Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/11/2009 G Issue 13555
الأحد 20 ذو القعدة 1430   العدد  13555
أردنا شقراء وأراد الله ضرما
عبد الرحمن بن محمد زيد العرفج

 

ضرما .. ماضٍ حافل بالوقائع والأحداث جعلها تدخل التاريخ من أوسع أبوابه .. فعندما نقّلب صفحاتها خلال فترة حكم الدولة السعودية الأولى، نجد أنّ هذه البلدة الصغيرة من أوائل القرى والبلدات التي ناصرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - واستجابت لها، ودخلت في طاعة الدولة السعودية، وقد شهدت ضرما في ذلك الوقت وتحديداً ما بين عامي 1164- 1168ه، حوادث وفتناً داخلية وخارجية، ولم تزدها هذه الحوادث إلاّ تمسكاً بدينها وولاءً لولاة أمرها، وتشكّل بلدة ضرما أهمية بالغة حيث تعتبر البوابة الغربية لإقليم العارض الذي يضم الرياض والدرعية ولذلك كانت مسرحاً لكثير من الغزوات التي استهدفت تلك المناطق علاوة على كونها بلدة زراعية وخصبة، فقد وصفها المؤرّخ (ادوار جوان) في كتابه مصر في القرن التاسع عشر بأنها (شديدة الخصب وفيرة الخيرات وفيها تتزود القوافل الذاهبة إلى فارس ومكة المكرمة كل ما تفتقر إليه في سفرها فضلاً عن كفايتها لسد حاجات سكانها الذين كانوا يبلغون (7500) نسمة عداً)، ولذا كانت مطمعاً لجيش إبراهيم باشا عندما غزا بلدان نجد سنة 1233ه... يقول الشيخ عبد الله بن خميس في كتابه معجم اليمامة (كتب إبراهيم بن محمد علي باشا إلى أهل ضرما وحينما أقبل على شعيب الحيسية كتب إليهم يطلب مواد غذائية وعلفاً للخيل، فردوا عليه بصُرة فيها بارود وقذائف رصاص فقال مقولته الشهيرة أردنا شقراء وأراد الله ضرما فعطف مسيرة الجند إلى ضرما ونصب عليها مدافعه).

ومع قلة ذات اليد وضعف الإمكانات العسكرية في العدة والعتاد مقارنة بجيش الباشا إلاّ أنّ ضرما في ذلك الوقت سطّرت أروع صور الشجاعة والتضحية ووقفت موقف شرف وفخر، وذلك برفضهم الصلح الذي عرضه عليهم الباشا وآثروا دماءهم وأرواحهم على الاستلام والتسليم، وصبروا وثبتوا في الحرب. ففي معرض وصف أحداث تلك الحرب يقول الشيخ عثمان بن بشر ضمن حوادث سنة 1233ه: (فلما كانت صبيحة أربعة عشر من ربيع ثاني أقبل الباشا على البلد ونزل شرقيها قرب قصور المزاحميات بينها وبين البلد وحطوا ثقلهم وخيامهم ثم سارت العساكر بالقبوس والمدافع والقنابر ونزلوا بها شمال البلد فثارت الحرب بين الروم وبين أهلها وحقق الباشا عليه الرمي المتتابع وحَرَبَهم حرباً لم ير مثله، وثبت الله أهل البلد فلم يعبأوا به وطلب منهم المصالحة فأبوا عليه ولم يعطوه الدنية..... فحشدت عليهم عساكر الروم بالمدافع ولم يحصلوا على طائل ثم حشدت الروم عليهم أيضاً وقربوا القبوس من السور وحربوها حرباً عظيماً هائلاً، ذكر لي أنهم عدوا فيما بين المغرب والعشاء خمسة آلاف وسبعمائة رمية ما بين قبس ومدفع وقنبرة، فلما رأى الباشا صبرهم وصدق جلادهم ساق الروم عليهم وأهل البلد فيه ثابتون، فحمل عليهم الروم حملة واحدة فثبتوا لهم وجالدوهم جلاد صدق وقتلوا منهم نحو ستمائة رجل وردوهم إلى باشتهم وبنوا ما انهدم من السور)، كما يروي (فليكس مانجان بقوله: (ولما وصل إبراهيم باشا أمام ضرما تصدى له أهلها وردوا هجومه ببسالة وقتلوا عدداً كبيراً من الأتراك).

وقد اتفقت غالبية المراجع التاريخية سواء العربية منها أو الغربية على أنّ قوات الباشا دخلت البلدة عنوة و خدعوا أهلها بالأمان وقتلوهم في السكك والبيوت والمساجد، وقاموا بنهب البلد من الأموال والامتاع والسلاح واللباس ونكلوا بأهلها أشد التنكيل، بل وصل الأمر إلى تقطيع آذان القتلى وإرسالها إلى القاهرة كما ذكر المؤرخ (اليكسي فاسيلييف) في كتابه تاريخ العربية السعودية، ولم يسلم من القتل إلاّ النساء والأطفال ومن هرب، غير أنّ النساء سلبن متاعهن كما يروي مؤلفا كتاب آثار الادهار. ويذكر المؤرّخ عثمان بن بشر تفاصيل دخول الباشا ضرما فيقول (ودخل الروم البلد من كل جهة وأخذوها عنوة وقتلوا أهلها في الأسواق والسكك والبيوت وكان أهل البلد قد جالدوهم في وسطها إلى ارتفاع الشمس، وقتلوا من الروم قتلى كثيرة، ولكن خدعوهم بالأمان، ذكر لي أنهم يأتون إلى أهل البيت والعصابة المجتمعة فيقولون أمان أمان ويأخذون سلاحهم ويقتلونهم، ونهبوا جميع ما احتوت عليه البلد من الأموال والأمتاع والسلاح واللباس والمواشي والخيل وغير ذلك)، ويؤيد رواية ابن بشر المؤرّخ (ادوار جوان) في كتابه مصر في القرن التاسع عشر بقوله (وما إن وصلت طلائع الجيش المصري إليها حتى تلقاها الأهلون بنار حامية فثارت في العساكر ثائرة الغضب وركبوا رؤوسهم فانقضّوا على المدينة ينهبون ويسلبون ويرمون أعناق الرجال حتى ارتوت الأرض بالدماء في المنازل والطرقات).

والآن وفي هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - تحتل ضرما مكانة مرموقة، فهي تعد محافظة وعاصمة لمنطقة البطين وتزخر بكثير من المرافق الحكومية والخدمية والمؤسسات التعليمية، مما جعلها تنعم برغد من العيش والأمن والأمان ولله الحمد والمنة.

وأخيراً يحق لأهل ضرما أن يفخروا ببلدتهم، فقد سطّر أجدادهم تاريخاً مشرفاً في الولاء لولاة الأمر، والوقوف في وجه الغزاة وبذل الدماء والأرواح في الدفاع عن الدين والنفس والوطن.

والله من رواء القصد.

* للتواصل مع الكاتب


a-mz-a@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد