Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/11/2009 G Issue 13559
الخميس 24 ذو القعدة 1430   العدد  13559
المنشود
النسيان داء أم نعمة؟
رقية سليمان الهويريني

 

يتعرض الكثير من الناس لمواقف حرجة بسبب نسيان أسماء الأشخاص، أو بعض المواعيد، أو نسيان أشياء مهمة وضعوها في مكان ما ثم يعجزون عن تذكرها. ويعد هذا أحيانا في حكم ظاهرة النسيان المؤقتة. والنسيان هو فقد التذكر أو عدم إمكانية استرجاع المعلومة عند الحاجة إليها. وقد أنعم الله على الإنسان بذاكرة قوية، وقدرة خارقة على الحفظ، ووهبه عقلاً لم يتمكن العلماء حتى الآن من معرفة أسراره، ولكن يحدث أن يعجز المرء عن تذكر بعض الأحداث القديمة التي مرّ عليها فترة بعيدة من الزمن، وهو ما يعد من الأمور الطبيعية، بينما الشخص الذي ينسى الأحداث القريبة جداً وأسماء الأشخاص المقربين إليه؛ فإن ذلك يعني أن هناك خللا في خلايا الذاكرة التي توجد في النصف الصدغي للمخ، وهي المسؤولة عن تسجيل جميع الأحداث واختزانها في الذاكرة. وعادة يقوم الشخص باستدعائها كلما احتاج إليها.

وللذاكرة سعة محددة تتمدد ولكن بحدود، ومع تزاحم المعلومات وتراكم الأحداث بداخلها، وكذا عند إضافة معلومة جديدة إليها تبدأ تلقائياً في محو أوائل المعلومات استعداداً لإحلال معلومة جديدة.

وأنواع الذاكرة ثلاثة منها الوقتية، والقصيرة المدى كحفظ رقم هاتف، والذاكرة الدائمة وهي ما يتعلق بحياة الإنسان كافة.

والأسباب التي تجعل الإنسان دائم النسيان عديدة، تتمثل في كثرة زخم الأحداث اليومية وتداخلها، مما يسبب ضعفا في عملية طبعها في خلايا التذكر، يضاف إلى ذلك قلة التركيز وكثرة السهو، إما بسبب فقر الدم ونقص الحديد أو الإرهاق الذهني وقلة النوم والقلق الزائد والخوف والتشاؤم والضوضاء، إضافة إلى قلة الأكل أو عدم الانتظام في وجبات الغذاء، فضلا عن تلوث الهواء والماء والغذاء بالمعادن الثقيلة، مثل الزئبق والرصاص والألمنيوم.

وينبغي والحالة هذه، الحرص على تقوية الذاكرة بترسيخ الإيمان والتقرب إلى الله بدوام ذكره (وَاذْكُر رَّبَّكَ إذا نَسِيت)، وكذلك استخدام تكرار المعلومة كعملية تنشيط دائمة، وتدوينها وكتابة رؤوس المعلومات لتذكرها، وتمرين الذاكرة بالقراءة والمطالعة، والتمتع بقسط وافر من النوم والراحة وتجنب السهر لأن قلته تسبب إرهاقاً لخلايا التذكر، مع أخذ فترات من الراحة أثناء النهار، والتزام الهدوء والاسترخاء أثناء العمل فهو يساعد كثيراً على استقرار المعلومات، ورسوخها في الذاكرة، والابتعاد عن المشكلات والمشاحنات الأسرية التي تجلب القلق والخوف والتشاؤم. وممارسة الرياضة، والكف عن تناول الأطعمة ذات الدهون، والاستعاضة عنها بتناول مواد غذائية غنية بفيتامينات (أ، ب) والإكثار من الخضراوات والفاكهة الطازجة والمأكولات البحرية، والأعشاب كالزعفران، وضرورة الابتعاد عن المواد الكيميائية التي تجهد مراكز الذاكرة كالأدوية المنبهة والمنومة.

وأحيانا قد يكون النسيان نعمة؛ لأنه من رحمة الله بعباده عدم تذكر كل الأحداث المؤلمة، والمواقف السيئة التي تمر على الإنسان، كفقد الأحبة أو الظلم أو الاعتداء أو تذكر الإساءة أو الشتائم.

ومن منا لم يمر بمواقف موجعة كسرت نفسه وجرفت منها السعادة؟ فتركت فيها أثراً حارقاً حتى ليكره المرء تذكرها ويلجأ العقل إلى نسياها أو الهروب منها! فتكون رحمة الله ولطفه، ويمنّ على عباده بنسيانها.





rogaia143 @hotmail.Com www.rogaia.net

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد