Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/11/2009 G Issue 13548
الأحد 13 ذو القعدة 1430   العدد  13548

تعقيباً على مقال المهندس السليم
هكذا تكون المواطنة.. وهذا دور الأثرياء المنتظر

 

في العدد 13533 من (الجزيرة) الغراء بتاريخ 28- 10-1430هـ عشت لحظات ماتعة مع التعقيب المسدد الحافل بالشفافية والموضوعية الذي خطته أنامل المهندس مساعد يحيى السليم محافظ عنيزة الفيحاء، لا أقول عنه رداً، ولكن أقول إيضاحاً وبسطاً لوجهة نظره مدعماً بالأدلة الموثقة من الواقع المشاهد والملموس.

هذا التعقيب جاء إثر ما كتبه الأستاذ عبدالرحمن السماري بالجزيرة تحت عنوان (احتفالات بالشحاذة)، وإيماناً بأهمية الحوار الهادف والنقاش البناء مهما اختلفت الرؤى وعملاً بالحكمة المأثورة (من المناقشة ينبثق النور) ومعها تسطع الحقيقة المنشودة.. من هذا المنطلق الأخوي سأدلي بدلوي بكل هدوء وبكل صراحة أملاً بأن أوفق بإضافة ولو النزر اليسير حول الموضوع، وربما يعطي الآخرين الفرصة للإضاءة والإضافة بما يحقق المصلحة العامة بما يخدم الوطن والمجتمع.

في البداية أشير بإلمامه مختصرة حسب فهمي لما جاء في مقال الأخ السماري من واقع إعادة قراءته؛ حيث طالب الأثرياء ورجال الأعمال بالاضطلاع بواجبهم نحو وطنهم، وأن تكون مساهماتهم على قدر ثرائهم العريض وعلى مستوى سخاء الوطن معهم في مشاريعه الهائلة، كما تطرق إلى دور المحافظين ورؤساء المراكز في مناطق المملكة في حفز ومناشدة الموسرين الكبار المنتمين لمحافظاتهم على الأقل من رجال المال والأعمال وخاصة المقصرين منهم أن تكون مساهماتهم فاعلة في مشاريع باقية وحيوية.

وأخيراً عتب على بعض وليس كل المحافظين؛ حيث اهتمامهم لا يتعدى الأشياء الهامشية، وأن تواصلهم مع رجال الأعمال يكون أحياناً من أجل طلب تغطية تكاليف الاحتفال بمناسبات لا ترقى إلى مستوى الاهتمام بها. وكرر الأخ السماري كلمة (البعض) ولم يشمل الجميع.. وهنا آتي بالتفصيل حول ما جاء في تعقيب أخي سعادة المهندس مساعد السليم فأذكره من واقع ما أرى وأسمع وأقرأ على مدى نصف قرن مضى أن المحافظين ورؤساء المراكز في طول البلاد وعرضها لا يتساوون في طموحاتهم وأفكارهم وإنجازاتهم، منهم الصقور ومنهم الحمائم، منهم من يحرص على الإنجاز والإلحاح بالمطالبة بأن تكون محافظته والمراكز التابعة لها في المقدمة في مجالات التقدم والازدهار والتعاون، ومنهم من يؤدي وظيفته برتابة وهدوء ويحرص على العزلة والانطواء، ومنهم من يسعى جاهداً لتحقيق مصلحته أولاً مستغلا ًوظيفته لأهداف أغلبها ربما تكون أحياناً بعيدة عن متطلبات المحافظة وهمومها والتخطيط لمستقبلها.

لذا فيلعذرني سعادة المحافظ إذا قلت إن تعميمه الوارد في أكثر من فقرة من مقاله بأن ما هو موجود في مدينة عنيزة موجود في جميع مدن ومحافظات ومراكز الوطن، هذا التعميم غير دقيق ولو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر بعض المحافظات الأخرى في منطقة القصيم مثلا، وليس على مستوى المملكة، لوجدنا البون الشاسع والفرق الكبير بين بعضها البعض، خاصة في طموح ومساهمة أثريائها وتبرعاتهم المتواصلة السخية الطائلة في مشاريع حيوية صحية واجتماعية وترفيهية وثقافية وبلدية وحضارية.. في محافظة البكيرية مثلا تجد في مساهمة أثريائها ما يؤكد المواطنة الحقة الفاعلة، وفي عنيزة الفيحاء - اللهم لا حسد - تتجسد المواطنة بأصدق معانيها وأزكى ثمارها، ويكفي دليلا على ذلك أن مساهمة أبناء وأثرياء المحافظة في مشاريع حيوية تخدم المحافظة وأهلها تكاد تلامس المليار (ألف مليون ريال) من واقع ما أشار إليه وبشَّر به سعادة المحافظ، وهذا لا يستغرب ولا يستكثر من أبناء عنيزة الأوفياء الكرماء الذين هم على تواصل دائم وفاعل مع مدينتهم الغالية المأنوسة قديماً وحديثاً.

وفي الجانب الآخر تجد أن بعض وليس كل مدن منطقة القصيم لا ترى ولا تسمع في أرجائها صوتا ولا صدى لنغمات الملايين على الرغم من ثراء بعض أبنائها وخاصة المقيمين في كبريات مدن المملكة حيث يملكون المؤسسات الكبيرة والشركات القابضة في المجالات الاستثمارية المتعددة، وإذا غُلب الأمر وجاد أحدهم بالقسط اليسير فهو غالبا لا يتعدى إعادة بناء مسجد قائم أو بناء غرفة في فناء أحد المرافق القائمة أو إفطار عمالة سائبة وهاربة أو توزيع مشروبات ومواد غذائية أوشكت صلاحيتها على الانتهاء دون الاقتراب أو حتى التفكير بالمشاريع الحيوية الصحية والاجتماعية والتعليمية والحضارية أو تنظيم سوق خضار أو إنشاء طريق معبد أو حتى المساهمة في تجميل المدينة على الأقل، وأين ذلك من دور رجالات عنيزة الأوفياء الذين ذكر المحافظ أن أسماءهم وأعمالهم الجليلة تحتاج إلى تأليف كتب وليس مقالات في جريدة، ولكن التحفُّظ هو حول مقولته التي أعادها مراراً في معرض تعقيبه بأن ما هو موجود في عنيزة نتيجة مساهمة رجال الأعمال والأهالي موجود مثله وربما يفوق في جميع مدن ومحافظات ومراكز الوطن الحبيب.

وهذا يعيدنا ويذكرنا بالطرفة المشهورة المضحكة المعبرة (جاء أحد أبناء الجيران من المحتاجين يشكو إلى جاره الغني أن أهله يعانون نقص الخبز؛ فما كان من الثري إلا أن بادره بالقول: قل لأهلك يستعيضون عن الخبز بأكل الكيك). ولمصداقية وحقيقة التباين والاختلاف بين مدينة وأخرى في بلادنا هنا نستطيع القول على سبيل المثال، ومن الواقع المشهود، إنك تجد مدينة عريقة كبيرة مكتظة بالسكان ذات تاريخ حافل اشتهر أهلها على مدى الأزمان بالشجاعة والشهامة والنخوة والكرم وتقارن بين ماضيها الزاهر وما تعيشه الآن من رتابة وخمول وتأخر نتيجة عدم تكاتف أبنائها وغياب مسؤوليها وسلبية أثريائها من أصحاب المليارات.. هنا وفي هذا الموقف يحلو لك بل يجب عليك أن ترفع صوتك وأن تنادي وتردد من أعماق قلبك ونبض مشاعرك هذين البيتين:

بني أمي أفيقوا من سبات

لطول زمانه سئم السرير

إذا مضت الحياة على رقاد

تشابهت المضاجع والقبور

والله ولي التوفيق

عبدالله الصالح الرشيد

abo.bassam@windowslive.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد