Al Jazirah NewsPaper Friday  13/11/2009 G Issue 13560
الجمعة 25 ذو القعدة 1430   العدد  13560
المساواة في الحج
د. عواطف بنت عبدالعزيز الظفر *

 

نعيش هذه الأيام في أجواء روحانية ونفحات إيمانية ونسمات ربانية؛ حيث يتأهب المسلمون لتأدية فريضة الحج. ولقد اقتضت حكمة الله تعالى حين شرع هذه الفريضة أن يكون لها من الآثار الروحية والمنافع الدنيوية والأخروية ما لا يستطيع حصره.

وسوف ألقي الضوء فقط على مظهر من مظاهر هذه الفريضة، له في النفس آثاره الطيبة ونتائجه الزكية، ألا وهو المساواة بين وفود الرحمن.

إنَّ المساواة عموماً مبدأ من مبادئ الإسلام؛ فلا تمييز ولا عنصرية ولا قبلية ولا لون ولا تفاضل إلا بالتقوى.. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

ولكنها تتجلى في أسمى صورها في فريضة الحج، بدءاً من الإحرام، حيث يتجرَّد الجميع من ملابسهم، من أهم السمات التي تدل على تفاوتهم وتمايزهم، ويتخلون عن علائقهم الدنيوية، ويلبسون كما أمرهم ربهم إزاراً ورداء، متمثلين حالهم عند فراقهم لدنياهم لملاقاة خالقهم جلَّ وعلا، ساعين لتحقيق قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة).

انظر إليهم وهم على هذه الحال، ودقِّق النظر فيهم، وأعمِل فراستك ما استطعت أثناء تأديتهم لمناسكهم؛ كي تميز منهم عظيماً أو حاكماً أو رئيساً أو ذا جاه..

كلاّ، لن تستطيع؛ فالجميع متساوون في ملبسهم وفي تأديتهم لنسكهم، وفي كل شيء، هل تمايز بعضهم في طوافه أو سعيه أو رميه لجماره لمكانته وعلو شأنه فقصر عن أداء ما شرعه الله عليه؟ هل اصطحب معه خدمه وحشمه وعزوته..؟ كلا فالجميع متساوون في كل شيء، بل انظر إلى المساواة في أجلّ معانيها يوم الوقوف بعرفة؛ فالجميع على قلب رجل واحد؛ حيث تذوب الطبقات وتتلاشى التفرقة وتتجسد المساواة الصادقة، المساواة الخالية من كل زيف وتكلف، المساواة التي فُقدت في الدنيا الزائفة، المساواة الحقة التي دعا إليها الإسلام.

فالجميع يتسابق ويتنافس إلى لقاء ربه وكسب رضاه في لحظات ينسى المسلم فيها دنياه بزخارفها ومتاعها.. انظر إلى هذا المشهد العظيم، حيث لا يقع بصرك إلا على عابد يتبتل، أو عاصٍ عيناه تدمع، أو متضرع إلى الله راجياً غفرانه.

فغاية كل حاج في هذا الموقف العظيم أن تشمله بشرى المصطفى صلى الله عليه وسلم، التي يقول فيها عن الله تعالى: (انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُر يومٌ أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة)، وفي رواية (أُشهدكم أني قد غفرت لهم).

هكذا تتجلى المساواة في هذا الركن العظيم، تقبَّل الله من الجميع حجهم ووفقنا لزيارة بيته العتيق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

* كلية التربية للبنات بالأحساء



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد