Al Jazirah NewsPaper Friday  30/10/2009 G Issue 13546
الجمعة 11 ذو القعدة 1430   العدد  13546
الهمم والأمنيات
د. أحمد بن صالح بن إبراهيم الطويان *

 

الأمنيات كثيرة والأماني متنوعة والهمم والآمال مختلفة يعيش الإنسان في الحياة يتمنى ويؤمل ويتطلع للمستقبل فهمم تصعد وترتفع بأصحابها وهمم تقعد بأصحابها.

فعن أبي موسى قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً فأكرمه فقال له ائتنا فأتاه الأعرابي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل حاجتك فقال ناقة برحلها وأعنزا يحلبها أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل فقال أصحابه وما عجوز بني إسرائيل قال إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلوا الطريق فقال ما هذا فقال علماؤهم نحن نحدثك إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا فقال من يعلم موضع قبره قالوا ما ندري أين قبر يوسف إلا عجوزاً من بني إسرائيل فبعث إليها فأتته فقال دلوني على قبر يوسف قالت لا والله لا أفعل حتى تعطني حكمي قال وما حكمك قالت أكون معك في الجنة فكره أن يعطيها ذلك فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء فقالت انضبطوا هذا الماء فانضبطوه قالت احفروا واستخرجوا عظام يوسف فلما أقلوها إلى الأرض إذا الطريق مثل ضوء النار، ومعنى عظام يوسف أي جسده.

وعن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم نهاري فإذا كان الليل أويت إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبت عنده فآتيه بوضوئه وحاجته فلا أزال أسمعه يقول سبحان الله وسبحان ربي حتى أمل أو تغلبني عيني فأنام.

فقال يوماً يا ربيعة سلني فأعطيك فقلت انظرني حتى أنظر وتذكرت أن الدنيا فانية منقطعة فقلت يا رسول الله أسألك أن تدعو الله أن ينجيني من النار ويدخلني الجنة وفي رواية أسألك مرافقتك في الجنة.

فقال: من أمرك بهذا قلت ما أمرني به أحد ولكني علمت أن الدنيا منقطعة فانية وأنت من الله بالمكان الذي أنت منه فأحببت أن تدعو الله لي قال إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود. رواه مسلم والطبراني.

تلك الهمم العالية والأمنيات السعيدة الكريمة التي تتطلع للآخرة وما أعد الله فيها لعباده.

إن الإنسان ليحتقر نفسه حين يسمع بتلك الهمم العالية، ما هي أمانينا وما هي آمالنا وما هي همتنا وما هي حاجتنا!!

قال سليمان بن عبدالملك لأبي حازم ارفع إليّ حاجتك قال نعم تدخلني الجنة وتخرجني من النار قال ليس ذاك إلي قال فما لي حاجة سواها.

فقال أدعو الله قال نعم اللهم إن كان سليمان من أوليائك فيسره لخير الدنيا والآخرة وإن كان من أعدائك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى.

وقال عبدالملك بن مروان لعطاء ما حاجتك فإنما سألتنا حوائج غيرك وقد قضيناها فقال عطاء مآلي إلى مخلوق حاجة.

لقد كان أصحاب الهمم العالية المتعلقة بالآخرة يرون الدنيا وزهرتها فيخافون أن تبسط لهم قال صلى الله عليه وسلم عرض على ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت شكرتك وحمدتك.

وجيء إلى عبدالرحمن بن عوف بطعام وهو صائم فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بدرة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

إن تلك النفوس الأبية والقلوب المطمئنة هي التي تاقت إلى الآخرة فنظرت إلى الدنيا وحطامها فلم تقنع إلا بالآخرة.

لم تتطلع إلى الأرصدة والأبنية والأطعمة والأكسية وإنما نظرت بعين اليقين فلم تكن حاجتها في الدنيا بل في الآخرة.

لم تعش للشهوات والملذات والغفلات.

لم تتمن الشهوات ولم تسع لها.

إن لله عباداً فطنا

طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا

نظروا فيها فلما علموا

أنها ليست لحي وطنا

جعلوها لجة واتخذوا

صالح الأعمال فيها سفنا

عاشوا للآخرة والإعداد لها..

ونظروا إلى أهل الدنيا فلم يروا أخذوا غير القطن والكفن.

خذ القناعة من دنياك وارض بها

واجعل نصيبك منها راحة البدن

وانظر لمن ملك الدنيا بأجملها

هل راح منها سوى بالقطن والكفن

كم يتطلع الإنسان ويتمنى ويعيش عمره في الحياة يتطلع إلى ما يتمناه ويطلبه..

وليس له من الدنيا إلا ما كتب له فمن كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ومن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع الله له قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة.

وفي الأثر إن للدنيا بنون وللآخرة بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا وآثروا ما يبقى على ما يفنى.

إننا نرى ونشاهد ذلك التكالب على الدنيا وزهرتها والتنافس من أجلها ومن أراد الأمنيات الحقيقية فلينظر إلى أهل المقابر ما هي أمنياتهم... (لعلي أعمل صالحاً فيما تركت).

لينظر أهل القبور ما هي بيوتهم وما هي أرصدتهم.



twoian@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد