Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/11/2009 G Issue 13555
الأحد 20 ذو القعدة 1430   العدد  13555
الجزء الرابع عشر
قراءة في كتاب (وسم على أديم الزمن)
قراءة حنان بنت عبدالعزيز آل سيف

 

في هذه الأيام كُتبت تراجم ذاتية عدة، منها ما جاء تحت مذكرات أو ذكريات أو يوميات أو اعترافات، وخلال حياة الأديب أو المفكر تختلج فيها عوامل نفسية وذاتية وفكرية وعلمية، لها صدى كبير في عقله وجهازه العصبي، ومع مرور الزمن تتشكل هذه العوامل على هيئة معينة، يلفظها لسان الأديب لأنها قد اشتد ساعدها واستوت على سوقها، فتأتي هذه العوامل على ما نسميه ترجمة ذاتية بأنواعها المختلفة، وهي نوع لذيذ شديد الحلاوة إذا اتم بالمصداقية وجمال الطرح، وريشة الأدب، ورسم الفنان، وهنا يتفاوت الناس وتختلف مستويات تراجمهم الذاتية كل على حسب مواهبه وقدراته وملكاته التي وهبها إياه ربه، من هذه التراجم ما كتبه معالي الوزير الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - حفظه الله- بكل مصداقية وصراحة وذكاء وفطنة في رسم الحقائق، وإدارتها في الأذهان و(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)، وأمامي الجزء الرابع عشر من هذه الترجمة الفريدة، وهي في طبعتها الأولى لعام 1430هـ، وجاءت بها الأنامل الذهبية لدار القمرين -عمرها الله- والكتاب كبير جداً يقع (620) صفحة من القطع الكبير.

في مطلع الكتاب حديث المؤلف الشيق هذا الجزء وعما يحويه ويشتمل عليه فيقول: (هذا هو الجزء الرابع عشر من مذكراتي (وسم على أديم الزمن) وهو مثل سابقيه الجزء الثاني عشر والجزء الثالث عشر، يتحدث عن حياتي في الرياض بعد أن عدت من البعثة وتعينت مدرساً في جامعة الملك سعود، ثم أميناً عاماً لها ثم وكيلاً لها.

وهذا الجزء يصف عملي في الجامعة بعد أن أوغل انغماسي في العمل الإداري في هذه الجامعة الفتية، وفيه صور متتالية عن الحياة الإدارية والحياة العلمية التي وقفت وقتي عليها، في السنة الثانية للالتحاق بالعمل.. وفي هذه الكلمات يحدد لنا الخويطر معالم وحدود تجاربه الإدارية والعلمية عامة والتاريخية خاصة، فقد عشق التاريخ وأحبه حباً ملك عليه شغاف قلبه، والقارئ في الكتاب يرى مدد اهتمام المؤلف بتخصصه فهو يقتطع من وقته الخاص لخدمة هذه المادة تدريساً وشرحاً وتبسيطاً حتى أنه كان يعد ملازم المادة للطلاب ليجمع لهم بين الفهم من الشرح وعدم الانشغال بالكتابة التي لا يفوزون من ورائها إلا برؤوس أقلام، ثم إنه -حفظه الله- متواضع النفس، بسيط الجانب مخفوض الجناح، مملوء بالأدب والخلق الرفيع والاقناع والتفهم والتفاهم مع دكاترة الجامعة على اختلاف شخصياتهم، وعلى الطلاب على تعدد مذاهبهم، وهو صاحب فراسة لا تخطئ أبداً يعرف بحكم منصبه على أنه وكيل للجامعة كل شاردة وواردة، وكل صغيرة وكبيرة، فهو حازم في وقت الحزم.. فهناك دكاترة قلة عددهم أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، لمح فيهم التسيب وعدم الانضباط والخلق الفج الغليظ فلم يجدد عقودهم رغم أنهم كانوا يعدونه بتغيير طباعهم لكنه كان يعرف أن الطبع يغلب التطبع، ألم أقل لك -أيها القارئ الكريم- أن الخويطر له فراسة قوية جداً، وقيافة نادرة، وقدرة فائقة على رسم الشخصيات بدقة عجيبة وأنقل لك طريقته وهو يرسم شخصية أحد الدكاترة المعلمين في الجامعة فيقول: (... هو رجل عالم في حقله، فريد في طريقة معالجته لموضوع دروسه ورغم أن له كتباً مطبوعة عما يدرسه إلا إن الاستماع إليه فيه جاذبية فلديه مقدرة على تثبت المعلومات بالطريقة التي تجعل ما يقول كأنه رسم على ورق، وقد ساعده على هذا أنه أستاذ في علم المنطق، وناهيك بهذا العلم، المبني على العقل في كل جانب من جوانبه، وكان وهو يدرسه لنا في كلية دار العلوم يبسط ما كان منه حزناً).

ويأخذ في العجب كل العجب بعقلية معاليه وذهنيته -حفظه الله وحماه من تلك الأسماء التي ذكرها في أربعة عشر جزءاً-، وأكاد أضرب الرهان وأفوز به على أنها محفورة في ذاكرته قبل مفكرته (وفوق كل ذي علم عليم).

وأخيراً:

فترجمة الخويطر ترجمة أديب فريد فذّ، هو ذو عقل وافر الثقافة، متنوع بالعلوم والمعلومات والمعارف، لا سيما في حياته الإدارية التي احتك من خلالها بالناس، فهو بهذا مدرسة إدارية جامعة وشاملة، متدفقة بقوة الذاكرة، ودقة الملاحظة، وصحوة الضمير، ويقظة الإنسانية.

ويبدو لي من خلال القراءة في هذا الكتاب أنه زاده الله سؤدداً وأدباً ومجداً أنه أغفل الحديث عن بعض الشخصيات لأنه يرى أن إغفال ذكرها أفضل من أعلانها وذلك على مبدأه أن الصراحة تجرح في بعض الأحيان، وإذا أراد الحديث عن شخص يعرفه ويتحسسه بأنامله الفراسية رمز له بحروف معتمة مثل: (ع، ب، د) (م، ح، م) وهكذا.

فترجمته -أعزه الله ورفعه- تعد من أكمل التراجم الذاتية العربية التي وصلت إليها، وأتحفنا بها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد