Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/11/2009 G Issue 13555
الأحد 20 ذو القعدة 1430   العدد  13555

في كل شبر من وطني متحف وأثر
إبراهيم بن عيسى بن عبد الله العيسى

 

المملكة العربية السعودية بلد التاريخ، فلقد نشأت الحضارات الزاهية على أرضها منذ أحقاب بعيدة وخلفت وراءها آثاراً عميقة وصلتنا أصداؤها فيما يتناقله الرواة والمؤرّخون من قصص ممزوجة بالأسطورة والحقيقة، وقد أشار القرآن الكريم بشكل واضح إلى تلك الحضارات التي عاشت في كنف الجزيرة العربية من قديم الزمان ثم بادت واندثرت ولا تزال آثارهم شاخصة للعيان لمن أراد أن يعتبر، ففي نجران توجد أطلال أصحاب الأخدود، وفي العلا مدائن نبينا صالح عليه السلام، وفي دومة الجندل بقايا حصن مارد، وفي الأفلاج أطلال مدينة الهيصمية، وهناك الكثير والكثير مما ليس مجال للحصر والتعديد ولكنه من باب الذكر والتمهيد، وهناك الكثير في المقابل مما تم اكتشافه وإحاطته دون تنقيب، ولعل منطقة اليمامة المتمركزة في قلب الجزيرة العربية تزخر بالآثار المهملة والتي هي بحاجة إلى مزيد من الدراسة والعناية.

وتعتبر أرض اليمامة متصلة بإقليم نجد دون فواصل طبيعية، بل إن الجغرافي البكري يعد نجد كلها من عمل اليمامة على خلاف المؤرخ الجغرافي ياقوت الحموي الذي يعتبر اليمامة عملاً قائماً بحد ذاته، وإن كان هذا الاعتبار لا يقوم على أساس طبيعي إلا أن عارض اليمامة والذي تغنى به الشعراء وهو جبل طويق المتمركز في منطقة ضرماء في حوض البطين (قرقرى سابقاً) بالقرب من محافظة ضرماء (قرماء سابقاً) يعد المعلم الطبيعي الأبرز، ويؤكد ذلك المؤرخ ياقوت الحموي في كتابه الموسوم (معجم البلدان) بقوله:( إذا خرج الخارج من وشم اليمامة وجعل العارض شمالاً فإنه يعلو أرضاً تسمى قرقرى فيها قرى وزروع كثيرة، ومن قراها قرماء) انتهى كلامه.

كما أن الشاعر عمرو بن كلثوم تغنى بعارض اليمامة ذلك المعلم الطبيعي القديم وكأنه يصفه في وقتنا الحالي وأكتفي ببيت واحد:

تعرضت اليمامة واشمخرت

كأسياف بأيدي مصلتينا

ولاعتراض جبل اليمامة (جبل طويق) سمي الجبل عارضاً ومن ثم سميت المنطقة المحيطة به العارض، وطوق اليمامة والذي اختزل بمسمى (طويق) وهو المكان الذي استقرت به زرقاء اليمامة، حيث وادي ثمامة بن أثال الذي اشتهر بأشجار الثمام، وجو اليمامة هو المعروف حالياً بمركز جو التابع إدارياً لمحافظة ضرماء، وهذه المنطقة هي مستقر الحضارات في مركز الجزيرة العربية.

ولا شك أن تلك الحضارات سادت ثم بادت ولكنها خلفت آثاراً وأطلالاً لم تقرأ بعد، وهي منطقة تثري بها كتب علماء المنازل والديار من العرب والرحالة الأجناب الذين تكلموا عنها وآثارها ومكنونها، وللأسف الشديد أن هذه المنطقة مهملة فيما مضى لعدم وجود جهة مستقلة، فإدارة الآثار والمتاحف فيما مضى تابعة لوزارة التربية والتعليم، والأمل معقود على هيئة السياحة والآثار بعدما صدرت التوجيهات السامية الكريمة بضم الآثار والمتاحف إلى هيئة السياحة والآثار والذي سيكون باب خير في المحافظة على الآثار الوطنية، والتي ستكون محل اهتمام وعناية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان آل سعود - حفظه الله - وسنستبشر خيراً في زيادة اهتمامه بتلك الآثار، ففي محافظة ضرماء آثار مدفونة وبعضها محاط بسياج منذ زمن ولم يحدد تاريخها، منها ما يعود للعهد القديم ومنها ما يعود للعهد العباسي، وعلى كل حال فبلدة ضرماء قديمة قدم الزمان فهي قبل البعثة المحمدية على صاحبها أزكى الصلاة وأتم التسليم، ويتمنى أهلها كافة أن تولى عناية كبيرة، وأن تضطلع بعمليات البحث، والتنقيب، والحفر، والاستكشاف عن بقايا الحضارات القديمة، واستنطاقها لاستكمال السلسلة الطويلة التي تؤلف حلقاتها قصة الإنسان على هذه الأرض المعمورة، وكما يقول الشاعر أحمد عبيد في عام 1353هـ عندما أصدر الأستاذ عبد القدوس الأنصاري أول كتاب عن آثار المدينة المنورة بقوله شعراً:

شوقتنا الآثار للأعيان

وأثارت كوامن الأشجان

رب حرف أغناك عن صفحات

رب رمز كفاك عن تبيان

ولعلها دعوة توجه إلى المواطن الكريم للإسهام في المحافظة على تراثنا الثقافي والحضاري الثابت والمشاهد فوق سطح الأرض، المنقول منه و المتداول بإبرازه للجهات المسئولة عن الآثار والتي عليها دور مهم في التوعية بأهمية الآثار بوصفها مصدراً مهماً من مصادر دراسة التاريخ والحضارة ولعلي أقتصر على الآثار الثابتة، وأقصد بها الآثار المعمارية، من حصون، وقلاع، وقصور، وبوابات، وأبراج، وأسوار، من بقايا المباني والعمران، وكل ما هو بارز فوق سطح الأرض، وأترك المجال للمختصين من علماء الآثار في الاهتمام بالآثار المحفوظة في باطن الأرض، وإنها فرصة لدعوة أهالي بلدة ضرماء، وللمسئولين عن الآثار، بأن يتم انتخاب (متحف وطني) في هذه البلدة التاريخية، ولا شك أن أهم معلم تاريخي في نجد وتحديداً في بلدة ضرماء، ولا يزال ماثلاً للعيان حتى تاريخه، والذي كان له دور بارز في تاريخ البلد الحديث هو قصر الفرغ وهو الآن بيد آل تركي فرع من الأسرة الحاكمة آل سعود، وهذا القصر لعب دور بارز في تاريخ البلاد فيما سبق في الغزو العثماني الغاشم لنجد، فقد احتمى به أهل ضرماء وأمنوا على أنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم، كما سطره المؤرخون وعلى رأسهم المؤرخ الشهير ابن بشر، والحادثة الثانية.

إبان قدوم الإمام تركي إلى بلدة ضرماء لاستعادة ملك آبائه وأجداده، وانطلق منه لطرد الحامية التركية بمؤازرة صاحب القصر آنذاك زيد بن عيسى عندما أمده بالسلاح، والعتاد، والرجال، وأقام به شهراً، ومن ثم توافدت الوفود معلنةً السمع والطاعة للإمام تركي بن عبد الله بطل نجد ومحررها، معلناً بدء الدولة السعودية الثانية، ويفتخر أهالي ضرماء كافة بذلك، وأعتقد أن الجهة المختصة قادرة على تبني هذا المعلم التاريخي، وأن يسمى باسم الإمام تركي بن عبد الله تخليداً لذكراه وإعادة إعمار القصر ووضعه متحفاً وطنياً وحديقة متنزه للأهالي والزوار، لنتذكر أحداث تلك الحقبة الزمنية الغالية على قلوبنا، وندعو الأهالي لإثرائه بالمقتنيات الأثرية من الآثار المنقولة وهي الآثار التي صنعها الإنسان ويستخدمها في حياته اليومية في حله وترحاله كالصناعات الفخارية والخزفية، والحجرية، والحلي، وأدوات الزينة، وأدوات الصيد والقتال، والعملات والموازين والمكاييل، وغير ذلك من الآثار، ومن ثم ندعو الزوار من المواطنين والمقيمين، من العرب والأجانب، بفتح المجال لهم بزيارة منطقة من أهم مناطق نجد متذكرين ما سطره المؤرخ ابن بشر في كتابه الموسوم (عنوان المجد في تاريخ نجد) بقوله: لا يوجد في نجد ولا العارض ولا غير بلد أكثر أموالاً ورجالاً وعدداً وعدة بعد الدرعية سوى ضرماء) وقول المؤرخ المسلم جون سنت فيلبي : (بلدٌ استطاع أن يلعب دور هام في تاريخ البلاد فيما بعد)، وهذه البلدة واحدة من بلدان المنطقة والتي لم تلق الاهتمام المقارن بذلك التاريخ الذي صنعه أهلها، وكما قيل اللي ما له أول ما له تالي، ويقول الشاعر ابن الرومي:

وإذا لم تدر ما قوم مضوا

فاسأل الآثار واستَنْبِ الديارا

ويقول آخر:

جمال ذي الأرض كانوا في الحياء

وهم بعد الممات جمال الكتب والسير

ويقول ثالث:

يموت قوم فيحي العلم ذكرهم

والجهل يلحق أمواتاً بأحياءِ

فهل يتحقق هذا الحلم الذي هو سهل على الرجال الذين يقدّرون معنى وقفات الرجال وبالفعل ما لها إلا رجالها.. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل،،،،

ص.ب 13726 الرياض 11414


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد