سعادة رئيس تحرير الجزيرة.. الموقر
|
تابعت في الجزيرة فعاليات ملتقى نادي القصيم الأدبي الخامس للعام 1430هـ، الذي كان الملتقى يناقش فيه شخصية وشعر عنترة بن شداد، فارس بني عبس. وجدت نفسي تتوق للمشاركة في هذا الموضوع؛ حيث إنني من محبي شعره، هذا الشاعر الذي يثير الشجون ويلهب ليالي العاشقين، ويهيج الذكريات، فتحضر ماثلة، لكأنما توقف عندها الزمن، لم يستطع تجاوزها، حنطها، فلا تكاد تبرح الذاكرة.
|
سأتناول في مقالي هذا بعضاً من غزله العذب الرقيق؛ حيث يصور لوعات نفسه ويصبها في قوالب عذبة رقيقة على شكل أبيات من الشعر.
|
استوقفني كثيراً البيت الآتي:
|
بالله يا طير الحمام إذا |
رأيت يوماً حمول القوم فانعاني |
في نظره، لا حياة إذا ظعن الأحباب.
|
وهو الشاعر الذي يذوب وجداً حينما يرى من يماثله الوجد والحنين، وكأنه يبرهن على مقولة الشاعر:
|
وذو الشوق القديم وإن تعزى |
مشوق حين يلقى العاشقينا |
وها هو يحزن وتهيج أشواقه من جراء نوح طائر على فننه؛ فكل حزن يمثل حنيناً ووجداً من جراء فراق.
|
|
وما شاق قلبي في الدجى غير طائر |
ينوح على غصن رطيب من الرند |
به مثل ما بي فهو يخفي من الجوى |
كمثل الذي أخفي، ويبدي الذي أبدي |
في معلقته الشهيرة، التي مطلعها:
|
هل غادر الشعراء من متردم |
أم هل عرفت الدار بعد توهم |
يناجي الأطلال والديار الخالية المقفرة، يستنطقها، ويلقي التحية عليها ويدعو لها بالسلامة..
|
يا دار عبلة بالجواء تكلمي |
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي |
ويتضح في البيت الآتي سبب تحيته ودعائه لهذا المكان بالذات فيقول:
|
دار لآنسة غضيض طرفها |
طوع العناق، لذيذة المتبسم |
حييت من طلل تقادم عهده |
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم |
يسترسل في الحديث عنها وعن مكانتها من نفسه، وأن حبه لها حب صادق يرفع مكانتها، ولا يضمر لها إلا الكرامة والتقدير، وكأنه يبرهن على صدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما أكرمهن إلا كريم) فيقول:
|
ولقد نزلت، فلا تظني غيره |
مني بمنزلة المحب المكرم |
وفي البيت الآتي المفعم بالصدق والشفافية يصور من يحب كتوأم الروح؛ حيث يؤثره على نفسه مع ما به من خصاصة الحياة يقول:
|
وأحب لو أشفيك غير تملق |
والله من سقم أصابك من دمي |
أي علاقة تلك.. وأي صدق هذا الذي يسكن بين جنبيه.
|
|
حينما تتكاثف الذكريات تأبى إلا الحضور غير آبهة بالزمان أو المكان ومناسبتهما.
|
عنترة يتذكر محبوبته في وقت عصيب، عصيّ على الذكرى؛ حيث الصراع بين الحياة والموت، لم يتورع طيفها عن ملاحقته حتى في ساحات الوغى فيقول:
|
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني |
وبيض الهند تقطر من دمي |
وكان موقفه من هذه الذكرى الملحة أن قال:
|
فوددت تقبيل السيوف لأنها |
لمعت كبارق ثغرك المتبسم |
أي عشق هذا يا فارس بني عبس.
|
|
هذا هو الفارس المغوار، فارس بني عبس (الإنسان) المحب العاشق، وبالرغم من أنه في عصر الجاهلية، ولم يشهد الإسلام، إلا أنه كان يحب مكارم الأخلاق، أبي النفس كثير الحياء، حيث يقول:
|
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي |
حتى يواري جارتي مأواها |
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد |
لا أتبع النفس اللجوج هواها |
ختاماً أشكر لنادي القصيم الأدبي جهوده الثقافية والفكرية التي لا شك أنها تثري الحركة الأدبية والثقافية في بلادنا، والشكر للقائمين عليه، ونتمنى من الأندية الأدبية الأخرى العمل على إثراء الساحة والإسهام في الحراك الثقافي والأدبي في بلادنا الغالية والله الموفق.
|
نورا العلي |
|