Al Jazirah NewsPaper Friday  13/11/2009 G Issue 13560
الجمعة 25 ذو القعدة 1430   العدد  13560

نزهة في عاصمة الجبال السبعة
نورا العلي

 

كان صباحاً جميلاً يحمل تباشير الفرح، يحرضك على نسيان ما سواه تسمع ضجيج العابرين الذي يوحي لك بالحياة والعمل والكفاح، تداعب أذنك زقزقة العصافير، وكأنها تكرر على مسامعك صباح الخير، وتكرر ذلك لتأكد لك بأنك هنا، في المدينة المختلفة، فصباحك في عمان صباح مختلف النكهة. صباح جبالها السبعة.. وسفوح تلالها التي لا تعشق سوى الاخضرار.. وترانيم الطيور على أغصان أشجار السرو.. بين عمان وإنسانها رباط عاطفي يتجذر بتقادم السنين وجوه يلاطفها نسائم تنطلق من بيادر وادي السير ومن تدفق عين غزال.. من ذلك الأثر وتلك الآثار الضاربة في عقم التاريخ تنهض عمان مع تباشير الفجر وزقزقة عصافيرها.. ينهض إنسانها بحيوية.. ويخطو في دروب الحياة.. يشق طريقه بين تعب وتعب.. إنسان من الصعب أن تصفه أنه من طينة تختلف.

شعب يطرب حتى في التعب.. السائق يقود مركبته ويشنف مسمعه ومن معه من الركاب بالطرب الأصيل.. وسائق حافلات كبيرة (الباصات) يهيج أشجان الركاب بصوت وديع الصافي.. (على الله تعود على الله.. يا ضايع في بلاد الله.. على الله تعود.. حيا الله تعود)..

أنخت راحلتي في حي النزهة، حيث يثملك شذى الرياحين، وعلى الأبواب تستقبلك زهور الياسمين، حي النزهة، يتقابل مع ضاحية الأمير حسن، يفصل بينهما شارع الاستقلال الذي يربط بين عمان والزرقاء.عمان، العاصمة الأردنية، أكثرها منطقة جبلية، وكان البيوت معلقة فيها بين الأرض والسماء، ما لفت انتباهي من أحياءها الجبلية، جبل الحسين وجبل النزهة، فهذان الجبلان يكتسيان بالمباني التي تخفى معالمهما ولا تعرف بأنهما جبال إلا من خلال علو المباني وانحدارها تدريجياً، ما راعني في هذين الجبلين، أنهما متقابلان وجهاً لوجه، يتصدى كل منهما للآخر ولا يجرؤ أحدهما بخس الآخر حقوقه ويفصل بينهما منخفض، في هذا المنخفض الغضيض الطرف حيث (لا عدل إلا أن تعادلت القوى)، مخيم مزدحم بالبشر والمباني المتراصة علواً، وكأن الأرض بما رحبت قد ضاقت بهم، فأصبحت مساكنهم تصعد في السماء، هؤلاء البشر هم الفلسطينيون.

حينما تقف خلف إحدى الجبلين (النزهة والحسين) تنسى كل شيء، وتستحوذ فيروز على تفكيرك حد الوجع، تكاد تسمع صوتها يصدح بنشيج (يا جبل إلي بعيد خلفك حبايبنا.. بتموج متل العيد وهمك متعبنا!!! يا اااا جبل) من يقطن خلف الجبل هم إخواننا النازحون الفلسطينيون عبثت الرياح العاصفة بهم تلفح وجوههم وتقتلع أشجارهم وزيتونهم، وتشتت أمتعتهم، ولم تبق لهم إلا الصم الصلاب (الحجارة).

هذا المخيم الذي يفصل بين جبل الحسين وجبل النزهة هو أقدم مخيم للفلسطينيين حيث هو من نكسة عام 48م.

حدثتني إحدى اللاجئات الفلسطينيات عن حياتهم وبلادهم ونكباتهم وجراحهم التي لا تفتأ ترتق حتى تفتق، وحدثتني عن حياتهم الراهنة حيث يعيشون حياة كريمة في ظل حكومة المملكة الأردنية الهاشمية ويتمتعون بخدمات جيدة، وتتكفل الوكالة التابعة للأمم المتحدة بتعليمهم وعلاجهم، وتصرف لهم رواتب شهرية ومساعدات عينية قد تفي بالغرض الأساسي.

وصفت لي إحداهن يوم ماطر في المخيم القابع بين الجبلين.. قالت كان ذلك اليوم شديد البرد والحسرة، فبما أننا في منخفض بين جبلين، يصب علينا كليهما ما يأتيه من ماء ومخلفات فيصبح مخيمنا مستنقع، والأدوار الأرضية من البناء تصبح بحيرة تسبح فيها أمتعتنا وأطفالنا بتنوع السكان في عمان حيث تضم جنسيات متعددة مثل: فلسطين، وسوريا، والعراق، وغيرها.

تزايد عدد سكانها بعد حرب الخليج حيث عاد الأردنيون الذين يعملون في الكويت إلى ديارهم، حتى لقد سمي شارع في حي النزهة بشارع الكويتية حث شيدوا مباني متجاورة، ذات طراز معماري رائع.

تحية للأردن أرضاً وإنساناً.

آخر الكلام: للشاعر حيدر محمود

أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين

فاهتز المجد وقبلها بين العينين

بارك يا مجد منازلها والأحبابا

وازرع بالورد مداخلها باباً بابا

- القريات


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد