Al Jazirah NewsPaper Friday  30/10/2009 G Issue 13546
الجمعة 11 ذو القعدة 1430   العدد  13546
(الجزيرة) تسأل والمختصون يجيبون
كيف يمكن الاستفادة من الإنترنت في نشر الفهم الصحيح للإسلام ؟

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة)

يلاحظ أن استفادة المسلمين من تقنية المعلومات والاتصالات الحديثة وخصوصاً شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) قليلة جداً، والمسلمون بهذا يضيعون آلاف الفرص الذهبية لكشف حقيقة دينهم، وبيان روعة عقيدتهم، وشمول شريعتهم.. فبدلاً من أن يتعاملوا بشكل علمي ومنهجي مع شبكة تنقلهم إلى العالم وتنقل العالم إليهم.. يلاحظ أن الكثير منهم غرقوا في سموم اللهو الشات، وانشغلوا بما لا يفيد، في الوقت الذي انهمك فيه الآخرون في محاربتنا، والدعاية السيئة لإسلامنا، وخلط السم بالعسل، والحقائق بالشبهات.. ولأننا تأخرنا في الركب، أصبحنا في موقف المدافعين وليس المبادرين.

في ظل هذا الوضع السلبي للمسلمين عامة، والدعاة وطلبة العلم خاصة: ألم يئن الأوان أن يعيد كل المسلمين - علماء ودعاة ومتدينين- النظر إلى شبكة الإنترنت، وأن نبدأ -على الرغم من تأخرنا- خطوات جادة على طريق الاستغلال الجيد لأحدث وأسرع وسيلة تعارف وتبادل للمعلومات، وكيف يمكن الاستفادة من هذه الشبكة العالمية في نشر الخطاب الإسلامي للعالم، وإقناع المشككين برسالة الإسلام السمحة، والدفاع عنه، والتواصل مع الغرب، وتعريفهم بحقيقة وجوهر الإسلام، خاصة بعدما لوحظ في الفترة الأخيرة من اتجاه الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية لفتح صفحة جديدة للعلاقات تقوم على التفاهم، والتعاون، واحترام الآخر ؟

وجود ضعيف

يوضح الشيخ عبدالمنعم المشوح -المدير التنفيذي لموقع حملة السكينة- : لكل زمنٍ آلته التي تحمل راية التغيير، وتكون هذه الآلة هي الأكثر انتشارا في جميع الأوساط على غيرها من الآلات.. ففي أزمان سبقت ظهرت الطباعة وأحدثت ثورة في العلوم والفكر واجتاحت كل المجتمعات والطبقات وغيرت من تركيبة الأرض الفكرية، وفي هذا الزمن (الإنترنت) هو أسلوب التغيير والتأثير بل هو أبعد من الطباعة تأثيرا؛ لأنه يفتح مجالا للتبادل السريع والمباشر.

إذا علمنا أن (20%) من سكان العالم يستخدمون الإنترنت - وفق وورد ستايتس- ويتضاعف عدد المستخدمين سنويا بنسب عالية سواء في البلدان النامية أو الصناعية، مما يعني أن أكثر من مليار شخص يدخلون عالم الإنترنت، بالإضافة إلى تأثير الإنترنت على الحياة العملية والفكرية والأمنية فتتجاوز نسبة تأثيره على واقع الحياة ال (60%).

وسط هذا الزخم الهائل نتساءل أين الوجود الدعوي الشرعي ؟ هل يوجد خطاب إسلامي عبر الإنترنت عالمي مؤثر ؟ وما هي نسبة تأثيرنا وسط (المليار) مستخدم ؟

بعيداً عن التصورات والتوقعات دائما لغة الأرقام تكون أقرب للتصور الصحيح.

أغلب المواقع الإسلامية باللغة العربية وهي تشكل نسبة (90%) من المواقع الإسلامية تقريباً، فإذا عرفنا أن المواقع العربية نصيبها من المستخدم العربي لا يتجاوز ثلاثة ملايين من (19.000.000) مستخدم عربي للإنترنت فالنسبة تعتبر قليلة جداً.

وإذا تصورنا حقيقة ضعف الوجود الدعوي في الإنترنت - والكلام للمشوح- نحتاج الآن معرفة الأسباب، وهي فيما أعتقد ترجع إلى : قلة المتخصصين، وعدم قناعة الكثير من الداعمين، وأغلب المشاريع الدعوية الإنترنتية ارتجالية غير مدروسة، وكذلك تحفظنا في مجال الحوار والانفتاح على الآخرين لإيصال الدعوة.

وأقترح لوضع أرضية قوية في مجال الدعوة عبر الإنترنت: تضمين مادة (الدعوة عبر الإنترنت) في مناهج الكليات والمعاهد الشرعية، ووجود مؤسسات دعوية متخصصة في بث الدعوة عبر الإنترنت، وإيجاد مسابقة عالمية لأفضل المواقع الإسلامية، مع إيجاد رابطة إسلامية دعوية للمواقع والمتخصصين.

ورغم ذلك لا ننسى الجهد الكبير الذي تقدمه بعض المواقع الإسلامية في نشر الإسلام ورفع الجهل عن المسلمين ونلمس تأثير هذه المواقع في حياة الناس اليومية وتأثيرها في الخطاب الدعوي العام رغم محدودية إمكاناتها.

وفي الجملة، الإنترنت ساحة للدعوة عظيمة، ينفع ويبقى ما يُطرح فيها، وتدخل ضمن الأعمال المستمرة والدائمة بإذن الله، فما يُنشر في الإنترنت بقاؤه أحفظ من الكتاب وأسلم.

رؤية علمية للمسلمين

ويقول الدكتور أحمد الدبيان مدير المركز الثقافي الإسلامي في لندن : إنه من التعميم غير الجيد أن نقول إن المسلمين لم يستفيدوا من الإنترنت في خدمة فكرهم ودينهم ! وسبب ذلك ظاهر للمراقب المتابع، وهو أن هناك آلافاً مؤلفة من المواقع الجادة التي تخدم الثقافة الإسلامية بمختلف فروعها وجوانبها... ولكني أجد من الدقة في القول أن نقول إننا نعاني من مشكلات عدة في هذا الجانب خلال هذا العصر التقني المتقدم.

ولعله يمكن إيجاز هذه المشكلات في القول إننا في حاجة إلى تبني رؤية علمية وثقافية في عرض ثقافتنا للآخر من خلال الشبكة، نتبنى فيها مثلاً تصحيح الخطاب في كثير من المواقع الموجودة والجديدة على الشبكة. وهذه قضية معقدة ذات جوانب عديدة. وفي هذا السياق يمكن القول أيضاً إننا في حاجة إلى مواقع للثقافة الإسلامية والتعريف بديننا وبنا بصورة عامة وبلغات عالمية عدة تقدم الفكر الإسلامي الصحيح وتفيد الأفراد والمجتمعات.. وهذه قضية ثانية أخرى. أما ما ذكر من أن كثيراً من الناس يستعمل الشبكة وسيلة للهو والتسلية فقط دون استعمالها في المعرفة والحصول على المعلومات فهذه حقيقة، وهي ليست مشكلة المسلمين وحدهم، بل هي ظاهرة عالمية في كل الدول والمجتمعات؛ لأنها متعلقة بميول الأفراد ونفسيتهم وتربيتهم وثقافتهم الفردية وما من سبيل إلى إضعافها والتقليل منها إلا بزيادة وعي الفرد وثقافته.

ومن مشكلاتنا المرتبطة بهذا الجانب النفسي مع الشبكة في دول العالم الثالث أن هذه الشبكة صارت باباً مفتوحاً للتشهير، والسب، وتبادل الشتائم، والنقد الدنيء غير المفيد للأفراد، والأسر، والشخصيات.. وهذا يدل على ضحالة التفكير والرغبات المكبوتة لدى كل أفراد هذه الفئة. وهي تعكس أيضاً مدى التخلف الفكري الذي تعانيه هذه المجتمعات وتبرز لنا جلياً المأزق التربوي الذي نواجهه اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية .

البحث عن طرق جديدة

ويضيف د. الدبيان: إن شبكة الإنترنت اليوم تتفوق على وسائل الاتصال الأخرى، وتزيحها قليلاً قليلاً عن موقعها. وهذه ظاهرة تحتم علينا وعلى الجهات المعنية بالشؤون الإسلامية والدعوية والحوار والعلاقات.. أن تبدأ البحث عن طرق جديدة ومهارات متقدمة لعرض رسالتنا الثقافية، وتقديمها للآخر بصورة ما وبطرق مبتكرة وجذابة تتوافق مع التطور التقني، ومع العصر الجديد. وتتفق مع سياسات التسويق الفكري. وهي وسائل برع فيها كثيراً مؤسسات كثيرة في الغرب وتقدموا فيها. وشبكة الإنترنت خير دليل على ذلك.

والذي ألمسه هنا هو أن المواقع التي تعرّف بالثقافة الإسلامية عموماً وتتوجه في خطابها إلى غير المسلم أقل من غيرها مع كثرة المواقع الإسلامية الأخرى. وهذه في تصوري إحدى الثغرات الهامة التي ينبغي التركيز عليها. وعلى الرغم مما يقال أحياناً عن الغرب، وعلاقته بالإسلام ومدى ضيق فضاءات هذه العلاقة أو سعتها...فإنه يمكن القول بكل تأكيد إن هناك في الغرب ملايين الأفراد ممن يودون التعرف على الحضارة الإسلامية وتعاليم الإسلام ومجتمعاته...بصورة أو بأخرى. وإني من تجربتي على يقين أنه لو فتحت لهم نافذة من الفرص نحو هذا التوجه لفرحوا بها وركنوا إليها؛ لأنها تقودهم إلى عالم واسع يودون التعرف عليه. وهذا أساس من التفكير ومنحى من النظر ينبغي الاهتمام به اليوم.

ميدان للمنافسة

ويرى المدير العام لموقع (الإسلام اليوم) صالح بن حمود الفوزان أن الإنترنت اختراع بشري رائع، وميدان معرفي هائل، يستطيع من خلاله الإنسان أن يوصل رؤيته وفكره، ويطرح آراءه، أيًّا كانت؛ لأنه ساحة بلا أسوار ولا حواجز ولا حدود.. تسع الكل بألوانهم ومشاربهم وأفكارهم.

ومن هنا كانت ميدانا صاخبا للمنافسة والتدافع بين الرؤى المختلفة والأطروحات المتباينة، والأفكار المتضادة. ومن أجل هذه الطبيعة الخاصة للإنترنت، كانت الحاجة ماسةً لأن تُوجد الفكرة الصحيحة لنفسها مكانا مميزًا حتى لا تَشْرُدَ العقول لاستيلاء الفكرة المضادة على المتلقين عند تَغَيُّبِ الفكرة الصحيحة..

وليس هنالك من فكرة تخضع لها العقول وتستقيم بها الحياة مثل الفكرة النافعة التي تنبثق من ديننا وعقيدتنا، والإنترنت لم يكن راحلة جاءت متأخرة بالنسبة للإسلاميين كعادتهم في كثير من معطيات العصر الحديث يقفون في بدايتها معارضين لها من باب سد الذرائع وتغليب المصلحة إلخ، بل جاؤوا هذه المرة أسرع بكثير واستفادوا من الفصول السابقة التي رسبوا وتأخروا فيها بامتياز، لذا كان التأثير هذه المرة واضحا ومميزا في مجال الإنترنت والتدافع نحو العنان.

ومن أجل الوصول إلى الغاية المرجوة ينبغي أن تتوفر لها الأسباب التي تدعمها وتقويها وتنميها، حتى تصل إلى المتلقي سالمة من شوائب الانحراف، ومن رداءة العرض.

ولكن للأسف هناك بعض الطرح الإسلامي في الشبكة ليس لديه منهجية واضحة ورؤية بعيدة، مع حضور الارتجال الآني الذي لا يتوافق مع جلالة الفكرة الإسلامية، وشدة حاجة الناس إليها.. ولكي يتحقق هذا لابد من إطار عملي يتمثل في عدة مقترحات كالتالي:

- طرح الفكرة الإسلامية في ثوب عصري بلغة تتواءم مع ثقافات المتلقين، وطبيعة المرحلة الزمنية التي يمر بها العالم. فلا يكون الطرح تراثيا بعيدا عن أذهان المتلقين، ولا نمطيا يفقد روح الإسلام ونضرته ويختزلها في عبارات مكررة، وإنما يكون طرحاً متماشياً مع قواعد الإسلام وأصوله وثوابته، وطبيعة العصر ومتغيراته.

- قيام الكبار من المتخصصين في المجالات العلمية والمعرفية المتنوعة والمتعددة بتأهيل الكوادر المختصة بعرض الرسالة المعرفية عرضا ساطعًا، من خلال إمدادهم بالخبرات العلمية الرصينة، والمعرفة الموثوقة عبر الدورات والمحاضرات والدراسات والبحوث والندوات، حتى نخرج من إطار الشخصنة والارتجالية التي قد يعتريها الخطأ، إلى إطار المنهجية المتوازنة، والأكاديمية المؤسسة على قاعدة علمية ومعرفية مكينة.

- تآزر المواقع الإسلامية وتعاونها فيما بينها للوصول إلى صيغة موحدة للهدف المأمول من قيام هذه المواقع، حتى لا يصير كل موقع جزيرةً منعزلةً عن غيرها، أو صورةً باهتة من موقع آخر، أو صيغة مختزلة أو معارضة للموقع الآخر. مع الالتزام بالتنافسية الجادة، حتى نتجنب تشتيت الجهود، وقيام الصراعات لتعارض الرؤى وتنافر الأفكار.

- تبصير النائين من أهل العلم عن الشبكة بضرورة التواجد والتواصل فيها؛ لأنها صارت رافداً كبيرا من روافد المعرفة، وعاملا مؤثرا في صناعة الحياة المعاصرة، وأن هذا الميدان لا ينبغي تركه للآخر فارغا من وجود يحدده أو يقارعه الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق أسلم وأقوى وأسلم قِيلا.

- الدعم المادي والمعنوي للمواقع الإسلامية التي تقوم بمهمة عرض الإسلام والتصدي لبعض الأفكار غير المنسجمة مع روح الإسلام وثقافة العصر؛ حتى يتوفر لهذه المواقع الكوادر المميزة، والتقنية الجاذبة للمتلقي.

- وإن كان يفضل أن تستقل هذه المواقع والمنتديات عن أيدي الآخرين وصدقاتهم لكي تستطيع أن تؤدي رسالتها دون دخول بعض الأيدي ذات الفضل في فرض رؤية معينة أو تغيير مسار معين نظرا لما تتمتع به اليد المعطاءة من علو على الآخرين وفرض صوت قد يكون نشازا أحيانا.

- التكامل بين عناصر الإعلام الإسلامي؛ بحيث تدعم القنوات الجادة المحافظة هذه المواقع، وتنوه الصحف، وتتشارك الندوات والمؤتمرات في دعم هذه المواقع.

- الاعتناء بالجانب التفاعلي في المواقع كلها، حتى يكون الطرح حيًّا موصولاً بطموحات الجماهير واحتياجاتهم.

فإذا ما أحسن العاملون في الحقل الشبكي تطبيق هذه المقترحات، واستثمار هذه النظرة.. أعتقد أننا سنشهد تحولاً هائلاً في النشاط الإعلامي والدعوي الإسلامي على الإنترنت.. وسنجني ثماراً نضيجة لعمل جاد ممنهج.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد