Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/10/2009 G Issue 13545
الخميس 10 ذو القعدة 1430   العدد  13545
فلنكسر دائرة الفزع.. لعلاج نوبات الهلع

 

العلاج بكسر حلقة الهلع

امتدادا لمقالة الأسبوع الماضي، لكي نفهم علاج نوبات الهلع لابد أن نوضح أن المريض بهذه النوبة يفسر الأعراض الجسدية التي تحدث له تفسيرا خاطئا ويدخل في دائرة القلق الشديد والخوف الشديد من الموت أو الإصابة بالجنون كما هو موضح بالشكل المرفق، وهكذا يستمر المريض في هذه الدائرة والحلقة المفرغة من القلق والخوف المؤدي إلى الأعراض الجسدية والمؤدية إلى التفسير الخاطئ بأنه أوشك على الموت أو أنه سيصاب بالجنون، لذا فلابد من كسر هذه الحلقة والخروج خارجها، وذلك يتم بطريقين يسيران جنبا إلى جنب وهما:

1- العلاج الدوائي بالعقاقير الطبية.. مثل مضادات الاكتئاب وكذلك الأدوية المطمئنة.

2- العلاج المعرفي السلوكي، فلابد أن نذَكِر المريض أن هذه الأعراض ليست مؤذية أو خطرة، وأن هذه الأعراض والأحاسيس ما هي إلا تضخيما وزيادة لردود الفعل الجسمية الطبيعية لبعض الضغوط النفسية، كما أن المريض يمكن أن يتحكم في ضبط نفسه بعدم زيادة حدة النوبة لديه بألا يدخل أو يضيف أفكارا مرعبة ومخيفة حول ما يمكن أن يحدث بعدها وعليه أن ينتظر ويصبر ويعطي النوبة وقتها وهي ستمر وتنتهي، ولن يحدث له شيئا، كما يجب أن يتعامل المريض مع النوبة من خلال تخفيف الأعراض الجسمية مثل الخفقان وسرعة التنفس بواسطة عملية التنفس البطيء باستخدام عضلات البطن وأن التركيز على ما يحدث الآن في جسمه لو صبر عليه ولم يهرب منه ولم يضف إليه أي أفكار مزعجة فسوف تمر النوبة بسلام ويتلاشى الخوف تلقائيا وتدريجيا.

تعليمات وإرشادات للتخلص

من نوبة الهلع

أ- تعليمات أثناء النوبات:

على المريض دائما أن يتذكر بأن النوبة مؤقتة وهي لا تستغرق في العادة إلا دقائق معدودة ثم تهدأ تلقائيا وتدريجيا، فيجب أن يقول المريض لنفسه مهدئا لها "بعد ربع ساعة من الآن فقط سأكون بخير" ويتذكر المريض بنفسه أنه قد مرت عليه نوبات هلع من قبل ويقول لنفسه "هل أصبت بالجنون أو الوفاة أو أي مرض خطير من أي نوبة سابقة؟ بالطبع لا، لم يحدث، وكذلك، فإن أي نوبة قادمة ستنتهي دون أن تؤذي حياتي أو صحتي أو عقلي. أيضا يجب أن يقول المريض لنفسه إن النوبة كاذبة وخادعة دائما لا تصدقها، بل واجه كذبها ولسان حاله يقول لها (لقد خدعتني بما فيه الكفاية فلن أصدقك بعد الآن، أنت غير قادرة على إحداث أي ضرر لي).

وينبغي على المريض أيضا أن يقوم بتمرين التنفس (تنظيم التنفس) وهو أخذ نفس بعمق وببطء شديد من 8- 10 مرات في الدقيقة الواحدة وبهدوء واسترخاء لجميع عضلات الجسم، مع تغيير وضع جسمه بحيث يكون أكثر استرخاء، مع استخدام إحدى طرق صرف الانتباه والتشتيت والتي تساعد على استبدال الأفكار السلبية المصاحبة للنوبة ووضعه بدلا منها أفكارا إيجابية.. كأن يضع مثلا خيالات وأمورا محببة لديه (أشخاص يسعد بصحبتهم - نشاط أو رياضة يستمتع بها- مكان يفضل زيارته ... الخ)، مع قراءة آيات من القرآن الكريم أو أدعية أو أذكار لها أثرا مطمئنا للنفس.

ب- تعليمات بين النوبات:

1- كسر النموذج القديم والقيام بإعداد وبناء نموذج ذهني جديد فيكون هذا النموذج محتويا على مقدمات نوبة الهلع، فالتنبه إلى وجودها، فالاستجابة الهلعية، ومن ثم لابد من كسر هذه الحلقة المفرغة وهذه الدائرة والخروج خارجها.

2- تدوين وكتابة النصائح التي يقدمها ويقرأها كلما شعر أن النوبة قادمة وهذه الكتابة تكون بشكل يومي ويصف فيها كل نوبة تمر به.. متى حدثت وأين وكيف كانت شدتها، وهل حدثت في وجود الناس وماذا كان النشاط أو الموقف قبل النوبة مباشرة وأحيانا يصف ما الذي كان يدور بخاطره قبل النوبة وأثنائها والأفكار التي تتكرر في النوبات، وهل هذه الأفكار ذات طابع خاص، كما يهتم المريض أيضا بتكرار عمليات صرف الانتباه عن النوبة حتى يتم خفض الاحتقان الذهني، وكذلك تكرار تمرين التنفس ثلاث مرات يوميا ولمدة 20 دقيقة في كل مرة في أوقات مختلفة خلال اليوم وباسترخاء ويا حبذا لو تم الوضوء أو الاغتسال والصلاة، فإن لها فائدة رائعة للطمأنينة وفي إزالة التوتر ورفع المعنويات، ومن المفضل أيضا ممارسة الرياضة والمداومة عليها ومحاولة تنظيم ساعات النوم، وكذلك يفضل الابتعاد عن المنبهات (القهوة- الشاي) ويفضل تناول وجبات غذائية صحية والتنوع فيها. وأخيرا فقد أثبت العلاج المعرفي السلوكي دورا رائعا في علاج نوبات الهلع.

العلاج المعرفي السلوكي

يهدف هذا النوع من العلاج إلى البحث في طريقة تحسين حالة المريض الذهنية الحالية وهي طريقة للتحدث حول كيفية تفكيره بنفسه وبالعالم من حوله وبالناس المحيطين به، وكيفية تأثير ما يفعل على أفكاره ومشاعره.ويساعد هذا العلاج على تغيير طريقة تفكيره ولهذا يسمى (معرفي)، ويساعد على تغيير كيفية تصرفه في شأن ما، ولهذا يسمى (سلوكي) وهذه التغييرات يمكن أن تساعد المريض على الشعور بشكل أفضل. وعلى عكس بعض العلاجات النفسية الكلامية الأخرى فإنه يركز على المشاكل والصعوبات الحالية عوضا عن التركيز حول أسباب محنته وأعراضها في الماضي، لذا فإن هذا النوع من العلاج يبحث في طريقة تحسين حالة المريض الذهنية الحالية، ويمكن أيضا أن تفيد في كيفية تعامله مع مشاكله الحالية، وبالتالي سيساعده المعالج ليتمكن من كيفية تغيير الأفكار والتصرفات غير المفيدة. فمن الملاحظ أنه من السهل التكلم حول عمل شيء ما لكن ما هو أصعب من ذلك في الحقيقة هو عمل ذلك الشيء، لذلك بعد أن يحدد المريض ماذا يريد أن يغير، سيوصيه معالجه بعمل منزلي لتطبيق هذه التغيرات في حياته اليومية واعتمادا على الحالة يمكن أن يبدأ بالتساؤل حول فكرة مزعجة أو نقد ذاتي ويستبدلها بفكرة إيجابية أكثر واقعية طورها خلال العلاج المعرفي السلوكي.

وفي العلاج المعرفي السلوكي يخبر المعالج المريض بالآتي: (تعرف إنك بعمل شيء ما إنه سيجعلك تشعر بشكل مختلف لكن عوضا عن ذلك افعل شيئا مفيدا أكثر)، (في كل مقابلة ستناقش المستجدات من الجلسة الأخيرة). ويكمن موطن القوة في العلاج المعرفي السلوكي في أنه بإمكانه الاستمرار على تطبيق ما تعلمه وأن يطور مهارات جديدة حتى بعد انتهاء الجلسات، وهذا بالتالي يقلل من احتمالات عودة الأعراض والمشاكل ثانية، ومن المهم أيضا التوضيح بأن العلاج المعرفي السلوكي من أكثر العلاجات فعالية للحالات التي يكون فيها القلق والاكتئاب هما المشكلة الرئيسية، وأن العلاج النفسي هو الأكثر فعالية لحالات الاكتئاب الشديدة والمتوسطة وحالات الهلع، وقد يكون تأثيره في بعض الأحيان نفس تأثير أدوية علاج الاكتئاب أو للذين يرفضون العلاج بالعقاقير الدوائية. ومما تقدم فإنه ينبغي على المريض الذي يلجأ للعيادة النفسية أن يسأل المعالج الخاص به عن خطة العلاج الخاصة بحالته للتعرف عليها من البداية وحتى تتضح الصورة جيدا في ذهنه، وكم ستستغرق بالتقريب.

د. علي مصطفى
أختصاصي الأمراض النفسية والعصبية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد