Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/10/2009 G Issue 13541
الأحد 06 ذو القعدة 1430   العدد  13541
حوار الطرشان
نادر بن سالم الكلباني

 

لِمَ نتحاور؟

بمجرد أن نقرّ بحاجتنا للحوار ونبيّن أهميته، فلا بد أن نقر بوجود الاختلاف، وإلا لما كان للحوار معنى إن كنا نحمل الأفكار والقناعات نفسها، والذين ينادون بالحوار..

..ويؤكدون على أهميته، لا بد أن يقبلوا بالاختلاف في الأفكار والرؤى والقناعات، ويقبلوا وجودها، لأن عدم فعل هذا ينقض ما يطالبون به من جذوره.

هذه من البدهيات التي لا أدري كيف يغفل عنها كثيرون.

الموصوفون بالتشدد - وأقول هذا جدلاً لتبيان فكرتي - متهمون بعدم قدرتهم على الحوار لعدم امتلاكهم لأدواته التي تُمكّنهم من مقارعة غيرهم، وأولى أدوات الحوار كما أفهمها، القبول بحق الاختلاف، لكنني أرى أن المنادين بالحوار الذين شنفوا آذاننا في كل مناسبة وهم يرددون الحوار وأهمية الحوار، ويؤكدون أن الاختلاف ثراء وتنوع ينصب في مصلحة تحسين الوضع العام والارتقاء به، لا يقبلون أبداً أن يُختلف معهم، ولا يستنكفون عن كيل التهم والتوصيف غير الحسن لكل من يخالفهم.. وهذا أمر لا أفهمه أن يُطالب البعض بالحوار ويتشدقون في مطالبتهم لتمرير فكرة يؤمنون بها مخالفة لواقع ما، ثم عندما يقول غيرهم فكرة لا تتوافق مع ما يؤمنون به، يواجهونه بكل أنواع الإرهاب الفكري وتطرف السلوك.

أسأل ثانية لِمَ نتحاور طالما أننا لا نقبل الاختلاف، ولا نسمع غير أصواتنا وما يتوافق مع قناعاتنا؟ وأقول: إن التطرف الآن يلبس عباءته الجديدة، عباءة ظاهرها التّحضر والمدنية، لكنه يحدث فينا الضرر نفسه - مع اختلاف المجال - الذي أحدثه التطرف القديم إن لم يكن أكبر، لأن القديم عرفناه ولمسنا آثاره وحجم الدمار المادي الذي أحدثه فينا، ومع نضوج تجربتنا معه كسبنا ولله الحمد مناعة ضده، أما التطرف الجديد، وقد استفاد من تجربة القديم، فحلوة نغماته، وسهلة كلماته، لكنه يحدث في فكرنا وشخصياتنا ونفسياتنا دماراً أثره أقوى وأبقى، فنعيش مكسورين مهزوزين خائفين، لا يحق لنا أن نقول غير ما يقوله، متوعدين إن خالفناه بأن نوصف بأبشع الصفات وبأننا مجموعة عوائق تحدّ من نهضتنا يجب التخلص منها، وربما يُشكك بوطنيتنا وحبنا لهذا البلد.

التطرف القديم أهدر دماءنا واستباح حرماتنا، والتطرف الجديد أهدر فكرنا واستباح حريتنا، وما بين هذا وذاك لا نجد غير أن ندعو الله أن يفك ضيقنا ويُعجِّل بفرجه علينا إنه وحده وليُّ ذلك.. والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد