نعيش في هذا الزمن حياةً مهيأةً للتواصل مع من نريد بأسرع وقتٍ وأبسط طريقةٍ، في حين أن أجيالاً مضت يصعب عليهم التواصل بينهم ولا يأتي إلا بشق الأنفس، ففي عصورٍ مضت لا وسيلة للتواصل إلا بالحضور المباشر لمن ترغب أن تتواصل معه، أو إرسال رسالة مكتوبة مع شخصٍ سيذهب إليه، ولن يصل إليه إلا بشق الأنفس، ومع كل هذه المصاعب والمتاعب إلا أنهم قد حققوا معنى التواصل الحقيقي ولم يبالوا بما ينالهم من مشقة وعناء.
وفي عصرنا هذا ننعم ولله الحمد بطرق معبَّدة وسيارات فارهة وقطارات وطائرات وجوالات وإيميلات، وكل هذه تعيننا على الوصول لمن نريد بسرعة فائقة، فإذا رغبت في التواصل مع شخصٍ يبعد عنك ألف ميل فلا عليك سوى أن تدخل يدك في جيبك وتخرج هاتفك وتتصل به وتسمع صوته وكأنه بجوارك، وبهذا تكون قد حققت معنى من معاني التواصل.
ومع توافر كل هذه الوسائل إلا أننا نشاهد لوناً من ألوان القطيعة بين الأقارب، وجفوةً لا داعي لها، وليس هذا بين الأقارب فحسب، بل بين الجيران والأصدقاء والزملاء وكل من له حق التواصل معه. والتمست من كلام الكثير من الناس أنهم يشتكون من تقصير الناس معهم، ويشتكون من تقصيرهم وتفريطهم في التواصل مع غيرهم، والكل مقرٌ بتوافر وسائل التواصل والاتصال، ويقرُّ بسهولة التواصل، إلا أن التطبيق عسير.
ولا شك أن هذا نذير خطر بيننا، ويحتاج إلى أن يقف الشخص مع نفسه وقفةً جادة، يراجع فيها حساباته ويجدِّد فيها علاقاته، ليهنأ في حياته.
ولا بد من التنبيه إلى أنه ليس كل شخصٍ يُكتفى بالتواصل معه عبر الهاتف أو البريد، بل هناك أشخاص لا بد من زيارتهم كالوالدين والأعمام والأخوال وكبار السن؛ فهؤلاء لا يكفي الاتصال بهم إذا كان الوصول إليهم سهلاً، وإن لم تصل هؤلاء وتقابلهم فمَنْ ستصل ومَنْ ستقابل؟!
وختاماً: يوجد في وقتنا نماذج مشرقة في التواصل، فقد صيروا كل الوسائل الحديثة في التواصل مع أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم؛ فحافظوا بذلك على وقتهم ومالهم وجهدهم، فلنقتدِ بهم، ولنسِر على نهجهم.
والله ولي التوفيق.
Naif-b-22@hotmail.com