Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/11/2009 G Issue 13555
الأحد 20 ذو القعدة 1430   العدد  13555
الصحافة وتلقي شكاوى المواطنين
مندل عبدالله القباع

 

نتناول في هذا المقال قضية نراها ذات أهمية بالغة، تحتاج منا إلى التأمل والتحليل الناقد والموضوعي وباستخدام المفهومات والتصورات والقيم الاجتماعية، وهي قضية المشكلات الاجتماعية المعاشة في واقعنا المعاصر الذي يدور فيه المواطن السعودي، التي تعرضها الصحافة في صفحات خاصة بتقديم شكاوى المواطنين.

ومن النمط السائد في هذه المشكلات نضرب مثلاً بمعاق يشكو من أنه في حاجة لجهاز تعويضي، أو أرملة تطلب معاشاً ضمانياً، أو مريض بمرض عضال يطلب دواءً خاصاً لم يعرف إذا كان متوافراً أو غير متوافر، أو شاب يطلب وظيفة أو عملاً في محافظة بعينها، أو طالب يطلب إعادة قيده في مؤسسة تعليمية سبق لها أن طوت قيده من قبل لسبب ما، وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي تثار دوماً بالصحف، منها ما هو حق للمواطنين، ومنها ما لا سند نظاميا لها وإنما هي مجرد محاولة لمطلب ذاتي متفرد، أو أنها محض ادعاء زائف، أو أنها لا تعدو أن تكون تفريغاً لشحنات انفعالية أو... أو... أو...

وأستأذن القارئ العزيز أن أقف مع هذه المشكلات أمام العوامل المسببة لها من وجهة نظر اجتماعية، كما سبق أن نوهنا آنفاً، وإزاء ذلك نرى أن السبب الرئيسي يكمن في غياب الرؤية الكاملة عن المهام والمسؤوليات التي تضطلع بها بعض المؤسسات الاجتماعية الرسمية خاصة حيال المطالب الضرورية الأولية للمواطنين وعدم الإلمام باختصاص كل جهة من الجهات الرعائية والخدمية المتوخاة؛ الأمر الذي قد يجعل المواطن حائراً بين الأنشطة والبرامج التي تتداخل أو التي تتقاطع بين جهة وأخرى رسمية - لا رسمية - تعاونية - تشاريكة.. وغيرها؛ الأمر الذي جعل المواطن يفقد الجهة المعنية والمسؤولة عن حل مشكلته، وتلبية حاجته؛ لذا يلجأ للصحافة لتهيئته، وهذا أمر صحيح، غير أننا نلحظ أن بعض الصحف تتخذها نكأة للنيل من مؤسساتنا الرسمية ومنهجيتها في حل المشكلات الاجتماعية وتلبية حاجات المواطنين التي لم ولن تتوانى عن حمل المسؤولية التي أمدتها الدولة بالإمكانات والاعتمادات لتطوير وتجويد وتحسين وتكثيف الخدمات التي يطلبها المواطنون.

ومن آسف أن تجد بعض الصحف تتحول من مجرد عرض الشكوى بموضوعية وحيادية تامة إلى التعرض والتشهير والنقد اللا واعٍ لأساليب وآلية التعامل المؤسسي الدعائي الخدمي الذي توليه الدولة جُلّ اهتمامها.

هذه الصحف - وكم هي مغرضة - يعلمها الكافة، لا همّ لها إلا التهويل ووأد الدعم وتضييع المنجزات تحت زعم وخدعة حماية المواطن، وهي مزايدات على دور الدولة التي لم تقصر في شيء وتبذل الغالي والرخيص في رعاية المواطن بل والمقيم في حل مشكلات المواطنين، وغالباً ما يكون هذا تلميحاً يفهم من تأويلات تقليدية مثل عرض صورة مثيرة مع الشكوى باعتبارها وسيلة إيضاح، أو كتابة عنوان للشكوى مثير وبلون لافت أو ببنط كبير أو بداخل إطار أو بغيره من أساليب للكتابة تقليدية ومعلومة.

ويترافق مع هذه التحقيقات الصحفية التي تتناول أدق تفاصيل مشكلات المجتمع التي تمس اهتمامات وهموم المواطنين ما يظهر عجز أو تباطؤ المؤسسات الرعائية أو الخدمية في تقديم الخدمة لطالبيها كما يجب أن تكون، وبعض هذه الصحف تبرز اهتماماتها بالدراسات والاستقصاءات الصامتة التي تستثمر نتائجها لخدمة أهداف الصحيفة في التنويه إلى أن المؤسسات الرسمية مسؤولة مسؤولية كاملة عن تقديم كافة الخدمات والمشروعات والبرامج الرعائية لكل المواطنين وبصورة جيدة ومتطورة.

ولأن هذه الصحف لا همّ لها إلا أن تبرز وتضخم السلبيات، غير عابئة بالإيجابيات، تعتمد على الإثارة الصحفية للتأثير في الرأي العام؛ لذا تتعمد التقاط المشكلات وتروج لها، وتتظاهر بمساندة صاحب المشكلة لتخليصه من أوجاعه وآلامه.. لدخول ذلك في منظومة حقوق الإنسان، وتأكيدها على أن التواني في نيل هذه الحقوق يثير التوتر والقلق؛ ما يؤثر في منظومة الأمن الاجتماعي، موضحة أن هذا هو الدور الإنساني للإعلام.

وإزاء ذلك ألم يكن الأجدى تقديم وطرح قضايا اجتماعية عامة وليست مشكلات ذاتية خاصة؛ حتى لا نقع في تناقض بين ما تقدمه الدولة من دعم مادي وفني وما تقدم من مخصصات وميزانيات كبيرة لقطاع الخدمات والتكافل والعدالة الاجتماعية عن طريق المؤسسات الرسمية واللارسمية القائمة في المجتمع لتطوير المجتمع وسد حاجات المواطنين عن طريق البرامج والآليات المعتمدة لأداء هذا الدور بكفاءة عالية؟..

ولذا نقترح بناء جهاز مستقل بكل الوزارات تكون مهمته تلقي شكاوى المواطنين، وتعزيز فرص نشر الخدمات وحل المشكلات، من خلال إنشاء إدارة عامة لخدمة المواطنين على أن تتولى هذه الإدارة اللجان الفنية المتخصصة الكفاءة، والمدربة تدريباً عالياً على أساليب الخدمة الاجتماعية، ورعاية الفئات من ذوي الظروف الخاصة، وعلى أن يكون الهدف الرئيسي لهذه الإدارة هو تلقي مشكلات المواطنين وتحويلها للجهات ذات الاختصاص ومتابعة الحلول المقدمة إلى أن تصل لمستحقيها.

وهذا هو محل حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو لي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - أعزهم الله -.

والله المستعان.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد