Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/11/2009 G Issue 13559
الخميس 24 ذو القعدة 1430   العدد  13559
كيف تؤثر في الإعلام أكثر من وزير الإعلام؟
بقلم: عبدالعزيز خوجة

 

في الماضي، لم يكن هناك سوى إعلام واحد وصحافة واحدة وصوت واحد، هذه الأحادية، احتكرت الخبر وتحليل الخبر، واحتكرت المتلقي بمختلف طيوفه وأنواعه، اليوم.. أصبح المتلقي هو صاحب السُلطة الأعلى والنفوذ الأقوى بفضل تنوع الخيارات وكثرتها في عالم الفضاء المفتوح والمعولم وفي ظل تطور وسائل الاتصال وعلمها، مشكلة بعض المتلقين، أنهم حتى اللحظة، لم يدركوا مدى قوتهم أو لم يختبروا (صلاحياتهم)، وبالتالي.. ليس كل متلقٍ يعرف أنه يستطيع أن يؤثر في الإعلام أكثر من وزير الإعلام!

كل صحيفة وكل محطة، لا تطلب، إلا ود المتلقي ورضاه، مهما كان اتجاهها أو هدفها، لأن إقبال المتلقي على الوسيلة يحدد مدى جاذبيتها للمعلن، أي مصدر الدخل الحقيقي لأي وسيلة إعلامية أو صحافية، وبالتالي فإن إعراض المتلقي عن بعض الوسائل يعني ارتفاع منسوب المشاهدة أو القراءة لوسائل أخرى، ما يعني عملياً، تحويل قرار المعلن من الإعلان في جهة إلى جهة منافسة.

بعض الناس، يطالب بمعاقبة الصحيفة (س) أو الصحافي (ص) بسبب خبر أو تحقيق أو كاريكاتير أو مقال، وربما تكون بعض هذه المطالبات محقة حين تتعلق القضية بانتهاك قيم المهنة أو معاييرها عبر الكذب أو القذف أو إثارة النعرات الطائفية والمناطقية أو إشعال الغرائز.. إلخ، ولكن، يقع بعضهم من أصحاب هذه المطالبات، عن حسن نية، في دائرة الخلط بين بعض المفاهيم أو في حفرة التجني، مثلاً.. يعترض أحد القراء على انحياز صحيفة معينة ضد فريقه الرياضي ولا يعترض على انحياز صحيفة أخرى لصالحه، وكان الأولى الاعتراض على فكرة الانحياز - التي تتصادم غالباً مع المهنية - ولكنه حتى لو قام بهذا فلن تستطيع الجهة المسؤولة محاسبة أو مساءلة المطبوعة أو الجهة المعنية ما لم يكن هناك انتهاك قانوني صريح لسبب بسيط، أن انحياز بعض الصحف لبعض الميول يؤمن لها شريحة من القراء الجاذبة لبعض المعلنين، ومن الممكن أن تتذرع الجهة بحق (التنوع) بناء على انحياز جهات أخرى لفرق معينة.

مثل آخر.. قد نجد أكثر من حكم شرعي يتناول مسألة فقهية معينة استناداً إلى الكتاب والسنة والمذاهب المعتمدة، ويغضب القارئ إذا انحاز الكاتب المختص لحكم (س) أو إذا انحاز كاتب مختص آخر لحكم (ص)، السؤال: ماذا في يد وزارة الإعلام لتقنع الكاتب بتبني رأي القارئ الذي يختلف معه؟! أو السؤال بصيغة أصح: هل من حق وزارة الإعلام أن تفرض على أي كاتب رأياً ليس مقتنعاً به؟ بالطبع لا.

مثل أخير.. قد يتضايق بعض القراء أو المشاهدين، من تركيز صحيفة أو محطة على قضية معينة أو تخصص معين، ومرة أخرى.. لا تستطيع وزارة الإعلام في هذا الفضاء المفتوح أن تقنع الصحيفة أو المحطة بتحقيق ميول هذا المشاهد أو رغبته لسبب بدهي أن هناك مشاهدا آخر يشعر بالرضا من اتجاه هذه المحطة أو الصحيفة ما دامت ملتزمة بالثوابت وقيم المهنة ومعاييرها.

الخلاصة.. هناك مساحة رمادية بين حق الوسيلة الإعلامية على المتلقي وحق المتلقي على الوسيلة الإعلامية، وهي مساحة واسعة أحياناً وفضفاضة أحياناً أخرى، لذا على المتلقي في هذه المساحة، أن يقف موقف المبادرة والإيجابية دون انتظار أحد، فالبرنامج الذي لا يلبي طموحه على الشاشة لا بد من أن يتحول عنه إلى برنامج آخر، والكاتب الذي لا يناقش همومه ولا يعبّر عن صوته يجب أن يفضل عليه كاتبا آخر، والصحيفة التي لا تناسب خياراته وأفكاره من اللازم أن يقتني عوضا منها صحيفة أخرى.

هذا التفكير الإيجابي والمبادر، لن يكون مثمراً وبناءً دون الإيمان بضرورة الحوار وحق التنوع، وإلا سينتهي بنا الأمر إلى القطيعة والخلاف بدلاً من التواصل والاختلاف، خصوصاً أن هذا التنوع هو الذي كفل للمتلقي سُلطة الاختيار والتأثير بعد ركون التأثر والوصاية، كما أن ممارسة سُلطة المتلقي وصلاحياتها قد يدفع بعض الوسائل إلى تعديل خياراتها أو ميولها إلى ما يريده المتلقي إذا عبّر رأيه عن شريحة واسعة من الناس.. ورأي الناس هو - غالباً - رأي المعلن.. ورأي المعلن هو دخل هذه الوسيلة الإعلامية.. أو تلك!

وبهذا المنطق، من الممكن أن نقول، على سبيل المجاز أحياناً وعلى سبيل الواقع أحياناً أخرى، أن كل متلقٍ.. هو في حقيقته وزير إعلام.. فليتخذ قراراته إذن.

- وزير الثقافة والإعلام
(نقلاً عن إيلاف الإلكترونية)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد