Al Jazirah NewsPaper Friday  04/12/2009 G Issue 13581
الجمعة 17 ذو الحجة 1430   العدد  13581
إنشاء هيئة لإدارة الطوارئ بالمملكة بات ضرورة
أ.د. عبد الملك بن عبد الله الزيد الخيال

 

أتساءل وأتساءل ويتساءل معي الملايين: إلى متى يمكن أن نتعايش مع الكوارث؟ وإلى متى تظل بديهيات إدارة الكوارث غائبة عن الساحة السعودية؟ وهل كان من الممكن تجنب أغلب الكوارث أو التقليل من آثارها؟

أسئلة ظهرت بعد الأربعاء الأسود في مدينة جدة، حيث يبدو أن ارتباط حياة السعوديين بوجود أزمات مستمرة قد أدى إلى التعايش معها، وهكذا يدعو واقع الحال إلى الاقتناع لدى العامة بأن الحكومة لن تقدر على إدارة أزمة المرور في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة وغيرهما أو توفير فرص العمل لآلاف العاطلين، ومحصلة ذلك أن المجتمع يخرج من أزمة ليدخل في أخرى، وهو ما يوجد بيئة غير مشجعة على الاستثمار سواء الداخلي أو الخارجي تتزايد معها معدلات البطالة والفقر والجريمة، ويبدو أن الناس قد تعودوا على الأزمات محدودة التأثير والنطاق الجغرافي، مثل حوادث الطرق شبه اليومية بالطرق المختلفة وحوادث السرقة المتكررة.

أنتم تعرفون أنه قبل بضع سنوات غرق الحرم المكي الشريف ووصلت المياه للمراوح، كما غرقت بعض أنفاق وشوارع أكبر مدينة في المملكة وهي العاصمة الرياض بمياه الأمطار، وأغرقت معها أرواحاً بريئة، وبالأمس القريب غرقت أيضا بعض أنفاق وشوارع ثاني أكبر المدن السعودية وهي جدة وأغرقت معها أرواحاً بريئة.

سيناريو يتكرر كل عام في كل مدن وقرى المملكة!! معضلة مدن المملكة المزمنة!! ولا تنسوا أن غرق جدة ومكة قضية قديمة، فعلى سبيل المثال: الأديب المصري إبراهيم المازني كتب عام 1968م في وصفه لرحلته إلى الحجاز قال: (...وذهبنا نخوض بها شوارع جدة، وأقول نخوض وأنا أعني ما أقول، فقد خيل إلي أني في البندقية (المدينة الإيطالية المعروفة)، وأننا أحوج إلى القوارب والزوارق أو الجوندولا (الزورق المستعمل في البندقية) منا إلى السيارات، وكانت العجلات تغوص في الماء إلى النصف... وقد أصارها المطر بركاً وبحيرات).

وأتساءل لماذا ننتظر دائما وقوع المآسي لنتحرك؟ ولماذا يجب أن يموت أحد حتى نتحرك ولماذا ولماذا ولماذا؟ ولماذا نفشل دائما في قراءة المستقبل؟ ولماذا هناك من لا يجيد القراءة والتفكير والرؤية من كل الزوايا والأبعاد لجميع أنواع الكوارث؟.

أغلبكم يعرف أنني في تحقيق سابق نشر في جريدة (الجزيرة) بتاريخ 19 يوليو 2007م بعنوان (هل حان الوقت لإنشاء هيئة وطنية لإدارة الطوارئ)، ذكرت أن الأخطار تحيط بنا دون اكتراث، وأنه يجب أن نجد الإجابة عن سؤال (هل يتعين علينا انتظار حدوث مآسٍ رهيبة كي نعي ونستشعر مسؤوليتنا؟)، وأن السعودية لا تقبل الانصياع لهذه الحتمية، وأن علينا تحمل كامل المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، وأن نتخذ العديد من التدابير واسعة النطاق على الصعيد الوطني، ومن بينها بلورة الاستراتيجية الوطنية للوقاية وتدبير أخطار الكوارث.

ولعل الفاصل الزمني القصير بين إعصار جونو في عمان وكارثة نفوق الإبل وتفشي مرض إنفلونزا الطيور، ومرض إنفلونزا الخنازير، وكارثة حرة الشاقة البركانية في منطقة العيص، بجانب تكشف العديد من الكوارث التي شهدتها المملكة خلال السنوات السابقة مثل الحرائق السابقة في منى وحريق محطة كهرباء وادي الدواسر وحريق سوق تجار البطحاء في الرياض وكارثة سوق الأسهم وأخيراً غرق مدينة جدة ثاني أكبر المدن السعودية، حدوث تلك الكوارث يدل على غياب فكر التخطيط والتنبؤ بالكوارث والاستعداد لمواجهتها، أي غياب شديد لبديهيات إدارة الكوارث، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الصحي، رغم وجود أكثر من جهة حكومية معنية بالأمر، إلا أنها ما زالت مكتوفة الأيدي تجاه التخطيط للتقليل من آثار الكوارث والتنبؤ بحدوثها، وذلك على الرغم من بدء بعض الأزمات في دول أخرى، وكان المجال متسعاً لتحضير المجتمع للتعامل معها قبل ظهورها في المملكة.

المتابعون لما أكتب يتذكرون أنني طالبت بإنشاء هيئة وطنية لإدارة الطوارئ من خلال العديد من المقالات التي نشرت في جريدة الجزيرة منها (السعودية والسعوديون واستعدادهم للحروب النووية القادمة 9-6-2007)، وتحقيق بعنوان: (تحديات التغيرات المناخية في الجزيرة العربية وإعصار جونو تفرض علينا إعادة حساباتنا، وهل حان الوقت لإنشاء هيئة وطنية لإدارة الطوارئ؟) بتاريخ 19-7-2007م، وآخر عن كارثة نفوق الإبل بعنوان (اقتراح بإنشاء وزارة الغذاء والدواء)، نشر في 29-9-2007م حيث نفق قرابة 2500 رأس من الإبل أو أكثر، بسبب تناول نخالة مسممة ناتجة من إهمال العمالة أثناء تصنيعها، وكذلك مقال بعنوان (أكد غياب التنسيق المجتمعي لمجابهته.. د. عبدالملك الخيال: أزمة إنفلونزا الطيور كشفت عن غياب استراتيجية مواجهة الكوارث بالمملكة) نشر في 6-12-2007م، وأيضا مقال بعنوان (المزيد عن هيئة إدارة الطوارئ السعودية (سيما) 27-1-2008م، ولا تنسوا المقال التثقيفي عن (العواصف الرعدية والبرق، أضرارها وفوائدها، وماذا يجب أن نعمله قبل وأثناء وبعد حدوثها) نشر في 1-2-2008م، والذي أرجو أن يقرأه كل إنسان، ومقال بعنوان: (ماذا يمكن أن تعمله قبل وأثناء وبعد حدوث زلزال لا قدر الله؟) نشر بتاريخ 6-3-2008، وآخر بعنوان: (حتى لا تتوالى مثل هذه الكوارث علينا مستقبلا) في 17-10-2008م ومقال عن البراكين وهل يمكن أن تحدث في بلادنا، وبعد نشره بحوالي الشهر حدثت مشاكل حرة الشاقة بالعيص، هذا بجانب العديد من المقالات في مواضيع مختلفة عن الكوارث.

في تلك المقالات ذكرت أنه من الضروري إنشاء هيئة وطنية لإدارة المخاطر تعنى بالمخاطر الكبرى أي الكوارث الوطنية وليست الحوادث العادية، وذلك لتعزيز الوسائل الضرورية لتنظيم عملية إنقاذ السكان المتضررين من الكوارث وتقوية التعاون مع دول المنطقة والتعاون الدولي من خلال إرساء مخططات للوقاية والتدخل المشترك يرتكز على مبدأ التضامن ودعم دول الجوار بالإضافة إلى وضع نظام للإنذار المبكر ونقل التجارب في هذا المجال، لذلك على مستوى المملكة يجب علينا إنشاء هيئة وطنية سعودية تختص بإدارة الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية تسمى الهيئة الوطنية السعودية لإدارة الطوارئ للتقليل من أضرار الكوارث الطبيعية تكون من مهمتها تحديد نوع الكوارث الطبيعية المتوقعة وتحديد الأمكنة المحتمل وقوع الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية فيها وإدارتها.

وطرحت سابقا عدة تساؤلات، مثل هل لدينا تخطيط للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المملكة؟ وهل لدينا نظام لتوفير بيانات المخاطر وتحليلها من أجل تطبيقات الحد من مخاطر الكوارث؟ وهل لدينا نظام لتوفير استكشاف مبكر وإنذارات مبكرة لعمليات إدارة المخاطر؟ وهل لدينا نظام لتوفير خدمات ارصادية دعماً لعمليات التصدي قبل وقوع الطوارئ وبعدها، ولعمليات الإغاثة؟ وهل لدينا برامج للتعليم والتدريب للمرافق المختلفة القائمة على الأرصاد الجوية والجهات المعنية بإدارة مخاطر الكوارث مثل الدفاع المدني، والعاملين في التصدي للطوارئ، وأجهزة الإعلام، وهل لدينا برامج ومواد لإعلام المواطنين؟ وهل لدينا قواعد بيانات تاريخية عن الكوارث التي حدثت في المملكة والجزيرة العربية لتساعد في عملية التخطيط المبكر؟

وهدف الهيئة السعودية لإدارة الكوارث هو تحسين قدرة حكومة المملكة العربية السعودية على الاستجابة بفاعلية في حالة حدوث هذه الكوارث المفجعة، وتكون من مهمتها، تحديد نوع الكوارث الطبيعية المتوقعة، وتحديد الأمكنة المحتمل وقوع الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية فيها وإدارتها.

ولا شك أن بإنشائها سنعمل على إنشاء الأنظمة والبنية التحتية اللازمة للحد من وطأة آثار الكوارث وتحسين الاستجابة حيالها، وبصفة عامة بجانب إنشاء الهيئة علينا أن نقوم بعمل الآتي فيما يخص الكوارث الطبيعية:

حشد نصيب أوفر من الاهتمامات للتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية وكذلك تقدير ومعرفة أنواع الكوارث الطبيعية وتبويبها بقصد تحديد أماكن وأوقات حدوثها ومدى قوتها تجنباً لمخاطرها، كما يجب أخذ تجارب الآخرين فيما يتعلق بوقوع الكارثة وتفادي أخطارها، وتوفير المعدات وتعبئة أجهزة القياس وإعداد فرق خاصة من الشرطة والجيش والكشافة والمتطوعين للاستعانة بهم وقت حدوث كارثة لا قدر الله، وتفعيل دور الثقافة لتعم أفراد المجتمع السعودي كافة فيما يتعلق بالوقاية والعلاج، وأخذ الحيطة والحذر من التقلبات المناخية، وما ينتج عنها من أمراض مختلفة تضر بصحة الإنسان.

وأرجو أن يتم دعم وتطوير كل من الدفاع المدني والهلال الأحمر وهيئة الأرصاد وإعادة هيكلتها وضخ دماء جديدة فيها لزيادة مقدرتها لسرعة الاستجابة والتعامل مع الأحداث، فإمكانياتها الحالية البشرية والمادية والتقنية قليلة جداً، مقارنة بما يطلب منها، والبعض من أفرادها يستحقون أن تخلد أسماؤهم لما قاموا به من بطولات.

لا نريد بعد اليوم أن نسمع من الدفاع المدني كلمة (دبر نفسك إلى أن تحضر لك الوحدة، ثم تأتي بعد مدة، الله أعلم كم تطول، لأن ذلك يعتمد أين أنت، ومن تكون، وهل أنت في مدينة أو قرية، أو...أو... فمسكين ذلك الباكستاني الذي سطر ملحمة بطولية وأنقذ بنفسه ثمانية أشخاص من الغرق في مدينة جدة يوم الأربعاء الأسود ثم غرق هو.. الله أعلم كم شخصا انتقلوا إلى الرفيق الأعلى في ذلك اليوم؟ لقد كان الحدث أكبر من إمكانيات الدفاع المدني خاصة وأنه وقت حج وأغلب رجال الدفاع المدني ومعداتهم مشغولون بأمور أخرى في منطقة المشاعر المقدسة كما أن لهم أولوياتهم الخاصة؟ أسلوب إدارة الكارثة والتنسيق بين الجهات المسؤولة وذات العلاقة معدوم تماما في تلك الكارثة، للأسف قبل الكارثة، لم يتحرك أحد والجميع يظن أنها أمطار بسيطة وستتوقف. إنني لا ألوم أحداً، فالعسكر المساكين لا يعرفون معنى الكارثة الحقيقية لأنهم لم يصادفوها بعد ولا يتصورونها.

لذلك يجب أن تنشأ هيئة لإدارة الطوارئ في المملكة العربية السعودية، كمصدر حكومي أولي للدعم المادي والتقني لمساعدة ضحايا الكوارث المختلفة والمحتاجين لمساعدة عاجلة، وكذلك بلورة الإستراتيجية الوطنية للوقاية وتدبير أخطار الكوارث، ويمكن أن تسمى الهيئة السعودية لإدارة الطوارئ (سيما)، SEMA اختصاراً لكلمة:

Saudi Emergency Management Agency لتقوم بعمل مشابه لما تقوم به (Fema) في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث إن عمل الهيئة مستمر من تخطيط مسبق، ودراسة للمواقع التي من المحتمل وقوع كوارث بها، ودعم جهود ما بعد الكارثة على الأرض يكون الجزء الأكبر من عمل الهيئة، والهيئة دائماً تعمل في جميع الأوقات، فقد تقوم بدراسة المناطق وما قد يتوقع أن يحدث فيها، كما قد تقدم أيضاً عددا كبيرا من حلقات التدريب.

لذلك ما نحتاجه حالياً هو مزيد من التفكير والتخطيط. التخطيط الذي يضع مصلحة بلادنا فوق كل مصلحة، وتذكروا أن عدم التخطيط السليم وقصر النظر سيقودنا إلى مشاكل أكثر وأمور بالغة التعقيد.

إننا إن لم نفكر ونخطط للمستقبل بكل أموره، ومنها على سبيل المثال، التخطيط لإنشاء إدارة الكوارث في بلادنا، إدارة تفكر لنا وتوفر لنا المليارات، إدارة ستخطط للمستقبل، أنها لن توقف الكوارث بل ستقلل من آثارها على مجتمعنا. خذوا الدرس من مدينة جدة التي صرف عليها المليارات والمليارات ولقبت بعروس البحر الأحمر، وهذا هو ثوب العروس ملطخ بدماء الموتى، الذين غرقوا في شبر من الماء، فماذا سيحدث لو أن الأمطار استمرت لبضعة أيام أو شهور، اصحوا يا بشر واتقوا الله، فالنفوس البشرية السعودية غالية عند ولاة الأمر، ولا يرضون بما يحدث.

فخادم الحرمين حفظه الله وولاة الأمر في بلادنا لديهم من الأعباء الوطنية والعالمية ما يكفيهم وليس لديهم الوقت للتفكير، لقد عينوا الوزراء والمستشارين، وعينوا مجلس الشورى، وأخيراً هناك وزارة للتخطيط، وأين كل هؤلاء من فكرة إنشاء هيئة لإدارة الكوارث؟.

لذلك أكرر مرة أخرى وصدقوني لأنني أتحدث من القلب وأعرف ما أقول: إننا في حاجة إلى إنشاء الهيئة الوطنية السعودية لإدارة الطوارئ للتقليل من أضرار الكوارث وذلك للمباشرة السريعة لمثل تلك الكوارث والتقليل من خطرها، كما أن إنشاءها سيهدف إلى تحسين قدرة الحكومة على الاستجابة بفعالية في حالة حدوث الكوارث المفجعة، كما يجب أن نعمل على إنشاء الأنظمة والبنية التحتية اللازمة للحد من وطأة آثار الكوارث وتحسين الاستجابة حيالها.

وهمسة أخيرة خجولة أقولها، أين أنتم يا مجلس الشورى؟، فأنا وغيري يكتب عن الموضوع منذ عام 2007م؟ أين أنتم يا أيها الغيورون على هذا البلد العظيم؟، من فضلكم فكروا في ما كتبت، وساعدوا بلادنا، في تقليل أثر الكوارث عليها في المستقبل إن شاء الله.

ولا تنسوا أن أعظم إعصار لم يمر بنا بعد، وأعظم زلزال لم يحدث في منطقتنا بعد، وأكبر حريق لم نتعرض له بعد، وأعظم بركان لم نشاهد آثاره بعد، أي أن أعظم كارثة لم تحل علينا بعد و... و...و..... (عد واغلط).. حيث يقول المصريون: (انتم ما شفتوش كوارث، دي حاجة بسيطة اللي شفتوها)، أما سكان نيو أورليانز فيقولون: (اللي جاكم لعب عيال، ما مر عليكم إعصار كاترينا).

والسعوديون يقولون: (الله يلطف بنا لو المطر استمر ينهمر لبضعة أيام.. لأن الصرف الصحي لا وجود له في كثير من المدن والقرى بجانب عدم تكامل البنية التحتية!).

الله يحفظ الجميع من كل سوء، ودمتم.. والله من وراء القصد.

* عضو لجنة الصحة والبيئة بمجلس الشورى



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد