Al Jazirah NewsPaper Friday  06/11/2009 G Issue 13553
الجمعة 18 ذو القعدة 1430   العدد  13553
إطلالة على الفن التشكيلي اللبناني المعاصر
العائدون من دراستهم خارج الوطن شكلوا النواة الأولى

 

لبنان- رشا ملحم:

كان الفن اللبناني المعاصر ثمرة تجارب ومحاولات فنيّة عديدة شكّلت عصباً أساسياً في تغيير مسار الحركة الفنية في لبنان.

ولدت الفنون التشكيلية على يد فنانين هواة توجّهوا إلى أوروبا لدراسة الفن في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وهذا لا يعني أن لبنان كان بعيداً كل البعد عن التصوير، فقد عرف الفن الأيقوني (رسوم جدارية) ما بين القرن السابع والسابع عشر، وفيما بعد أضيفت بعض عناصر وميزات الفن الغربي فرسمت البورتريهات لرجال الدين، ومع بداية القرن التاسع عشر أدخلت المشاهد الطبيعية إلى الأعمال الفنية، وكانت ضعيفة من الناحية التقنية.

اتجهت الأنظار فيما بعد إلى الدول الأوروبية نظراً للتبدلات التي طالت مختلف ميادين المجتمع الغربي.

فسافر عدد من الشباب الهواة إلى الخارج لدراسة الفن وعند عودتهم كانوا هم النواة الأولى لحركة فنية طامحة في البلد وبدأ واقع فني جديد.

ويتفق عدد من المؤرخين على أن الفن اللبناني من عام 1861 حتى اليوم مر بست مراحل مختلفة تبعاً للتحولات والظروف الاجتماعية والسياسية التي مرّت به.

مراحل وسمات الفن اللبناني خلال القرن العشرين

شكّل الهواة المرحلة الأولى للانطلاقة في مسيرة فنية سمّيت بمرحلة الرواد، امتدت من عام 1861 حتى 1922 برزت فيها المواضيع الفلكلورية والقروية إلى جانب رسوم الكنائس والبورترية التي كانت تقليداً طبيعياً ووليدة (نزوة اجتماعية عميقة، هي الرغبة في أن يرى الناس صورهم معروضة أمام الناس) وهذه النزعة كانت ظاهرة سائدة آنذاك في الفن العثماني، الذي كان على صلة وطيدة بالفن اللبناني.

من أبرز الروّاد داوود القرم (1852-1930) حبيب سرور (1860-1938) وخليل الصليبي (1870-1928) واستمر الفن على هذا المنوال حتى بزغ فجرعهد جديد لفنانين سمّوا بالمعلمين وامتدت مرحلتهم من 1923حتى 1943 الفترة التي كان فيها لبنان واقعاً تحت سيطرة الانتداب الفرنسي، امتازت هذه المرحلة بإدخال روح الحداثة إلى العمل الفني وظهر تأثر الفنانين الكبير بالأسلوب الانطباعي فتبدّلت السبغة الفنّية وظهرت أساليب شخصية تداخلت فيها الألوان، انبسطت المساحات واستخدمت الألوان الحرارية بقوة.

من أبرز فنّاني المرحلة: مصطفى فرّوخ الذي غادر إلى روما عام 1924 لدراسة الفن ولكن على حساب نفقته الخاصة، وتبعه قيصر الجميّل الذي ابتعثته الحكومة اللبنانية على حسابها عام 1927 على غرار ما كان يحدث في مصر، وصليبا الدويهي (رائد الحداثة في لبنان).

في العام 1923 تأسست لجنة أصدقاء المتاحف الوطنية والمراكز الأثرية بهدف تشجيع الفنون الجميلة والحفاظ على الآثار، لكن دورها كان ضعيفاً جداً، كانت المعارض تقام في النوادي الثقافية والرياضية.

وفي العام 1937 تم تدشين أول أكاديمية للفنون الجميلة في بيروت (ألبا) وكان لها دور بتثبيت الحركة الفنية وتنميه ذوق الجماهير.

وجود الأكاديمية وسفر الفنانين للخارج مهّد الطريق لانتشار التيارات الفنية الجديدة ومع العام 1954 ظهر الجيل الطليعي (1943- 1958) الذي نقل تعليم الفنون إلى قسم مستقل يعنى بإعداد فنانين وتعليم الفن التجريدي وإطلاق العنان لتجارب جادة لإيجاد أساليب خاصة إن من الناحية التقنية أو الموضوعية.

فنانو تلك المرحلة: شفيق عبود، جان خليفة، إيفيت أشقر، سلوى روضة شقير، ميشال بصبوص (سلوى وميشال رائدا النحت التجريدي في لبنان) ولمع اسم صليبا الدويهي، (جيل المعلمين)، أكثر من رفاقه، الذي لم يحذُ حذوَهم، لأنه لم يكتف بالتصوير التشخيصي، بل تطلّع إلى أبعد من ذلك فاعتنق التجريد واستبدل ألوانه الزيتية بالأكريليك فكانت رسوماته عصرية مزج فيها بين عناصر شرقية وغربية، لكن موقف الجمهور كان متشدّداً في رفضه للتجريد ويعزو الدويهي ذلك إلى نقص في الثقافة البصرية.

وفي العام 1958 جاءت مرحلة المعاصرين وفيها تأكد التيار التجريدي الغربي الطراز الذي لم يأخذ طابعه الشرقي إلا في وقت متأخر، في سبعينيات القرن المنصرم متأثراً بالتيار التراثي الموجود في الوطن العربي، ساعد في ذلك معارض الخريف السنوية في متحف سرسق رافق ذلك الطروحات الفنية التي قدمها الفنانون فمنحوتات سلوى روضة شقير نابعة من عمق وروحانية الفن الإسلامي، كما تقول هيلين الخال، أما أعمال شفيق عبود ففيها إضاءة اتصفت بالشرقية.

ومن ممثلي هذا الاتجاه معزز روضة، شوقي شمعون، يوسف بصبوص، حسين ماضي، جميل ملاعب، عدنان خوجة.

انتهت هذه المرحلة مع بداية الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 وشكّل اسم الحرب الأهلية مرحلة مختلفة في الحياة الثقافية والاجتماعية، قويت عند هذا الجيل الحركة التعبيرية بأسلوب خطوطي واقعي كما أدخلت المواد والتقنيات المختلفة على العمل ومنها الطباعة والكولاج، وكثرت رسوم الجماعات، ومن بين فناني الحرب الفنان علي شمس، سليمى زود، فاطمة الحاج، محمد الروّاس..

وأخيراً مرحلة ما بعد الحرب من عام 1991 وحتى اليوم، تزايد فيها عدد الرسامين والنحاتين وبرزت بقوة (التركيبات الإنشائية) واستعادت بيروت نشاطها و حضورها في العالم العربي في إقامة المعارض، ومن فناني هذه المرحلة النحات نبيل حلو، ماريو سابا، شارل خوري، ندى صحناوي.

الفن التشكيلي اللبناني والتيارات العربية

من منتصف أربعينيات القرن الماضي، احتلت مسألة التراث، مكاناً بارزاً في ثقافتنا المعاصرة، وتصاعد الاهتمام بها سعياً لتلمّس أصولنا التقليدية، لإدراك القيم التي ساهمت في عملية التطور الحضاري، فاستلهام الحرف العربي كان الوسيلة الوحيدة في مواجهة الثقافة الغربية.

اللوحة الحروفية، تلك اللوحة التي تجمع بين القيم الجمالية للخط العربي وقيم التشكيل الحديث منبثقة من تيار المدرسة التجريدية (الخطية، الهندسية، اللونية)، فتعالا التجريد مقابل تراجع اللوحة التشخيصية، وتوضّحت معالم الحروفية في خمسينيات القرن الماضي، وغدت الحركة الفنية المعاصرة في الوطن العربي.

تنامت هذه الحركة في لبنان مع الفنان وجيه نحلة الذي حاول أن يؤسس تياراً حروفياً كلاسيكياً، كان يستدعي الحرف دون أن (يكيّفه مع أشكال الفن الحديث)، لكن ما لبث أن حوّل الحرف إلى عنصر أساسي في فضاء لوني غني بالحركة في نمط تجريدي حديث.

كذلك حسين ماضي الذي استلهم الحرف في مجموعة أعمال الحفر الفني المنفّذة بداية السبعينيات...

في موازاة التيار الحروفي الذي بدأ يتصاعد تدريجياً من عام 1945، كانت هناك موجة أخرى سائدة، تعصف بالفن العربي تلازماً مع ما كان يجري على الصعيد السياسي، وتهدف للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية فكان الفن الملتزم مع جماعة بغداد للفن الحديث (العراق) وجماعة الفن الحديث المصرية، التي تخطّت الشكل إلى المضمون ودعت على أن يحمل العمل رسالة يعمل على تأديتها وتزايدت هذه النزعة بعد هزيمة 1967، إلا أن الوضع في لبنان لم يكن مماثلاً لما آل إليه الفن في المنطقة العربية فقد كان أكثر تحرراً وتقدماً، وهذا ما يفسّر تنوّع إنتاجه واتجاهاته، فكل الأبحاث انطلاقاً من صليبا الدويهي حتى اليوم، هي دراسات وتجارب فردية خاصة، لم يحاول أحد أن يسيّس الفن أو أن ينشئ جماعة تتبنى مناهج فنية محددة.

عدم وجود تيار قومي عروبي قوي في لبنان، جعله ينتقل من المرحلة الأكاديمية إلى مرحلة تعميم الحداثة، لا العودة إلى التقاليد المحلية، إلا أن هذه الأفكار القومية الاشتراكية عادت وأخذت مكانها في الفن اللبناني مع بداية الحرب الأهلية التي هيّأت لمثل هذه التجارب.

كما أنها شكلت منعطفاً أساسياً في الحياة التشكيلية ونشأت لوحة (إبداعية سياسية)، واستمد الفنان موضوعاته من الأساطير والحدث السياسي الراهن.

هناك العديد من الفنانين الذين عاشوا تداعيات الحرب، أنتجوا لوحات نقلت الواقع المرير الذي عانى منه الشعب في تلك الفترة ومن بين هؤلاء الفنانين: حسن جوني (عالج في موضوعاته إشكالية التهجير والظروف الاجتماعية، من خوف وقلق، رصد حالات البؤس في ملامح الوجوه، وأشكال مختلفة من المعاناة الإنسانية القائمة)، عارف الريّس (أعماله تصف يوميات الحرب وكانت عناصره الأساسية المطبوعات اليومية والصحف التي استعان بها لصياغة عمل فني يعبر عن عمق الأزمة)، بالإضافة إلى جميل ملاعب، رفيق شرف وغيرهم....

وأخيراً، الفن اللبناني المعاصر مختبر للحركات الفنية الحديثة والمعاصرة، ففيه اختلاط الأساليب والتقنيات وانجراف كامل نحو التجديد والابتكار.

بعد زوال الحرب نشطت الحركة الفنية في البلد وتزايد عدد الغاليريات والمعاهد الفنية والجامعات وأصبح لبنان مقصد العديد من الفنانين، واسترد مكانته ودوره الثقافي في المنطقة العربية.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد