Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/10/2009 G Issue 13540
السبت 05 ذو القعدة 1430   العدد  13540
في حضرة.. (النملة)!!
ممدوح بن محمد الحوشان

 

حديثي إليكم اليوم سيكون عن شخصية سعودية رائدة نالت تأهيلاً علمياً عالياً، ولديها خبرة عريضة في العمل الوزاري، وأسهمت لسنوات في إدارة مؤسسات العمل الخيري والاجتماعي.

وأهدت للمكتبة العربية عشرات من الإصدارات البحثية المتميزة في مجالات متنوعة، وألبسها الله لباس الخلق الحسن والسمت الوقور، إننا اليوم في حضرة المفكر والمثقف والأستاذ الجامعي والمؤلف (والوزير السابق) الدكتور علي بن إبراهيم النملة..

عرف المجتمع السعودي (النملة) وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية بعدما اكتسب ثقة ولاة الأمر ولامس عن قرب حرص القيادة السياسية على رفع مستوى المعيشة لأبناء شعبها.. ووضع (النملة) يده على العقبات التي تقف في طريق تحقيق الرفاهة للفئات الأقل دخلا في بلاده.. وأسهم بفكره وجهده وعلاقاته في رسم ملامح الاستراتيجية العامة لمكافحة الفقر، والتي مازالت في طور التنفيذ والمتابعة من زملائه الذين خلفوه في المقعد الوزاري حيث يعملون جاهدين على استكمال خطوات معالجة الفقر ميدانيا بعد أن أنجز النملة ورفاقه مهمة البناء النظري البحثي..

وإذا كنت تستمع لخطب المتحدثين عن ضرورة تنمية الحس الوطني وتتابع (عبارات) المتكلمين عن أهمية تعميق الانتماء لتاريخ البلاد ومنهجها الإسلامي المتميز، فإنك في حضرة (النملة) سترى الإنماء الوطني الصادق متجسدا في فكره وطرحه وعباراته ومواقفه من الأحداث والمتغيرات، فهو يشعرك بأنه قد وضع لنفسه ثابتا فكريا راسخا يتمثل في جعل مصلحة الوطن ونهوض المجتمع وتماسك وحدته الوطنية خلف قيادته السياسية غاية عظمى ومطلبا أوليا وخطا أحمر لا يحيد عنه الفكر ولا يقبل فيه الاجتهادات ولا يحتمل المساومة أو العبث أو التهييج العاطي تحت أي ظرف كان.. وإذا تفهمت هذا المعلم الفكري في فكر (النملة) استطعت بالمقابل أن تدرك كيف رسم مسار حياته العلمية والأكاديمية والدعوية والعملية!

وعقلانية (النملة) وقراءته المتزنة للأحداث والوقائع (بتجلياتها الثقافية والاجتماعية والسياسية) سمة قل وجودها وعز نظيرها في زمن التطرف والتطرف المضاد.. فهو لفرط علمه وسعة اطلاعه، وتنوع تجاربه وخبراته بات شخصية حرة مستقلة تمتطي جواد العقل وتلجمه بلجام الشرع وتسوسه نحو ما يحقق مصلحة الوطن دون أي بحث عن نجومية (إعلامية) زائفة، ودون أي اهتمام بحالات الاستقطاب والتراص التي يفرح بها (مراهقو الفكر السعودي المعاصر)!!

وإذا غشي (النملة) المجالس وهو الكاتب والمؤلف والوزير والباحث وأستاذ الجامعة.. استمع أكثر مما يتحدث، وأعطى أذنه وعقله وقلبه لكل من سامره أو ساءله، وتراه ينصت في اهتمام بالغ لأطروحات من هم دونه في العلم والمكانة والعمر دون ان تند عنه أي إشارة لملل أو تأفف أو ترفع، وذلك عائد - في تقديري - لسبب جوهري عميق هو ان أمثاله من العظماء الذين امتلأت صدورهم بالحكمة وارتوت أفئدتهم من أوعية المعرفة يدركون أنهم قد يجدون الإضافة والمعلومة والفكرة والمعالجة الجديدة عند غيرهم من أصحاب الاختصاصات والمجالات البعيدة عن اختصاص هذه النخبة بحكم التخصص أو ضيق الوقت أو كثرة الاحتكاك والتواصل بطبقات اجتماعية معينة دون غيرها من فئام المجتمع وبالتالي يجد (النملة) وأمثاله لدى صغار المتحدثين ما لا يجده عند كبارهم!..

ويا ليتك تستمع (للنملة) متحدثا أو معلقا فهو يبدأ بسرد تاريخي مقتضب كمدخل للحوار واستهلال للموضوع، ثم ما يلبث ان يورد رابطا (ما) يربطه فكريا أو شخصيا أو معرفيا بموضوع النقاش، ثم يقرر قاعدة أو مرتكزا فكريا حيال ما يتحدث عنه مستندا إلى خلاصة خبرته الطويلة في التضلع المعرفي والحراك العملي، ومستدلاعلى رجاحة تحليله أو صحة اجتهاده بالاستدلالات الملائمة لطبيعة الموضوع (شرعيا كان أو لغويا أو معرفيا أو واقعياً)..

ولا يعرف (النملة) نبرة الجزم والقطع بصحة آرائه ومواقفه واجتهاداته الفكرية، بل هو يعرض ما لديه بأدب جم وتواضع غير مسبوق، مبديا (احتراما حقيقيا غير مجامل ولا متكلف) لمواقف المخالفين له في الرؤية والتصور إيمانا منه بنسبية الحقيقة وتعدد الزوايا التي ينظر منها المفكرون والمجتهدون للقضايا كل حسب علمه وخبراته ومنطلقاته.. (وأجندته)!!

وأينما حل وارتحل يزرع (النملة) حبه ويبذر احترامه في قلوب من حوله.. فهو يكرم مجالسيه ويحسن استقبالهم ويظهر عظيم الحفاوة برؤيتهم، ويشرف (بيده) على ضيافتهم وراحتهم في مائدته العامرة ويهديهم قبل مغادرتهم منزله كنوزا من الكتب والإصدارات الحديثة من مؤلفاته النافعة التي مازال يهديها للمكتبة العربية والإسلامية..

ولا أخالني مبالغا إن قلت: إن (النملة) آية في التواضع..

فهو يتعامل مع الصغير والكبير.. والعالم والأمي.. والمثقف والبسيط.. والموالي والمعارض بأبوية حانية وأريحية نادرة وتواضع جم.. ويمنح لهؤلاء كلهم حظهم من التقدير والاحترام، وهو يذكرك بسمته ووقاره وتواضعه بالعلماء الربانيين الذين لا تزيدهم المناصب إلا تواضعا وقربا من فئات المجتمع المتعددة،، وأظن أن الكبر والغرور هي السمة التي سيفشل (النملة) في اكتسابها مهما تلقى من دورات البرمجة اللغوية العصبية والايحاء النفسي في الداخل أو الخارج!!

إن أمثال (النملة) في مجتمعنا- ولله الحمد- كثر.. فالدولة رعاها الله منذ عقود - ومازالت - تتيح لأبناء الوطن المميزين فرص الإسهام في دفع مسيرة التنمية عبر إسناد المواقع القيادية والاستشارية للمميزين منهم.. وتبنت الدولة مبدأ (توزير) الكفاءات من المثقفين وأساتذة الجامعات ومنحتهم ثقتها ودعمها.. وولت الجديرين منهم مسؤولية إدارة المؤسسات الكبرى في البلاد قد أسهم كل بحسبه في تحقيق تطلعات القيادة الحكيمة لبلادنا المباركة.

وواجب مؤسسات ورجالات الثقافة والإعلام اليوم أن يهيئوا السبل والأدوات الكفيلة بنقل تجارب (النخبة الوزارية) وخبراتها للأجيال الحالية المعاصرة لهم.. ومن حق هذه (النخب) على مؤسسات الفكر والثقافة أن تلتف حولهم وتنشر علومهم ومؤلفاتهم وتستفيد من مجالات خبراتهم في الحراك التنموي..

ومن حق (الوطن) على هذه النخب أن يدونوا مسيرتهم ومذكراتهم وينشروا (ما يفيد القارئ دون إفشاء لأسرار العمل) لأن فخر الوطن واعتزازه بهذه القامات البشرية الباسقة لا يقل قيد أنملة عن فخره واعتزازه بمكتسباته التقنية والمادية.



mhoshan2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد