Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/11/2009 G Issue 13557
الثلاثاء 22 ذو القعدة 1430   العدد  13557

لا خير في كثير من نجوى الملالي والآيات..!
د. حسن بن فهد الهويمل

 

إيران دولة إسلامية كبيرة مجاورة ثائرة ومثيرة، خائفة ومخيفة مثلما كانت (مصر) من قبل وكلتاهما تجرعتا مرارة الخطاب الثوري المتشنج، وخسرتا بسبب صداقات، ومُنيتا بعداوات، وفوتتا فرصاً ثمينة.

إيران في عهد الآيات المائر

ومصر في العهد الناصري الثائر كما لو كانتا تتبادلان المواقع، وكأن التاريخ معهما يعيد نفسه، وبين هذه وتلك نجم لسن الخطاب الثوري.. القذافي ومن قبلهم جميعاً حفظ لنا التاريخ فظائع القرامطة في مكة. وسيظل الناس على موعد مع المغامرات الطائشة، والكيس من عصم نفسه ونجى بسفينته من أمواج الفتن المتلاطمة كالطود العظيم، متحامياً الصدام بالقول أو بالفعل، إذ لكل مواجهة ثمنها الباهظ التكاليف، من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات والتعطيل للخطط التنموية، وكم من مغامر رضي من الغنيمة بالإياب، وأنى له هذا وقد نسف جسور التواصل وزرع العداوة والبغضاء ومن أكره على المواجهة وقلبه نزاع إلى الوفاق وكف الأذى أعين على بلواه لأنه لم يتمن لقاء العدو.

والخطاب الثوري لا يكاد يختلف منذ أن كان في أي مصر أو عصر وإذا اختلفت ظروفه وأجناسه وأطيافه، وأي دولة لا تجعل منه مرحلة انتقالية تأكل الأخضر واليابس وتفني أبناءها حتى إذا لم تجد ما تأكله تأكل نفسها حتى الترمد. وها هي مصر اليوم بعد أن تخطت أيامها المشؤومة تؤلف ولا تفرق وتبني ولا تهدم، وهكذا كل دولة انعتقت من الخطاب الثوري.

وقدر المملكة أن تواجه لفحات الثويين بنفحات التسامح تاركة مسافات رحبة لمراجعة الفعل ومحاسبة النفس، غير أن الندم بعد فوات الفرص لا يخلف إلا الحسرات، لقد كان للمملكة مع مصر في عنفوان مدها الثوري فترات مأزومة، وبخاصة في مواسم الحج، بوصفه لقاء إسلامياً يجمع الله فيه الاشتات بعدما يظنون كل الظن ألا تلاقيا، ومصر التي عادت إلى الصف العربي بعد تجربة مريرة لم تع واقعها إلا من بعد ما دفعت ثمناً باهظاً لما يزل الشعب المصري يتجرع مرارته.

وكم كان بود كل مسلم عاقل رشيد أن يتنبه (الإيرانيون) ويتخطوا بؤر التوتر الثوري قبل أن يدفعوا ثمناً باهظاً لا قبل لهم باحتماله، وهم قد تجرعوا من المرارات ما فيه الكفاية إذ خاضوا حروباً وأمدوا متمردين، وحاكوا مؤامرات، وآووا مُحدثين، ونعقوا خارج السرب العالمي، فألبوا الأعداء وجلبوا الأساطيل للمنطقة وفتحوا شهية الطامعين.

والحج الذي حرصوا من قبل على تعكير صفوه شعيرة إسلامية تمارس في أفضل الأزمنة وأشرف الأمكنة، وكل محاولة لتعكير الصفو وإ?رباك الحجيج سيدفع ثمنها المغامر لأنه محاربة لله وإيذاء لعباده، ومع ذلك فليس بودنا تصعيد الخلاف بالقول أو بالفعل، امتثالاً لقوله تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وقوله: { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وفوق هذا أو دونه فالبلاد تنطوي على مثمنات وقيم حسية ومعنوية وتنهض بدعوة إنسانية لحقن الدماء وتأليف القلوب، ومهمة كتلك تفرض علينا تفويت الفرص وتخييب الآمال، ومجاراة الهدير الإعلامي المتشنج بمثله لا يغني من الحق شيئاً، وقد يبطئ بواجبات الدولة في موسم إسلامي يرقبه الملايين من المسلمين، إن احتدام المشاعر لا يواجه باحتدام مثله و:

إذا جاريت في خلق دنيء

فأنت ومن تجاريه سواء

والمدخل المخادع الذي توسلت به الآيات والملالي لا يجهض بمجرد الرفض إذ بالإمكان تعريته بذات الخطاب، فالتسييس مصطلح مراوغ وقابل لأكثر من قراءة، وإجهاض مثله لا يكون بالهروب، وإنما يكون بالمواجهة وإذ يكون الحق ضالة المؤمن فإنه بانتظار ما لا يمكن توفره من هذه الفئة، ولا شك أن للإسلام مفهومه السياسي منذ أن أقام الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام، غير أن الضرب على هذا الوتر من الحيل المستهلكة، فالأمة الإسلامية لم تكن دولة واحدة، والدويلات المتعددة لم تصفُ فيما بينها بحيث يتحد خطابها وتعلن البراءة من أعدائها.

ولتفويت الأهداف وإجهاض النوايا السيئة المخبوءة تحت شعارات التسيس البراقة لا بد من مواجهة حكيمة تحول دون فك الاختناقات الداخلية التي تعاني منها الحكومة الإيرانية، فالشغب البائس اليائس قصد منه شغل الرأي العام عن تقعير الرؤية للأوضاع المأساوية التي تمر بها إيران، وتفويت الفرصة بعدم المسايرة إجهاض للمقاصد الدنيئة، وحيلولة دون تصدير المشاكل المتفاقمة.

والثورة الإيرانية التي أزهقت مئات الآلاف من الأرواح البريئة وأهدرت ثروة البلاد ومقدراتها في سبيل مبادئ وتطلعات مستحيلة لا تجد غضاضة في إزهاق مثل ذلك لنقل المشاكل الداخلية خارج أرضها. وإحداث بؤر توتر جديدة تخفيف للضغط عليها وصرف للأنظار عما تعانيه من أوضاع مأساوية.

ومما لا شك فيه أن أي عمل تحت أي ذريعة يؤدي إلى رَبْكِ الحجيج وتعكير صفوهم في المشاعر المقدسة إن هو إلا مساس بسيادة العالم الإسلامي فضلاً عن سيادة المملكة الإقليمية، واستعداء لمشاعر الأمة الإسلامية التي ترقب هذه الشعيرة بوله وروحانية حانية.

وكيف يتأتى مثل ذلك والدولة المضيفة تهيئ الأجواء الملائمة لأداء الشعائر بأمن وإيمان، إن تمكين الغوغاء من الهتاف السياسي والشعارات الثورية والمزايدات الزائفة استعداء لمشاعر المكبرين والملبين، فضلاً عن أنه تدخل سافر في الشأن الداخلي لدولة تحترم العهد والمواثيق ولا ترضى لكائن من كان أن يمس سيادتها، وليس من مصلحة الثوريين ومن ورائهم الآيات والملالي أن يمارسوا الإلحاد والظلم في بيت أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، والله قد توعد من مارس ذلك بالعذاب الأليم { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، والهتاف الغوغائي ذكر لأسماء بشرية تحل محل ذكر أسماء الله.

والتسييس الذي ينشده الثوريون في الحج اقتراف متعمد للرفس والفسوق والجدال المنهي عنه والمحذر منه، ومن فرض الحج على نفسه فليس من حقه أن يخل بالشعائر ولا أن يختار الكفر على الإيمان والتسييس لا يكون في ظل التشرذم الإسلامي والتعدد الطائفي والتعارض المصلحي والتباين (الإستراتيجي) وتناحر الطوائف والأطياف، ومن الفتن العمياء نقل التداول السياسي من النخب إلى الغوغاء، ومن الحوار حول الموائد المستديرة والدوائر المغلقة إلى الهتافات والشعارات، وحين تندلق هتافات الغوغاء وشعاراتهم في المشاعر المقدسة فمن ذا الذي يملك استيعاب التعددية السياسية والطائفية والحزبية والعرقية وأي سياسة إسلامية يتنباها الغوغاء، وأي زعيم يهتفون بحياته.

وحراس الثورة الإيرانية وملاليها وآياتها حين يمارسون تصدير الثورة والطائفية في المشاعر المقدسة تكون فتنة وفسادا كبيرا، ومسؤولية الدولة التي شرفها الله بخدمة ضيوف الرحمن تنحصر في تطهير بيت الله للطائفين والعاكفين والركع السجود، ومن حقها وواجبها قطع دابر الشر، وأي تلبية لغير الله أو هتاف بغير عظمته وسلطانه تعطيل للشعائر وإفساد للحج وإيذاء متعمد لضيوف الرحمن، والدولة المضيفة لم ولن تمنح نفسها حق رفع شعار يمثل سياستها، على الرغم من أنها دولة إسلامية تحكم شرع الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فكيف يحلم أحد بممارسة تخالف الشعائر وتدنس المشاعر.

وأحسب أن علينا جميعاً ونحن نجند كل طاقاتنا وإمكاناتنا المادية والبشرية لتوفير الأجواء الملائمة لضيوف الرحمن أن نكون مستعدين لمواجهة كل الاحتمالات، وألا نكون متهاونين في قطع دابر الشر. غير أن المزايدة الكلامية التي تنشدها إيران تخفف أعباء معاناتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولقد أجهضت الدولة أكثر من محاولة مخلة بالأمن، وستكون الأقدر فيما هو آت.

لقد مورس الإخلال بأمن الحجيج في مواطن كثيرة ورفعت شعارات زائفة لإحراج البلاد وقادتها، ومثلما طولب بالتسييس على الطريقة الإيرانية طولب بالتدويل على الطريقة الليبية، وكل هذه المحاولات اليائسة البائسة باءت بالفشل، ولم يمكث على أرض الواقع إلا ما ينفع الناس، والسلف الباطني القرمطي نقل الحجر الأسود إلى هجر وسيأتي من ينقض الكعبة حجراً حجراً ويلقيها في البحر، والأمة الإسلامية على موعد مع الفتن العمياء والسعيد من يلحق بالرفيق الأعلى قبل أن تعلو راية الشيطان.

لقد برهنت الدولة على صدقها وإخلاصها وتفانيها ونجاحاتها في تهيئة الأجواء الآمنة الملائمة بحيث صانت المشاعر ويسرت الطريق إلى الشعائر، وأقامت الجسور والأنفاق وتابعت التوسعات وستظل أمينة مؤتمنة ولو كره المشركون، أما شرار الخلق { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد