Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/11/2009 G Issue 13559
الخميس 24 ذو القعدة 1430   العدد  13559
أمل من أجل شعب الروما
جورج سوروس؛ جيمس وولفنسون

 

لفترة طويلة للغاية، كان أفراد شعب الروما (الغجر)، الذين عاشوا في جو من الكراهية والإبعاد واتهموا بالسرقة وكل رذيلة أخرى، يشكلون هدفاً سهلاً عاجزاً للعنصريين الساخطين الناقمين في المجر، ورومانيا، وسلوفاكيا، وجمهورية التشيك، وغيرها من البلدان الأوروبية.

إن الغجر كشعب لم يجنوا أي شيء تقريباً من الازدهار الذي تمتعت به بلدان الكتلة الشرقية السابقة منذ سقوط سور برلين. ولكن مع ذلك، وحتى قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، فقد لجأ الزعماء السياسيون المنتمون إلى جناح اليمين في أوروبا الشرقية إلى الهجوم على الغجر في سبيل الفوز بتأييد الناخبين بثمن بخس. والحق أن رسالة الكراهية ما زالت مستمرة في اجتذاب العديد من الناس، بما في ذلك عدد قليل من أولئك الأشخاص الذين هم على استعداد لاستخدام العنف.

وأثناء الأشهر الأربعة عشر الماضية، قُتِل تسعة من الغجر في موجة من عمليات القتل في المجر. ففي شهر أغسطس- آب، اقتحم رجال مسلحون منزل أرملة غجرية فقيرة، وهي ماريا بالوغ، وأطلقوا عليها النار حتى الموت، ثم أصابوا ابنتها ذات الثلاثة عشر ربيعاً بجراح. وفي شهر إبريل- نيسان، أطلق القتلة النار على أحد عمال المصانع من الغجر أثناء سيره إلى مكان عمله. وفي شهر فبراير- شباط قُتِل أب من الغجر وابنه ذو الخمسة أعوام أمام بيتهم بالقرب من بودابست. ثم أشعل القتلة النار بمنزله حتى احترق تماماً.

وفي شهر نوفمبر- تشرين الثاني من العام الماضي، قُتِل زوجان من الغجر في شمال شرقي المجر. وإحقاقاً للحق أن الشرطة المجرية شنت حملة مطاردة غير مسبوقة، وفي شهر أغسطس الماضي، ألقت القبض على أربعة من المشتبه بهم، وكان بعضهم يضعون وشم الصليب المعقوف. وفي نفس الشهر، قتل اثنان من طلاب الطب في رومانيا رجل من الغجر كان في الخامسة والستين من العمر وقطعوا أوصاله ثم تركوا جثته في صندوق إحدى السيارات.

ولعل موجة القتل هذه قد تؤدي إلى خفوت اللغة الخطابية العنصرية. وربما يدرك الناس أن الرسالة الأساسية التي يبثها هؤلاء القتلة هي في الحقيقة رسالة كراهية إجرامية، وقد تنحسر موجة القتل في النهاية. ولكن من الأسلم أن نفترض أنه ما دام الغجر غارقين في قاع النظام الاجتماعي الاقتصادي الأوروبي فلن يمر وقت طويل قبل أن تبدأ موجة جديدة من الهجمات ضدهم.

إن الغجر يريدون المساهمة في بناء المجتمع. وهم يريدون تحسين حياة أطفالهم ومنحهم حياة أفضل من تلك التي يعيشونها الآن. والعامل الأكثر أهمية الذي يفرض على العديد من الغجر البقاء في قبضة الفقر هو الافتقار إلى التعليم. ذلك أن حوالي 25% من كل الغجر، و33% من نساء الغجر، لا يعرفون القراءة والكتابة. وتشير دراسة مسح أجرتها الأمم المتحدة إلى أن 66% من الغجر لا يكملون تعليمهم الابتدائي، وأن 40% من أطفال الغجر لا يذهبون إلى المدارس على الإطلاق. وحتى أطفال الغجر الذين يذهبون إلى المدارس يستمرون فيها لمدة تقل عن نصف متوسط المدة التي يقضيها الأطفال من الأغلبية من السكان في البلدان التي يعيشون فيها.

فضلاً عن ذلك فإن المدارس التي يرتادها أغلب الأطفال الغجر منفصلة ومعزولة وأدنى مرتبة من غيرها من المدارس. ولم يتم إحراز أي تقدم يُذكر في مكافحة الفصل العنصري طيلة العامين اللذين انقضيا منذ أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكماً تاريخياً بإلغاء الفصل العنصري في الدعوى القضائية التي أقامها ضد جمهورية التشيك ثمانية عشر من أطفال الغجر الذين تم تنزيلهم إلى مدارس مخصصة للأطفال المصابين بإعاقات للنمو. واليوم ما زال العديد من أطفال الغجر في مختلف بلدان أوروبا الوسطى والشرقية يُنَزَّلون إلى مثل هذه المدارس، فقط لأنهم لم يتمكنوا من تلقي التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة أو لأنهم لا يتحدثون لغة الأغلبية في بلدانهم.

منذ ستة أعوام كان معهد المجتمع المفتوح والبنك الدولي قد وحدا جهودهما لإنشاء صندوق لتعليم الغجر. وهذا الصندوق يشكل مثالاً نادراً للتعاون بين الجهات العامة والخاصة، على الرغم من العراقيل، وهو التعاون الذي نجح في تحقيق مسعاه في المساعدة في كسر الصلة بين الفقر والحرمان من التعليم، والتي يعاني منها الكثير من الغجر.

ويهدف هذا الصندوق إلى إدراج الغجر في العملية التعليمية. وهو يعمل على تشجيع الغجر القادرين على العمل كقدوة إيجابية لأطفال الغجر - المدرسين، والزعماء المجتمعيين أو السياسيين، والمهنيين، أو أطفال الغجر الآخرين الذين تمكنوا من إظهار قدراتهم في المدارس. وتعمل البرامج الفعّالة التي يديرها الصندوق على توفير ما يحتاجه الأطفال -كل الأطفال- للنجاح في المدرسة.

وتشمل برامج الصندوق تقديم المنح للطلاب الغجر، وتوفير الوجبات المدرسية للتغلب على (حاجز الفقر) الذي يمنع أطفال الأسر الفقيرة من الالتحاق بالمدارس، وتقديم الدعم الأكاديمي لمساعدة الأطفال الفقراء في اللحاق بأقرانهم، أو تدريب المعلمين من أجل خلق ظروف مدرسية أفضل لكل الأطفال. وفي المقام الأول من الأهمية، يتعاون الصندوق مع الحكومات لمساعدتها على القيام بالمزيد مما تزعم أنها راغبة في القيام به.

لقد نجح الصندوق بالفعل في مساعدة 156 ألف طفل وبالغ شاب. والدعم المستمر لصندوق تعليم الغجر سوف يعني أن هذا العدد من الممكن أن يتضاعف تقريباً في غضون الأعوام الخمسة القادمة. ومن المقرر أن تجتمع الجهات المانحة في شهر نوفمبر- تشرين الثاني الحالي في بروكسل في إطار المؤتمر الذي قد يخلف أثراً عظيماً على مجال عمل الصندوق.

***

جورج سوروس رئيس مجلس إدارة صندوق سوروس ورئيس معهد المجتمع المفتوح. وجيمس وولفنسون رئيس وولفنسون وشركاه، والرئيس الأسبق للبنك الدولي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009
www.project-syndicate.org
خاص بـ«الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد