حيث إن سقراط كان يعلم الناس في الأزقة وفي الأماكن العامة تواضعًا منه، فلما قُتل مسمومًا جاء أفلاطون فأنشأ مدرسة فوق تل يطل على بستان رجل اسمه أكاديموس، فسمى المدرسة بالأكاديمية نسبة إلى هذا الرجل، وكتب على بابها (لا يدخلها إلا الرياضيون)، وراح يناغي عالم المُثُل، وفي هذا استعلاء حيث كان متكبرًا بعلمه ويضن به على الناس بخلاف ما كان من سقراط. إن المجتمع الأكاديمي يقترف خطأ الاستعلاء حين نصفه بصفوة المجتمع، فالواقع يدينهم في تقاعسهم عن احتذاء البحوث المفيدة كما الأكاديميون الغربيون الذين نسمع كل يوم عن اكتشافاتهم المذهلة، فجل بحوث أكاديميينا شغوفة بدرجة الترقية، ولو تأملنا فيها لوجدنا أكثرها تكون متعمدة الحصول على الترقية دون خدمة المجتمع البشري.
إن بيئة المجتمع الأكاديمي حين يكون هذا حاله فلن تنخلع منه المرارة الأليمة التي عناها الدكتور، ولن تصفو الأجواء حين كان هذا المجتمع يتأبط الخطأ المنهجي الذي عنيته بتنازع ممقوت.
أحمد بن عبدالعزيز المهوس
ahmad-27-@hotmail.com