Al Jazirah NewsPaper Friday  16/10/2009 G Issue 13532
الجمعة 27 شوال 1430   العدد  13532
زعزعة الميراث
د. سعد بن محمد الفياض

 

هم في كل حال بين أجرين.. غير أنهم ليسوا بمعصومين.. ومع ذلك فلهم المكانة العظمى والمنزلة العليا من غير غلو أو تعصب.. وهم أهل الإرث العظيم إرث النبوة وهم الوارثون الذين ورثوا أعظم تركة.. نعم إن كانت الرسالات انقطعت بموت نبينا صلى الله عليه وسلم فبين أظهرنا ورثة الرسل، وإن كانت النبوة ختمت بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ففي محيطنا أتباع الأنبياء، (العلماء هم ورثة الأنبياء؛ والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) إنهم أولئك الوارثون الذين ورثوا الميراث العظيم ميراث الأنبياء والمرسلين ميراث محمد صلى الله عليه وسلم إنهم العلماء الربانيون الذين ورثوا علم الشريعة رواية ودراية وأحاطوا بأحكامها فقها واستنباطا.

وإن من اكبر نعم الله على هذه الأمة، أن حفظ لها دينها برجالها المخلصين؛ وهم العلماء العاملون، الذين كانوا أعلاماً يُهتدى بهم، وأئمة يُقتدى بهم، وأقطابا تدور عليهم معارف الأمة، وأنواراً تتجلى بهم غياهب الظلمة، فهم السياج المتين يحول بين الدين ومخالفيه، والنور المبين الذي تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه، فهم ورثة الأنبياء في أممهم، وأمناؤهم على دينهم، فإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وهم شهداء الله في أرضه، يشهدون أن رسله صادقون مصدقون، وأنهم بلغو الرسالة وأدوا الأمانة. والعلماء هم أهل الخشية {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} ومع غيرهم لايستون {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} هم النجوم بهم يهتدى ويقتدى، يصححون العقائد والعبادات، ويصلحون السلوك والمعاملات، يكون الناس بعلمهم وتوجيهم بإذن الله انقياء الفكر، أتقياء العمل، بهم يتضح الحق، وينكشف الضر، وتسود السعادة. وصلاح الأمة وخيريتها لا يتحقق إلا إذا قام العلماء بمسؤولياتهم، من الإيضاح والتبيين والعلم والتعليم، فهو ميثاق الله الغليظ الذي أخذه الله على من آتاهم الكتاب ألا يكتمونه أو يحرفونه.

من أجل هذا يجب على الأمة جميعا أن تعرف مكانة علمائها، وواجبها تجاههم، وأن تقدر العلم الذي يحملونه، والميراث الذي ورثوه، وأن تحفظ حقوقهم، وتقدرهم حق قدرهم، وتلتزم الأدب معهم، وتحذر كل الحذر من تنقصهم أو اللمز بهم!، أو تصيد أخطائهم أو التشهير بما يقع بينهم من خلاف واجتهاد! أو محاولة التهوين من الميراث الذي ورثوه أو المنهج الذي سلكوه! أو محاولة إزالة أو زعزعة مكانتهم في قلوب الأمة وخصوصا شبابها وناشئتها!!.. لأن أي انتقاص لهم أو مجرد التهوين من علمهم!، أو التقليل من مكانتهم!؛ سيكون أثره ليس على أشخاصهم فقط؛ بل هو انتقاص وزعزعة في ميراثهم الذي يحملونه والخير الذي يبلغونه، فهم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته المحيون لما مات من سنته.

والحديث عن العلماء ليس حديث تعصب لأشخاص أو تعصب لإقليم؛ بل هو حديث عن الحق الذين يحملونه، والهدى الذي يقتفونه، والإرث النبوي الذي ورثوه، والمسلم يقبل الحق بالدليل، ويرتضي الحكم من أهل العلم والخشية من غير تعصب لعالم أو إقليم أو هيئة أو جماعة, بل الغاية البحث عن الحق والتسليم للحكم من خلال كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ عارفا بقدرهم، حافظا لهم مكانتهم، ملتزما الأدب معهم، مبتعدا عن التجريح أو التطاول أو تتبع العثرات بل لابد من دحض الزلات وحملها أحسن المحمل؛ فالعالم مجتهد؛ له في كلا الحالين اجر وثواب، فالواجب على الأمة معرفة فضلهم والاعتراف بسابقتهم والشعور بعظيم أثرهم. وإن أي انتقاص من شخصهم هو انتقاص للدين! وأي تطاول أو تجريح هو تطاول وتجريح بأحكام الدين!! فالمسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن الصادق من أمنه الناس على أعراضهم.



Saad.alfayyadh@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد