Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/10/2009 G Issue 13541
الأحد 06 ذو القعدة 1430   العدد  13541
نوافذ
المنازلة الأزلية
أميمة الخميس

 

منذ أن سيطر الإنسان القديم على النار، واستطاع من خلالها أن يطوع الموجودات من حوله فيصنع بها الأسلحة، ويسخرها ليخيف من خلال لهيبها بقية المخلوقات، من وقتها قطع حبله السري مع أمه الأرض، وهو ما يطلق عليه عالم النفس أيريك فروم (بداية غربة الإنسان عن محيطه) وبدلاً من أن يكون جزءاً من الانسجام والتوازن الطبيعي للمخلوقات فوق الكوكب الأزرق الجميل، صار جزءاً ناشزاً متمرداً يجاهر محيطه بالعداء منذ تجاوزه لمرحلة الالتقاط وتحوله إلى مرحلة الصيد، حيث سعى إلى تسخير البيئة من حوله لأجل بقائه من خلال القتل وسفك الدماء، واغتيال الغابات، وشتى صنوف الاعتداء على التوازن الطبيعي لمحيطه.

عقاباً له سلطت عليه بيئته كوابح الأمراض والكوارث الطبيعية، كنوع من العقاب والانتقام لتطرجه وتحد من تمرده وعصيانه وغروره، فكان كلما حاول أن يوظف عقله (أداة الشر الأولى لديه) في منازلة الأمراض ومقاومتها والمزيد من الفتك بالطبيعة، ترسل له البيئة أنواعاً أكثر تطوراً من الفيروسات والميكروبات تنازل سبل العلاج التي يكون عقله قد توصل إليها في الانتصار على الجراثيم والميكروبات.

ومن يطالع أحد الكتب التي تتعرض لتاريخ الطب يعرف بأنه نوع من النزال الأبدي بين الإنسان والمرض فكل ما استطاع العقل أن يغرس رايات انتصاره فوق رفات مرض فتاك، وجد أن هناك في الأفق جيوشاً لأجيال جديدة قادمة، تصبو إلى النزال والتغلب على هذا المخلوق المتعجرف الذي يملأ الأرض جوراً، وكثيراً ما تتردد حولنا جملة (أمراض العصر) لنجد أنها في مجملها أمراض تعكس غربة الإنسان عن بيئته ومحيطه، وعقوقه للطبيعة أمه الأولى.

تماماً مثل أمراض عصر الوفرة الاقتصادية من ضغط وسكر وأورام خبيثة، التي ترجع في مجملها إلى نظام عيش انقطع عن الوظائفية التي خلق جسد البشر من أجلها.

ومن هنا قام هذا الجدل الكبير حول لقاح فيروس الإنفلونزا، نظراً لكونه فيروس ماكر ويوجد داخل شيفرته الجينية مقدرة هائلة على التحور والتطور لمقاومة الأجسام المضادة التي تحاول أن تقضي عليه عبر اللقاح وبالتالي لا يأخذ الحيز الزمني المناسب للاختبارات السريرية التي تحتاج سنين عديدة، حتى يظهر نوع جديد من الإنفلونزا أكثر تطوراً وأشد فتكاً ومقاومة للقاح السابق.

بموازاة الطب العقلاني المتعجرف على البيئة والذي يحاول دوماً تطويعها والسيطرة عليها بهدف خدمته، يوجد أنواع أخرى من الطب البديل وهو الطب الذي لا تعترف به الدوائر الطبية العلمية الوقورة فتطلق عليه من باب (المجاملة التي تبطن انتقاصا) بالطب البديل، وهو الطب الذي يحوي خبرات عريقة تخزن علاقات قديمة مع مظاهر الطبيعة النقية البعيدة عن معامل ومختبرات مدارس الطب الحديثة، وجماهيريته في اتساع يوم إثر الآخر.

سيظل العالم من حولنا في حالة نزال مستمر مع المرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ فالمرض هو رسل الدمار والخراب من بيئة أعمل فيها الإنسان يده تخريباً واستنزافاً.

أمس السبت هو 24 أكتوبر و يسمى (اليوم 350)، وتأتي هذه التسمية من عدد الأجزاء في المليون من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وهو الرقم الذي يؤكد العالِم الأبرز في مجال المناخ على مستوى العالم (جيم هانسن)، أننا لا ينبغي لنا أبداً أن نتجاوزه إن كنا راغبين في تفادي كارثة مناخية محتملة. لأن تركيز ثاني أكسيد الكربون بلغ بالفعل 386 جزءاً في المليون، وما يزال مستمراً في الارتفاع بمعدل جزأين في المليون سنوياً.

وعلى الرغم من هذا مازالت مدن العالم تبث إلى الفضاء هذا الغاز بكثافة يوماً إثر الآخر، وكأن أخبار البيئة وعلماءها وناشطيها مجرد أحلام رومانسية يصبو إليها مجموعة من المثاليين من ذوي الأحلام الطوباوية والمدن الفاضلة.

لتبقى حالة المنازلة والصراع الأبدي بين الإنسان وبيئته في محاولة كل منهما لتطويع وتركيع الآخر، دون أن يصلا لكلمة سواء، في حرب لن يكون فيها منتصر... بل الجميع خاسر.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد