Al Jazirah NewsPaper Thursday  03/12/2009 G Issue 13580
الخميس 16 ذو الحجة 1430   العدد  13580
التعاون في إنجاز الأعمال ومزاياه
عبد الله بن راشد السنيدي

 

من المعلوم حسب مبادئ علمي الإدارة العامة وإدارة الأعمال أن إنجاز العمل الإداري أو أي عمل آخر يقوم على أساس التسلسل الهرمي للتنظيم المعمول به بالجهة الحكومية أو بالمؤسسة الأهلية حتى تصل المعاملة أو مادة العمل

إلى صاحب القرار فيصدر التوجيه المناسب حيال الموضوع المعني بها، فالموظف الذي تبدأ منه المعاملة يقوم بالعرض عنها لرئيس القسم ثم تعرض من رئيس القسم أو مدير الشعبة أو الوحدة لمدير الإدارة ثم تعرض من مدير الإدارة للمدير العام ثم تعرض من المدير العام لوكيل الوزارة أو المؤسسة الذي يقوم برفع الموضوع إلى الوزير أو رئيس المؤسسة الخاصة وهي المرحلة الأخيرة حيث يقوم الوزير أو رئيس المصلحة أو مدير الشركة أو المؤسسة بإصدار التوجيه أو القرار الذي يراه مناسباً.

ويختلف التطبيق العملي في مجال العمل الإداري في المراحل التي تمر بها المعاملة من جهة لأخرى وأحياناً من إدارة لأخرى داخل الجهة الإدارية، فتجد أحياناً دوراً سلبياً في بعض المراحل التي تمر بها المعاملة إذ يقتصر بعضهم دوره على مجرد تمرير المعاملة فقط وبدون أن يبذل جهداً فيها أو مشاركة ذي فاعلية، أو أنه يتفق مع الرأي الذي ورد في المرحلة السابقة له كرأس رئيسه مثلاً لمجرد التمرير وليس لقناعته به في حين أن المفترض أن يبدي كل مختص ومسؤول معني بالمعاملة وجهة نظره حول موضوعها وليس بالضرورة أن يختلف مع الرأي السابق بل إنه إذا كان يتفق مع ذلك الرأي فعليه أن يحدد السبب أو المستند الذي يجعله يؤيده أو يأخذ به. إذا فإن الأمر الطبيعي والمنطقي في المراحل التي تمر بها المعاملة أن يقوم الموظف الذي تبدأ منه المعاملة بدراستها وفق القواعد والأنظمة التي تحكمها مستعيناً بما سبق أن تقرر في المعاملات السابقة المشابهة، ثم يقوم بإيضاح وجهة نظره الخاصة في المعاملة محل العرض، كما أن على رئيس القسم أن يستوعب المعاملة بعناية ويحدد فيها وجهة نظره من واقع خبرته النابعة من المعاملات التي ترده من أكثر من موظف في القسم، فقد يكون هناك معاملة مماثلة أنهيت إجراءاتها من موظف آخر ولم يكن لدى الموظف الذي درس المعاملة محل العرض علم بها، وكذلك الشأن بالنسبة لمدير الإدارة والمدير العام بحكم إشرافهما على العديد من الإدارات مما يفترض منهم الربط بين المعاملات التي تعرض عليهم بما لا يتعارض مع التوجه العام لنشاط الجهة الإدارية.

لذلك فإن تفاعل هؤلاء المسؤولين مع كل معاملة بالدراسة الدقيقة وإبداء الرأي السليم يخدم مصلحة العمل بشكل عام، كما أنه يساعد المسؤول الأعلى في اتخاذ القرار المناسب حيث يجد نفسه أمام معاملة مدروسة بجدية، وقد طرح حيالها رأي سليم مجمع عليه أو العديد من الآراء الصحيحة وبالذات في المعاملة الجديدة التي تعرض لأول مرة ولم يكن لها مثيل سابق والتي تهيئ للمسؤول فرصة الاختيار من بين هذه الآراء بما يراه محققاً للمصلحة العامة أو مصلحة العمل والمراجعين، وعلى الرؤساء الإداريين تقبل مبدأ تعدد الآراء وتشجيع مرؤوسيهم لإبداء مرئياتهم حتى ولو اختلفت مع آرائهم فالعبرة هنا بالرأي الصحيح الذي يخدم مصلحة العمل أياً كان مصدره، ذلك أن تشجيع المرؤوسين لإبداء آرائهم يجعلهم مبدعين وليسوا اتكاليين، أو مجرد كتبة فقط.

ومبدأ تعدد الآراء في العمل الإداري من المبادئ الإدارية الحديثة وهو صورة من العمل الجماعي المطبق في كثير من الدول المتقدمة الذي يتم بموجبه مناقشة وإنجاز الأعمال بصورة جماعية وعلى طاولة واحدة بين الرؤساء والمرؤوسين وغيرهم من المعنيين بحيث يتاح لكل منهم طرح وجهة نظره ومبرراتها ثم تجري مناقشة مشتركة من أجل الوصول للرأي المناسب إما بإجماع الحاضرين أو على الأقل الأكثرية منهم.

وقد عرف مبدأ تعدد الآراء قبل ذلك في التشريع الإسلامي، فقد تعددت المدارس الفقهية في مختلف العصور الإسلامية قبل قفل باب الاجتهاد مع نهاية القرن الرابع الهجري، وكان من ثمار ذلك تلك الثروة الكبيرة من المصنفات الفقهية التي تعالج الكثير من قضايا المجتمع الإسلامي التي أصبحت فيما بعد مصدراً رئيسياً للقوانين العربية والأجنبية.

وفي بلادنا يجري العمل بمبدأ تعدد الآراء وبالذات منذ بداية النهضة الإدارية الحديثة عن طريق تنمية الإدارة والعاملين فيها عندما تمت الاستعانة بخبراء من الدول المتقدمة في هذا المجال سنة 1379هـ كما أنشئ معهد الإدارة العامة سنة 1380هـ ليقوم بعملية تطوير أداء الموظفين عن طريق التدريب ورفع مستوى العمل الإداري عن طريق الدراسات والاستشارات التي يقوم بها والمجلس الأعلى للتخطيط الذي يعتبر نواة وزارة الاقتصاد والتخطيط التي تقوم بعملية التنسيق والإشراف على تنفيذ خطط التنمية، وفي سنة 1391هـ صدر العديد من الأنظمة الإدارية الحديثة ومنها نظام الموظفين العام ونظام تأديب الموظفين الذي أكد على أهمية رأي المرؤوسين وأنه في حالة عدم موافقة الرئيس المباشر على رأي أحد مرؤوسيه بالرغم من صحته وتمشيه مع القواعد النظامية فعلى الموظف المرؤوس أن يطلب توجيهاً مكتوباً من رئيسه حيال المعاملة أو الدراسة المعروضة حتى يكون الموظف بعيداً عن مسؤولية تطبيق رأي رئيسه.

كما اهتمت بلادنا بالرأي الهادف الذي من شأنه خدمة المصلحة العامة أو مصلحة العمل عندما تم إنشاء العديد من المجالس والهيئات الاستشارية كهيئة كبار العلماء ومجلس الشورى ومجالس المناطق وهيئة الخبراء وهيئة حقوق الإنسان وإدارات المستشارين في مختلف الأجهزة والمصالح والمؤسسات الحكومية، وكذلك في الشركات والمؤسسات الأهلية وذلك انطلاقاً من مبدأ أن (الحقيقة هي وليدة قرع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان حتى تنجلي وتتضح) وهو مبدأ قانوني معروف.

كما أنه إضافة لذلك يوجد العديد من الإيجابيات لتعدد وجهات النظر والبدائل حيال موضوع معين ومنها:

- إثراء الموضوع المطروح للبحث أو المعاملة محل الدراسة في سبيل الوصول إلى الحل والرأي المناسب مما يساعد المسؤول على اتخاذ القرار السليم.

- بث روح المشاركة والتعاون بين مختلف العاملين في الجهاز الإداري.

- تلافي الظواهر الإدارية السلبية كالمركزية والبيروقراطية في سير العمل الإداري.

- تشجيع ذوي الكفاءات والمهارات في القيام بالمزيد من الدراسات والبحوث عندما يعلمون أن أفكارهم مأخوذة بعين الاعتبار.

- تعزيز مبدأ المصارحة والمكاشفة في العمل الإداري بين الرؤساء والمرؤوسين.

- الوصول إلى مستندات أو معلومات أو دراسات تتعلق بالموضوع التي قد تكون معلومة لدى بعضهم دون الآخرين.

من ناحية أخرى فإن تعدد الآراء من المرؤوسين والرؤساء حول معاملة أو دراسة معينة يحتمل ما يلي:

- أن يكون رأي المرؤوسين مستنداً إلى حجج وأسس من الأنظمة واللوائح التنفيذية ونحوهما ورأي الرئيس مجرد رأي اجتهادي ذاتي ليس له مستندات واضحة ففي هذه الحالة ترجح كفة رأي المرؤوس.

- أن يكون رأي المرؤوس مستنداً إلى نصوص نظامية ولكن هذا الرأي جاء بفهم خاطئ لمفهوم النص ورأي الرئيس جاء موضحاً الخطأ ففي هذه الحالة ترجح كفة رأي الرئيس.

- أن يكون كلا الرأيين للرئيس والمرؤوس اجتهاديين ولا يعتمدان على قواعد نظامية إما لعدم وجودها أو لعدم العلم بها، ففي هذه الحالة يحال الأمر إلى طرف ثالث قد يكون الرئيس الأعلى لهما، وقد يكون للإدارة المختصة بإبداء الرأي النظامي في الجهة الحكومية أو المؤسسة الأهلية. وأخيراً نود الإشارة إلى أن تعدد الآراء والبدائل في موضوع معين باتباع أسلوب العمل الجماعي ليس هو الهدف بحد ذاته إنما هو وسيلة للوصول إلى الرأي الصحيح الذي يخدم المصلحة العامة أو مصلحة العمل أو مصلحة المراجع التي ينبغي أن تكون هي رائدنا وغايتنا وليس المقصود من ذلك مجرد الظهور فقط، كما ينبغي علينا إذا كان لأي منا رأي في موضوع معين وتبين وجود رأي أقوى منه وأقرب للمصلحة العامة عدم التمسك أو التعصب لرأينا بل التراجع عنه إلى الرأي الأنسب والأصلح لخدمة الصالح العام فالرجوع إلى الحق أحق بالاتباع.

asunaidi@mcs.gov.sa



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد