Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/10/2009 G Issue 13540
السبت 05 ذو القعدة 1430   العدد  13540
العقل الملغي
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

عنوانه أصدق ما فيه؛ فقد قال - عفا الله عنه - إن (العالم ليس عقلا)، وليت (القصيمي) آمن بخطه العريض هذا؛ فلربما خرج بنفسه من دوامة التيه المنتهي بتيه مثله، وقد قدم إلى ربه؛ فلا يبقى إلا الدعاء بأن تشمله رحمة الله التي وسعت كل شيء.

** رأى الإنسان المثال من كان زنديق العقل، قديس الأخلاق، وفي كليهما إجحاف بحق ابن آدم الذي تترجح حياته بين نفس (أمارة) وأخرى (لوامة)، لتبقى العصمة للأنبياء، وليظل العقل منطلقا دون قيود، إلا حين التسليم لله تعالى، والاستسلام أمام مشيئته وحده؛ فله الأمر كله.

** احتدم النقاش بين ثلة أصدقاء حول بعض الغيبيات (الدنيوية) التي ينكرها بعض، ويتفكر بها بعض، وينقاد لها بعض، ويستشهد المؤمنون ببعض النصوص المقدسة التي تروي خوارق أجراها الله سبحانه على يد أولياء له، وثبتت بالقرآن الكريم، أو بالنصوص النبوية الكريمة قطعية الثبوت والدلالة، وهذه لا مساس بصدقيتها بل يقينيتها، والعاقل من يضع عقله جانبا أمامها، ويرفض محاكمتها بالمقاييس البشرية المعتادة، وهنا يفترق المؤمن عن سواه، وبه ينجو من أزمات الهوى وإفرازات الشك والدخول في سجالات ذهنية لا تتجاوز به مدار الأسئلة المفضية إلى أسئلة، والحوار الموصل للدوار، وربما أودى بأربابه إلى الكفر والإنكار.

** أحيانا تطول مقدماتنا، تحسبا لمن يقرؤون المعنى وفق أهوائهم؛ فيضطرون غيرهم لإقفال المنافذ أمامهم كيلا يفتحوها للغبار؛ فالعقل المنطلق من التبعية العمياء هو القادر على فتح الطريق نحو نهاية النفق الطويل.

** العقل هنا هو العقل المطلوب تفكره وتدبره ومحاكمته وأحكامه؛ فله رؤاه وإن شطت، وله تأويلاته وتهويماته مهما تجاوزت، ولا يمكن فرض الوصاية عليه من مرجعية ثقافية أو مذهبية أو اجتماعية ما دام الأمر متصلا باقتناعاته، ولا بأس إن تمرد أو تشدد، فحقه القول وحق الآخرين الرد، والتعددية منهج حياة لا مساومة فيه أو عليه.

** في هذا الجو الصحي تشرق الأذهان بالوعي الذاتي المبرأ من التكرار والمسايرة والتقليد؛ فلا طاعة لغير الله، ولا قدسية لأمثالنا من عباد الله، ولا سلطة لأحد على الفكر الفردي، وفي (غيرنا رجال ونحن رجال).

** كان (آينشتاين) يعمل ثلاثة أيام متواصلة بلياليها، وحين أوجد نظريته لم يقسر عليها أحد، ثم مضى، وبقيت (النسبية) حقا مشاعا لمن اعتنقها، مثلما هي لمن بدل وعدل فيها؛ فظهرت إضافات معرفية مؤسسة عليها، ولم يقف دورها عند العلوم التجريبية، ولو عملنا كما نتكلم، ولو انطلقنا بدل أن نقيد لربما كنا من يطور النظرات إلى نظريات، ومن يضيف إلى (الزمان والمكان والكتلة والطاقة)، ولكنا في موقع آخر من هذا الكون.

** العالم عقل



ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد