لقد اطلعت على ما كتبه الدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي تحت عنوان: (هذا هو الأقصى) يوم الأحد 22 شوال 1430هـ ولقد أجاد وأفاد -وفقه الله- إلا أني توقفت عند قوله: (سألت تلك الزهور المتألقة من الأولاد في ذلك اللقاء عن المسجد الأقصى بعد أن عرضت علينا شاشة التلفاز في الأخبار صورة دامية من حصار المستوطنين والجيش الصهيوني له...) إلخ.
فأقول:
يتنافس معظمنا لمتابعة خبر هنا وهناك، أو سماع نبأ في شرق الأرض أو غربها، يبحث عنه في صحيفة، فإن لم يجد فعبر قناة فضائية، فإن أعياه ذاك دخل مواقع إلكترونية، يتابع الأخبار دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، علماً أن بعضهم مستصحب نية الوقوف على أخبار المسلمين، وما يمرون به من فتن ومحن، وحروب وكروب، أو فقر وحاجة، ثم يجتهد في نقل الأخبار إلى من يجلس معهم وإليهم وهو يقول: (من لم يهتم بأخبار المسلمين فليس منهم) - مع أنه نسي وتناسى الجار ذي القربى والجار الجنب! والصاحب بالجنب! وابن السبيل! والفقير! فأين هو عن قوله (من لم يهتم بأخبار المسلمين فليس منهم!!) - بل ويبذل في نشر كل خبر سمعه، أو قرأه، أو رآه، ويتعدى إلى أن يبذل جزءاً من ماله للاشتراك في مواقع إخبارية تزوده بالأخبار على مدار الساعة، مع أنه ليس بيده أي شيء يقدمه لأولئك غير البكاء أو الصراخ على حال الأمة، أو أن يلعن ويسب أعداءها، كمن يلعن الظلام طيلة ليلته، ولا يحاول إيقاد شمعة واحدة، فإن كان مدرساً جاء إلى مدرسته منهكاً من السهر على القنوات الفضائية الإخبارية فلا ينتفع منه طلابه، وإن كان خطيباً ألقى خطبة هزيلة فلا ينتفع الناس من خطبته، وإن كان مزارعاً، أو صانعاً أو تاجراً فهو كذلك... إلخ.. وقل ذلك في كل أحد ضاع بين الأخبار.
إن متابعة الأخبار بهذه الصورة التي عليها معظم الناس عبر قنوات مرئية إخبارية أو رسائل جوالية إخبارية، إن هذه الصورة في نظري تدل على سوء التدبير وقلة الإدراك، وعشوائية يعيشها كثير من أطياف المجتمع وإلا فإن العامل الصادق لأمته من همه العمل، لا المتابعة والنظر فحسب! بحيث لا يقف متفرجاً على أحوال الناس!!، إن بعض من نجحوا في حياتهم قديماً وحديثاً، تركوا لنا إرثاً عظيماً ما زالت الأمة تتوارثه إلى اليوم، كانوا أقل الناس متابعة لأخبار الناس ككثير من أعلام الإسلام.
خذ مثلاً الشيخ - ابن عثيمين فقد ترك إرثاً عظيماً ما زالت الأمة تتفيؤه إلى أن يشاء الله، وهناك ذهبوا أدراج الرياح، فلا هم عاشوا واقعهم ولا هم حفظوا إرث نبيهم.
وحقيقة ينبغي لكل واحد منا أن يعرف موقعه ومكانته، وما يتابع من الأخبار، وما لا يتابع (ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه)، فإنه من المؤسف أن أصبح صغار الشباب يتابعون عظائم الأمور، ثم يأخذ الواحد منهم يصحح ويخطئ، ويقدم ويؤخر، على صغر سنه، ونقصان عقله، وليس بيده أي شيء.. إن متابعة الحوادث المؤسفة والانهماك في ذلك مما يشتت الذهن، ويضعف الذاكرة ويقلق النفس، ويوهن العزيمة، وقد يؤدي إلى الإحباط أوالقنوط، أو يؤدي إلى الغلو والتكفير، أو إلى جهاد غير مشروع، ولست بهذا أدعو أن ينعزل المسلم عن واقعه، ولكني أدعو أن يتابع ما يهمه أو مجتمعه وأمته، لأن من المعروف أن في أمتنا متخصصين في السياسة والاقتصاد أو أي شيء من شؤون الناس، أما أن تكون هذه المجالات باباً يلج إليه عامة الناس الصغار والكبار، الرجال والنساء، فهذا ما لا يقوله عاقل (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83).
والعجيب أن من الناس اليوم من يعتقد أن متابعة الأخبار من لوازم الإيمان حتى حكموا على من اشتغل بالعلم والتعليم عن متابعة الأخبار، أنه لا يفقه الواقع، أو لايهتم بأمور المسلمين، أو أنه ناقص الإيمان ضعيف الإسلام، حتى زينوا للصغار متابعة مشاهد دامية (دماء - قتلى - أشلاء - حروب - اغتصاب) في القدس! أو غزة! أو العراق! أو الأفغان! أو الباكستان! أو الصومال!!!، مما سيكون لها عواقب وخيمة على أولادنا من فزع! وخوف! وقلق! ولو بعد حين، فهل كان هذا هو هدي نبينا صلى الله عليه وسلم الذي اجتهد في إبعاد الصغار والنساء عن الحروب والفتن ما أمكن، فها هو يرد ابن عمر من غزوة أحد، لأنه لم يبلغ الخامسة عشرة، وها هو يزجر بلالاً عندما مر بصفية بنت حُيي على قتلى يهود، وها هو يخفي الأخبار المؤلمة في غزوة أُحد عن عمته صفية بنت عبدالمطلب، وها هو يأمر أصحابه بعدم الإفصاح عن غدر اليهود في غزوة الأحزاب، هكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته.
أما إشغال الصغار والنساء وعامة الناس بالذي لا يملكون معه حولاً ولا قوة كالأقصى أو غزة أو الأفغان، فإنها سياسة غير محمودة وعواقبها مؤسفة، وما أحسن أن يشتغل المرء بنفع مجتمعه وإخوانه، وترك الذي لا يعنيه إلى الذي يعنيه.
فالله الله فيما كان عليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- من الانشغال بالنافع، ونشر العلم، والنظر في القرآن، والذي كان هو هم نبينا صلى الله عليه وسلم حيث كان يخطب بالقرآن، ويركز على القرآن ويدعو إلى القرآن، وأعرض عن كثيرٍ من الأخبار والأقاويل والإشاعات، بل سعى في وأدها وردها، وإخفائها عن أصحابه، كما في غزوة الأحزاب والمريسيع وغيرهما.
ولعل من بعض مفاسد الإغراق في متابعة وإذاعة الأخبار ما يأتي:
1- الانسياق وراء كثير من الإشاعات والإفك.
2- ضياع الأوقاف والأعمار فيما لا ينفع.
3- قد تؤدي إلى تضييع كثير من الحقوق الواجبة مثل حق الوالدين والأولاد والجيران وغيرهم.
4- الحزن على ما يسمع المرء من أخبار مؤسفة ومؤلمة.
5- قد يؤدي إلى الإحباط أو القعود والقنوط.
6- قد يؤدي إلى الغلو وردة الفعل، أو الجهاد غير المشروع.
7- قد تفتح باباً من أبواب متابعة الفساد الأخلاقي، ومشاهدة الصور المحرمة أو النساء العاريات.
8- قد تؤدي إلى ضعف العطاء والإنتاج من قبل (المربي - الخطيب - المزارع) .
9- قد تؤدي إلى الإرجاف والتخويف مثل متابعة وإذاعة حالات الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير.
10- قد تصرف المسلم عن العلم والقرآن.
11- قد تصرف المرء عن كسب قوته، وطلب تجارته.
وغيرها كثير.وإلى اللقاء.
فهد بن سليمان بن عبد الله التويجري
مدير إدارة الأوقاف بمحافظة المجمعة