Al Jazirah NewsPaper Friday  06/11/2009 G Issue 13553
الجمعة 18 ذو القعدة 1430   العدد  13553
عدد من المسؤولين والمختصين في القرآن الكريم وعلومه لـ(الجزيرة):
صناعة المعلم القرآني.. أولاً !

 

تعد عملية تأهيل معلم القرآن الكريم، وإعداده إعداداً خاصاً، الخطوة الأولى لتخريج حفظة كتاب الله على مستوى عالٍ من الإتقان، وقد يتوفر لبعض المعلمين الإلمام بعلوم القرآن، وتجويده، وترتيله، ولكنه يفتقد لبعض المهارات الأساسية التي تعينه على أداء عمله، وتهيئة طلابه في أقل وقت، وأقل جهد، ليضمن عدم تسرب الطلاب، وهروبهم من الحلقات.. فما دور الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الإسلامية، والمراكز في تأهيل معلمي القرآن الكريم، وتزويدهم بالمهارات؟

بداية يرى الشيخ د. إبراهيم بن سليمان الهويمل - وكيل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - أن عملية تأهيل معلم القرآن تكون من خلال عدة وسائل منها: وضع برامج علمية لمعلمي القرآن تهدف إلى تنمية مهارات التدريس والتعامل مع الطلاب. وقد تم طرح برنامج حاسوبي لتدريب معلمي القرآن على مهارات تدريس القرآن الكريم للدكتور محمد الدويش، وإصدار المواد والمراجع العلمية التي تخدم معلمي القرآن، وإجراء البحوث والدراسات المتخصصة في نفس مجال الحلقات، وكذلك تنظيم دورات علمية في المجالات التي تساعد معلمي القرآن على القيام بواجبهم خير قيام مثل: تزويد المعلم بالمعلومات الأساسية في علوم القرآن كالتفسير والتجويد والقراءات، وتوجيه المعلم للاستفادة من التقنيات الحديثة في التعليم كالحاسب الآلي، وتوجيه المعلم لوسائل غرس حب القرآن في نفوس الطلاب وتعريفهم بعظمته وتربيتهم على تعاليمه وآدابه.

وقد قام مركز نورين للتدريب التابع لجامع عثمان بن عفان بحي الوادي بالرياض بطرح برنامج (معلم الخير) الذي يهدف إلى تأهيل معلمي القرآن الكريم في الجانب التعليمي والتربوي من خلال مجموعة من الدورات وورش العمل.

إضافة إلى نقل وتوزيع الخبرات بين الجمعيات والمعاهد الخاصة بحلقات تحفيظ القرآن الكريم للاستفادة منها.

ويوجد حالياً عدد من المعاهد المتخصصة لإعداد معلمي القرآن أذكر منها على سبيل المثال: معهد دار الأرقم بفرع الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة، ومعهد الإمام الشاطبي بفرع الجمعية بجدة، ومعهد القرآن الكريم التابع للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض، ومعهد الإمام عاصم لإعداد معلمي القرآن الكريم ببريدة.

التأهيل أولاً:

ويقول م. عبدالعزيز بن عبدالله حنفي - رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة -: عندما نتحدث عن صناعة معلم القرآن الكريم أقصد بكل ما تعنيه كلمة صناعة من دلالات لتأهيل معلم القرآن ليكون قادراً؛ لأن تعليم القرآن الكريم تكليف وتشريف الجهد الذي يبذل لتأهيل معلم للقرآن الكريم فنحن نسعى لتعليم عشرات الطلاب هذا المفهوم الذي يمثل أمامنا في الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة والتي على أساسها قام معهد الإمام الشاطبي بتأسيس دبلوم إعداد معلمي ومعلمات القرآن الكريم والذي يعد الدبلوم الأول من نوعه لإعداد المعلمين إعداداً علمياً وتربوياً ومهارياً وتأهيلهم لأن المعلم ثابت في أداء رسالته وحلقته بينا، أفواج الطلاب تلتحق بالحلقات ثم تغادر بعد التخرج ويأتي غيرهم وهكذا فعملية تأهيل المعلم تعتبر صناعة مستمرة لتكوين شخصيات الطلاب على أفضل خلق وأجود إتقان.

إن عملية تأهيل المعلم تبدأ من إتقانه تلاوة وحفظ وتجويد القرآن الكريم فهي الأساس المتين والشرط الأول لتكليفه بهذه المهمة قبل تسليمه مسؤولية الطلاب وأمانة تربية الناشئة ثم بعد ذلك معرفة سلوكه ومظهره العام ومن ثم متابعات الإشراف التربوي للمعلمين ومعرفة جوانب التفوق والقصور والقوة والضعف حيث إن تقارير المشرفين لدى جمعية جدة هامة جداً في معرفة احتياجات المعلم لدورة معينة أو توجيه مباشر أو برنامج متخصص يزيد مهارته التعليمية وينمي خبرته في فن إدارة الحلقة ويتعلم كيفية التواصل مع هذا العدد من الطلاب الذين يختلفون عن بعضهم في السمات والفوارق الكثيرة وذلك يتطلب وجود معلم حاذق يعرف كيف يتعامل مع كل حالة على حدة حتى ينهض بالجميع نحو التفوق في أقصر وقت وبأقل جهد وأخفض تكلفة.

جمعية جدة كنموذج للجمعيات الرائدة والناجحة ولله الحمد والمنة في خدمة تعليم وتحفيظ القرآن الكريم لا تنطلق في مهمة تأهيل المعلمين من مبادرات فردية وأفكار متفرقة بل لدى الجمعية كذلك برامج ومناهج تدريبية منتقاة بعناية وضعها عدد من العلماء والخبراء المتخصصين والأكاديميين المؤهلين والجمعية - بحمد الله- تزخر بالكثير من هؤلاء المستشارين وتتضمن تلك البرامج معارف عن علوم التجويد وطرق التدريس الحديثة وأصول التربية الإسلامية ومهارات تتعلق بكيفية إدارة المجموعات الطلابية ومهارات التفاعل مع الآخرين كذلك فن إدارة الوقت والتي يستطيع من خلالها المعلم استغلال الوقت فليس المهم فقط هو التحاق الطلاب بالحلقات كبديل فقط لأصدقاء السوء ورفقة الشوارع ثم ليمكثوا فيها ما شاء الله وليحفظوا القرآن الكريم في سنتين أو أربع أو ست سنين ولا فارق في ذلك زاد أم نقص، أقول ذلك كله خطأ وقصور في الفهم، إن الوقت عامل مهم سواء من ناحية حفز طاقات الطلاب ومواهبهم ومداركهم الذهنية وتنشيط الذاكرة كذلك الوقت بالنسبة لنا في الجمعية عامل اقتصادي كبير فالطالب في الحلقة مكلف على الجمعية مادياً وتقليل فترة تربيته وتكوين شخصيته من خلال حفظه وإتقانه القرآن الكريم وتخرجه يعني بالضرورة تقليل المصروفات وخفض النفقات.

يتحقق بتأهيل معلم القرآن الكريم فوائد كثيرة تعود ثمرتها على الطلاب والمجتمع وأيضاً على المعلم نفسه الذي يكتسب مزيداً من الخبرات والمهارات وكل ذلك يصب في خدمة كتاب الله الكريم وتعليمه، أعطني معلماً مؤهلاً أعطك طلاباً متفوقين، قال عليه الصلاة و السلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فقد كان -عليه الصلاة والسلام- خير معلم للقرآن الكريم وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)، وهذا دليل على أن خير المعلمين وأفضلهم من تعلم القرآن الكريم وعلمه والخيرية تربط بين التعلم والتعليم.

تطوير الذات:

ويؤكد د. إبراهيم بن عبدالله الزهراني - الأستاذ بقسم الدراسات القرآنية بجامعة أم القرى- أن عمل حلقات تعليم القرآن الكريم لا يقتصر على تنمية الرصيد في حفظ النص القرآني في ذاكرة الطالب فحسب، بل القرآن الكريم حفظ وعلم وعمل وأخلاق وتربية ودعوة وسلوك. وهذه الإشكالية التربوية في حلقات تعليم القرآن الكريم نحتاج في معالجتها إلى إعادة صياغة معلمي القرآن الكريم في تلك الحلقات ليكونوا قادرين على تطويرها وتحسين أدائها ورفع مستواها وتجويد مُخْرَجاتها.

كيف نطالب المعلمَ بتطوير غيره وهو عاجزٌ عن تطوير ذاته ؟! ومعلومٌ أن فاقد الشيء لا يعطيه. وكما نحن بحاجة إلى تأصيل الجانب العلمي لدى معلمي الحلقات؛ كذلك نحن بحاجة مماثلة إلى تأصيل الجانب التربوي لديهم, فلا يُعَيَّن المعلم إلا بعد إعداده وتأهيله علمياً وتربوياً لإدارة حلقة تعليم القرآن الكريم والتدريس فيها والقيام بمهامها على المستوى المأمول, كذلك لابُدَّ من تعاهدهم - بعد تعيينهم- بالدورات التعليمية والتربوية والتثقيفية لتعزيز دورهم ومهمتهم آخذين في اعتبارنا ملاءمة هذه الدورات لطبيعة عملهم بعيداً عن الإغراق في الفلسفات التربوية التي لا تتوافق مع مجالهم، أو لا تجد لها في الواقع مساحة لتطبيقها, كذلك معتبرين الجانب الزمني والبيئة المناسبة لإقامة هذه الدورات.

وفي الوقت ذاته كما نطالب المعلمين بما سبق؛ يجب علينا أن نعطيهم كامل حقوقهم من توفير احتياجاتهم المادية والمعنوية, وإذا كان الطبيب يعطى شهرياً مرتبات عالية لأنه يعالج الأبدان فإن معلمي القرآن الكريم يقومون بمعالجة الروح والخُلُق والسلوك، ثمَّ إنَّ الطبيب عندما يعالج شخصاً فإنَّه يصلح فرداً، أمَّا معلم القرآن فإنَّه يُعدُّ ويُصلح أمَّة.

دورات تدريبية

ويقول د. عماد بن زهير حافظ - عميد شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية والمشرف التعليمي بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة-: ينبغي على المؤسسات والمراكز العاملة في حقل تعليم القرآن الكريم وتحفيظه أن تعقد دورات تدريبية، وعلمية تحتوي على برامج معدة من أهل الاختصاص في علوم القرآن، وتجويده، وترتيله، وطرق الحفظ المختلفة المناسبة، وكذلك ما يكون من أساليب التربية، وسبل التوجيه والإرشاد المتعددة، ويضاف إلى هذا أيضاً ما ينبغي أن يكون عليه مدرسو القرآن من طرائق التعليم، وكيفية إيصال المعلومات بطريقة صحيحة ومناسبة لكل الأعمار من الطلاب، وذلك كله يطلب من المؤسسات والمراكز العالمة في حقل القرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتعليماً وأدباً وسلوكاً، مما يعين على تأهيل معلمي الحلقات القرآنية.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد