عرفت صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن محمد - رحمه الله - منذ انتقال والده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف حفظه الله سفيراً لخادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة فكنت كلما التقيت سموه - رحمه الله - بادر بالسؤال عن أوضاعي الصحية والدراسية وكان - رحمه الله - يبادر أيضاً بالسؤال عن أطفالي السبعة واحداً واحداً كان - رحمه الله - كريماً سخياً معي، متواضعاً، شهماً، جواداً، كريما. الأمير الإنسان صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن محمد - رحمه الله - أكتب اليوم عنه (من القلب دون رياء) إنما أكتب باسم مئات الآلاف من السعوديين الذين عرفوه والذين بكوا (دماً بدلاً من الدموع) عند رحيله. يقول العلماء: (إن في مصيبة المؤمن ثلاث فوائد، أنها لم تكن في دينه، وأنه ربما دفع الله بها ما هو أعظم منها، وأن المؤمن يُثاب عند الصبر عليها). وبالأمس فجعنا بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن محمد بن نواف بن عبد العزيز، وقد كانت وفاته - رحمه الله - فاجعة حقاً ليس بالنسبة لوالديه وذويه فحسب ولكنها فاجعة لكل من عرفه أو سمع عنه. يبتلي الله - عزَّ وجلَّ - المؤمن في ماله وولده ونفسه ليميز الإيمان الحق وليصطفي من يشاء من عباده {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}سورة آل عمران آية 186 .
وهل الولد إلا بضعة من النفس وجزء من علائق الوجدان؟ قلائل هم أولئك الرجال العظام الذين يأسرونك لا أقول بعفويتهم، ولكني أفضل أن أسميها باسمها الصحيح فأقول: بفطرتهم السليمة التي وصفها الله - عزَّ وجلَّ - في محكم التنزيل بقوله عزَّ وجلَّ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} سورة الروم آية 30، وقد كان منصور بن محمد من أولئك الرجال لمن عرفه عن قرب أو سمع عنه. كان الفقيد محباً لفعل الخير حريصاً وكان كذلك إنساناً محباً للعلم شغوفاً وافر السخاء وطيّب العطاء والخلق الجم والأدب الرفيع. وهو مع ذلك كان قريباً من جميع الناس بجميل تواضعه وكريم خلقه إن وفاة صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن محمد - رحمه الله - أكَّدت محبة الناس لهذا الأمير النبيل ومحبة الناس لمن ربى هذا الإنسان وصاغ أخلاقه العالية وسجاياه الرفيعة، فالفقيد هو ابن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف رجل البر والخير. والذين شاهدوا شدة تأثر الأمير محمد بن نواف بفقد ابنه لم يصبهم العجب أو الاستغراب فقد عرف عن الفقيد بره القوي بوالديه كما أن الأمير محمد أبلى بلاءً حسناً في تربية الفقيد تربية متميزة، فكان إحساسه بفقده أكبر من الفجيعة فيه، لذا فإن كثيراً من الذين عزوا الأمير محمد إنما جاءوا لمشاركة سموه في مصيبته مشاركة ظافرة بكل معاني الوفاء للإنسان الذي ربى إنساناً، وكثرة التعازي التي وجهت لوالدته خصوصاً من عموم التعازي معبرة دليل أكيد على بعد مدى تعلق هذه الأم الصابرة بابنها البار بها وشدة تأثرها بفقده. أسأل الله الكريم ألا يحرم أبا منصور وأم منصور أجر المصيبة وأن يخلف الفقيد عليهما بالعقب الصالح، وأن يخلفهما على الفقيد بإعلاء درجته في الجنة. رحل منصور بن محمد بن نواف رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في جنات النعيم، وإنا لرحيله لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- لندن