Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/11/2009 G Issue 13555
الأحد 20 ذو القعدة 1430   العدد  13555

الفشل طريق النجاح
صالح محمد صالح الخزيم

 

إن من أصعب المشاعر التي تنغص على الإنسان سعادته في هذه الحياة الدنيا هو الإحساس بالفشل والإحباط نتيجة عجزه عن تحقيق هدف معين يصبو ويتطلع إليه.

النجاح حلو وجميل، وله مذاق خاص، ولا يمكن أن يُنسى، ومَنْ يتذوقه يسعَ في المزيد منه.. والفشل مُر وقبيح لا يألفه إلا مَنْ استسلم له، وللنجاح تاريخ بعيد، لكنه غير مستحيل، وأرض تبدو صلبة لكنها قابلة للحرث، وحياة حافلة بالمخاطر لكنها مليئة بالعواقب الحميدة، وأمنية تلهث في قلوب أصحابها، وحاد يشدو بالأرواح إلى أمنياتها.

كل إنسان يقف أمام الفشل مستسلماً يبقى مهزوماً في كثير من الأشياء، يقول هيلن كلير: (الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة.. أو لا شيء).

هناك فرق بين أن نواجه عثرات الفشل مرة تلو الأخرى حتى يتم النجاح.. وبين أن نستسلم ونخضع له، ويكون ملازماً لنا في كثير من الأمور في حياتنا اليومية، وقد نواجه الفشل مرات كثيرة وفي أمور سهلة وصعبة، فلا يجب أن نهتم به لأن الاهتمام به يجعله يلازمنا، بل يجب تجاوزه ونسيانه واعتباره من الماضي، ونأخذ من خلاله الدروس والعبر حتى لا نواجهه مرة أخرى.

لن يتحقق النجاح في عالم الواحد منا ما لم نؤمن إيماناً صادقاً ويقينياً أننا أهل لذلك النجاح.. إن العامل النفسي مهم للغاية في إقناع نفوسنا بتحقيق معالم نجاحها في الحياة، وما لم نصل إلى أعماق نفوسنا فنثق بها، ونهتف بتميزها، ونكتب في قرارها أننا من الناجحين، لن نحقق شيئاً في مثل هذا العالم الطموح.

يعتقد بعض الناس أن الفشل هو نهاية الحياة وليست بدايتها، ولكنهم لم يدركوا أن للفشل خطوات وخطوات، نتعلم منه كيف نصل إلى طريق النجاح والتفوق.

النظرة التفاؤلية هي من أسباب النجاح؛ فمن لا ينظر إلى الأشياء بتفاؤل فهو ينظر إليها بالعكس، والعكس يؤدي إلى الانتكاس والفشل. ييأس بعض الناس بمجرد أن يفشل مرة واحدة في حياته؛ فيبقى قابعاً ملازماً للفشل.. الفشل مجرد حدث.. وتجارب؛ فلا تخشَ الفشل؛ بل استغله ليكون معبراً لك نحو النجاح، ولن ينجح أحد دون أن يتعلم من مدرسة الفشل.

يذكر أن العالم الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو طلب النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعاماً لها وتصعد به إلى الجدار وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة وصعدت الجدار، بعد عشر مرات من المحاولة، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية؛ فثابر حتى صار إماماً في النحو.

ليس الأذكياء والعباقرة فقط هم من يصنعون النجاح، ولكن التعلم من خبرات الآخرين، والقراءة الجيدة لتجارب الناجحين هي الطريق إلى النجاح.

الإنسان يعيش صراعاً من أجل البقاء، ولن ينتصر في هذا الصراع إلا مَنْ تسلَّح بإرادة قوية، ومن استسهل الصعاب أدرك المنى، أما ضعيف الإرادة فلا بد أن يُهزم في معركة الحياة.

مخطئ مَنْ يتصور أن النجاح يأتيه على طبق من ذهب، وإلا لساد الناس كلهم؛ فالدنيا قد خلقت على كدر، والبعض يريدها خلوا ًمن الأكدار.

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

هكذا يظل النجاح أمنية مستعصية في بدايتها، لكنها سرعان ما تلين لأصحاب الهمم وتذعن لهم من جديد.

إن استرجاع الهمة والإقدام على العمل من جديد مرة وراء أخرى أمر مهم في الوصول إلى الهدف، والمثل يقول: (ليس العيب أن يسقط الفتى، ولكن العيب أن يبقى حيث سقط).

الثقة بالنفس ونقطة التحوُّل نحو النجاح

النجاح مطلب يسعى إليه كل إنسان، ويتمنى الوصول إليه، والثقة بالنفس من المقومات الرئيسة لكل من ينشد النجاح، فلا نجاح بدون ثقة الإنسان بذاته؛ فضعف الثقة بالنفس هو إصدار حكم بإلغاء قدرات الإنسان ومواهبه، وبالتالي الفشل المحتم!

ومع هذه الثقة تأتي الإرادة القوية التي تدفع بالإنسان لمواجهة مصاعب الحياة والتغلُّب على مشكلاتها والسعي لتجنب الفشل والخروج منه، وهذا يتحقق بالاعتماد على النفس وشحذ العزيمة والإصرار، إضافة إلى تدريب النفس وتمرينها على القيام بالأعمال الشاقة.

كل إنسان لديه إمكانية النجاح، ولكن نجاحه يعتمد على قدرته على تفجير مواهبه، والعمل عليها لتحقيق طموحه.

إن الثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة.. وإن الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد وعدم الاطمئنان للإمكانات هو بداية الفشل، وكثير من الطاقات أهدرت وضاعت بسبب عدم إدراك أصحابها لما يتمتعون به من إمكانات أنعم الله بها عليهم، لو استغلوها لاستطاعوا أن يفعلوا الكثير، والناس لا تحترم ولا تنقاد إلى من لا يثق بنفسه وبما عنده من مبادئ وقيم وحق، كما أن الهزيمة النفسية هي بداية الفشل، بل هي سهم مسموم إن أصابت الإنسان أردته قتيلاً.

يقول جوردون بايرون: (إن الثقة بالنفس هي الاعتقاد في النفس، والركون إليها والإيمان بها).

املأ نفسك بالإيمان والأمل؛ فالإيمان بالله أساس كل نجاح، وهو النور الذي يضيء لصاحبه الطريق، وهو المعيار الحقيقي لاختيار النجاح الحقيقي.

الثقة بالنفس لا تعني الغرور أو الغطرسة، وإنما هي نوع من الاطمئنان المدروس إلى إمكانية تحقيق النجاح والحصول على ما يريده الإنسان من أهداف.

مَنْ يقتنع بما وصل إليه توقفت حياته عند حد اقتناعه، ولكن يجب السعي إلى التطوير المستمر ومحاولة الإضافة إلى الحياة والتجديد والتقدم إلى الأمام باستمرار؛ فالركود أحد أسباب الفشل.

قليلون هم الذين يطورون أنفسهم ويسعون إلى التغيير مع تقدم أعمارهم فتتوقف بهم عجلة الحياة عند حد توقفهم عن التطوير.

(أبراهام لنكولن) الرئيس الأمريكي فشل في التجارة، ثم فشل في انتخابات الكونجرس ثلاث مرات، وفشل في الحب وماتت زوجته، ثم أصابته هذه الصدمة بانهيار عصبي، وكذلك فشل في انتخابات مجلس الشيوخ، ثم سقوطه كمرشح لنائب الرئيس الأمريكي عن الحزب الجمهوري، غير أنه في النهاية أصبح أبراهام لنكولن واحداً من أبرز وأهم الرؤساء الأمريكيين بعد انتخابه عام 1860م.

وبعد كل هذا السجل العامر بالفشل يصاحبه سجل آخر عامر بالعناء والجهد المتواصل والإصرار على بلوغه هدفه، وهو الذي لخص تجربته في النجاح والفشل بقوله: (إنك لن تفشل إلا إذا انسحبت).

يبدأ النجاح من الحالة النفسية للفرد؛ فعليك أن تؤمن بأنك ستنجح - بإذن الله - من أجل أن يكتب لك فعلاً النجاح.

الناجحون لا ينجحون وهم جالسون لاهون ينتظرون النجاح، ولا يعتقدون أنه فرصة حظ، وإنما يصنعونه بالعمل والجد، والتفكير والحب، واستغلال الفرص والاعتماد على ما ينجزونه بأيديهم.

إن حياة الناجحين لا يوجد في قاموسها شيء اسمه الفشل، بل الجد والتعلُّم من مدرسة الفشل والصعود إلى قمة النجاح، مع الجهد المتواصل والمحافظة على نجاحهم.

- جامعة القصيم


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد