Al Jazirah NewsPaper Friday  04/12/2009 G Issue 13581
الجمعة 17 ذو الحجة 1430   العدد  13581
تقدير عالمي لإنسانية سلمان الوفاء
أ. د. سليمان بن عبدالله أبا الخيل

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، نبي الرحمة خليله ومصطفاه، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فالحديث عن المثل العليا والقدوات من الوفاء لهم، والقيام بحقهم، وتجسيد هذه الجوانب لتكون معالم للاقتداء، ومما خصَّ الله به بلادنا المباركة، ووطننا الآمن أن هيأ له قادة أوفياء.

وولاة أمر حكماء، تواطأت الرعية على محبتهم، وأسلمت قيادتها إليهم، لما لهم من الفضائل والكمالات، وما حباهم الله من الخلال والخصال، بها اجتمعت القلوب على محبتهم، والثناء عليهم، وذكر مآثرهم، ولذا فإن من حقهم على كل من شرفه الله بالانتماء لهذا الوطن العظيم المملكة العربية السعودية أن يستشعر مسؤولية أمام الله ثم أمام مجتمعه تجاه نعمته سبحانه بولايتهم، وكيف لا يكونون كذلك وهم من عاهدوا الله عزَّ وجلَّ على نصرة التوحيد، وتحكيم الكتاب والسنة منذ قيام هذه الدولة المباركة على يد الإمامين الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب - وإلى عهد الملك المؤسس الباني الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -، وجعل الجنة مأواه-، ثم من بعده أبناؤه البررة، وحكامنا الميامين، إلى هذا العهد الميمون، والحقبة التأريخية المباركة، التي تظللها ملك الإنسانية، ويغمرها فضل الله عزَّ وجلَّ بنعمة ولايته، وتجللها الأبعاد الإصلاحية التطويرية التي أوصلت وطننا الغالي إلى مصاف العالمية، ومرافئ التميز، ويعين ملكنا المحبوب ويشد من أزره سمو ولي عهده الأمين وعضده المكين سلطان الخير، ونائبه الثاني أمير الفكر والأمن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، حفظهم الله وأمد في أعمارهم على الطاعة والإيمان، إنهم الأوفياء الذين صدقوا الله في رعيتهم، فصدقهم الله في وعده، ووضع لهم قبولاً في أرضه، وألقى محبتهم في قلوب شعبهم ورعيتهم، وهذا مصداق ما أخبر به رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ عليه السلام فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا، قَالَ: فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ)، فنحتسب على الله أن تكون هذه اللحمة والثناء والتقدير من هذا الشعب لولاة أمره هو من القبول الذي وضعه الله لهم، كما أنهم موعودون بالخيرية التي هي نوع اصطفاء واختيار حينما تجتمع القلوب عليهم، وتكون المشاعر متبادلة بينهم وبين الرعية، قال صلى الله عليه وسلم: (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ)، ولم تقتصر هذه الصورة المثالية على الشأن الداخلي، بل إننا نعيش مثالية في دائرة العالمية، فولاة أمرنا -أيدهم الله وحفظ دينه بهم- جسدوا أروع الصور، وقدموا أمثل القدوات، فهم قامات سامقة في الأخذ بمبادئ الدين وأحكام الشريعة والحفاظ على توحيد الله، وهم من أعطى المثال العملي على أن التمسك بهذا الدين لا يمنع من عصرية الحياة، ومدنية المعيشة، وحضارة التقدم، وتقدم الحضارة وهم من بلغ تأثيرهم في الحكمة والحنكة والسيادة الآفاق، واعترف العالم كله بدورهم الريادي، وسياستهم الحكيمة، حتى أصبحت اللغة الغالبة في العالم لغة التعايش والتسامح والسلم والسلام، والإنسانية التي تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، وتؤلف ولا تشتت، وكل ذلك من آثار التمسك بهذا الدين العظيم، والأخذ به بروح الوسطية والاعتدال، والشمولية والتمام، بعيدًا عن الأطراف المذمومة التي تنحو منحى الغلو والجفاء أو التفريط والتقصير، وكان من آخر الاعترافات العالمية، والشهادات التي تشرف بصاحبها، والأوسمة التي هي تاج فخار، ومصدر اعتزاز لأبناء وطننا الآمن، ومملكتنا الحبيبة المملكة العربية السعودية تلك الجائزة العالمية التي منحت لأمير الوفاء والشهامة والإباء، أمير عاصمة السلم والسلام، والأمن والأمان صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله، وبارك في عمره وعمله- تقديرًا لجهود سموه في مجال من أبرز المجالات الإنسانية، وأهم المساهمات التطوعية، والأعمال النافعة، والجهود المباركة، إنها المساهمة في مجال الإعاقة ورعاية هذه الفئة التي جرى قدر الله وحكمته وحكمه في ابتلائهم بها بما يضمن لهم عيشًا كريمًا، وحياة مستقرة، وتأهيلاً للاندماج في المجتمع والتفاعل والعطاء وفق المواهب التي وهبهم الله إياها، وكيف لا يكون هذا المجال أبرز المجالات لسموه، ورصيد سموه في هذا المجال سجل حافل بالعطاءات والإنجازات، والدعم والمساندة، والهبات والتبرعات التي لها دلالاتها المعبرة عن شخصية إنسانية، وروح محبة للبذل والعطاء، وإحساس مرهف، وقلب كبير يعيش في وجدانه الضعفاء وذوو الاحتياجات الخاصة، ويا بشراه حينما يكون أمير الوفاء بهذه الصفات المثالية المبنية على غاية الرحمة والعطف والبر والإحسان، والجزاء من جنس العمل، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ)، وما أسعد وطننا الغالي بهؤلاء الرجال الأفذاذ، الذين تشرف بهم الجوائز، وتفيد منهم الأوطان وتحل البركة بأفعالهم ومساهماتهم، ونسأل الله أن يديم عليهم فضله، ويبلغهم منتهى آمالهم في الدنيا والآخرة.

إن من يرصد سمات هذه الشخصية الإنسانية التي نالت هذا التقدير العالمي يجد أن هذا الاختيار العالمي لم يأتِ من فراغ، ولم يحصل بصورة عشوائية، وإنما ثمت إنجازات لأمير الوفاء، وسلمان العطاء لا على الصعيد الداخلي بل حتى على المستوى العالمي جعلت هذه المنظمة العالمية تقدر لسموه هذه الجهود، وتمنحه جائزتها الدولية لعام 2009م في مجال خدمة المعوقين، سواء في مجال الاهتمام والعناية والرعاية أو تشجيع البحوث العلمية في مجال الإعاقة من خلال تبنيه -حفظه الله- وترؤسه لعدد من المؤسسات التي تعنى بهذه الفئة في المجتمع السعودي التي انعكست على دورهم وحركتهم الرياضية، وقراءة سريعة لأبرز إنجازات سموه -يحفظه الله- تظهر أن الاستحقاق بجدارة، والتقدير بحق، وأن شخصية وإنسانية أميرنا المحبوب تحظى بتقدير واحترام الهيئات والمؤسسات الإنسانية على المستويات العربية والدولية، فسموه -يحفظه الله- يعتبر هو المؤسس والرئيس الأعلى لمركز سلمان لأبحاث الإعاقة، إلى جانب الرئاسة الشرفية لمركز الأمير سلمان الاجتماعي، كما يرأس جمعية البر بالرياض، وهي جمعية خيرية، تحقق مبدأ التكافل والتعاون والتراحم، ورئيس مشروع ابن باز الخيري لمساعدة الشباب على الزواج، ورئيس مجلس إدارة مشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الرياض الخيرية للعلوم، ورئيس الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض، والرئيس الفخري لمؤسسة الشيخ ابن باز الخيرية، ويرأس سموه مجموعة من اللجان الخيرية والإنسانية التي تهتم بالمرضى مثل لجنة أصدقاء المرضى بمنطقة الرياض، وهو الرئيس الفخري للجنة أصدقاء الهلال الأحمر بمنطقة الرياض، ورئيس جمعية رعاية مرضى الفشل الكلوي بمنطقة الرياض، حشد هائل، وأعمال دؤوبة، ومساهمة مؤثرة فاعلة في دعم مسيرة العمل الإنساني التطوعي من شخصية جبلت على حب الخير، وتأصلت فيها معاني الإنسانية، أفيستغرب بعد ذلك هذا التقدير العالمي.

أما على المستوى العربي والإسلامي والعالمي فإن أمير عاصمتنا الحبيبة رياض العز والشموخ تسطر له سجلاته بأحرف من نور، وتكتب بماء الذهب تأريخًا حافلاً، أسهم من خلال ترؤس سموه عددًا كبيرًا من اللجان والهيئات الرئيسية ذات الطابع الإنساني والبعد الإسلامي لتخفيف معاناة من حلت بهم الكوارث والنوازل من الحروب والفيضانات والزلازل وغيرها، فمنذ ما يربو على خمسين عامًا وسموه يرأس لجانًا لها نشاط إنساني خارج المملكة، فهو رئيس لجنة التبرع لمنكوبي السويس عام 1956م، ورئيس اللجنة الرئيسة لجمع التبرعات بالجزائر عام 1959م، ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة أسر شهداء الأردن عام 1967م، ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين عام 1967م، ورئيس اللجنة الشعبية لدعم المجهود الحزبي في مصر في حرب عام 1973م بين مصر وإسرائيل، وكذلك سوريا، ورئيس الهيئة العامة لاستقبال التبرعات للأفغان عام 1980م، ورئيس اللجنة المحلية لإغاثة متضرري السيول في السودان عام 1988م، ورئيس اللجنة المحلية لجمع التبرعات لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1989م، وكذا تقديم العون للأشقاء الكويتيين إثر الغزو العراقي عام 1990م، ورئيس اللجنة المحلية لتلقي التبرعات للمتضررين من الفيضانات في بنجلاديش، ورئيس الهيئة العليا لجمع التبرعات للبوسنة والهرسك عام 1992م، ورئيس الهيئة العليا لجمع التبرعات لمتضرري زلزال عام 1992م في مصر، ورئيس اللجنة العليا لجمع التبرعات لانتفاضة القدس عام 2000م، وغيرها، سجل حافل، وتأريخ مشرق وصورة مثالية، نرصد من خلالها السمات الشخصية لأمير الوفاء، وسلمان البر والعطاء، مما أوجب أن ينال عددًا كبيرًا من الجوائز التي كان آخرها الجائزة التي منحته إياها الرئاسة الإقليمية للأولمبياد الخاص، وجاء في حيثيات هذا الاختيار العالمي ما يعد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- جديرًا به، بل ومن أبرز سماته، حيث إنها جاءت تقديرًا وعرفانًا من الرئاسة الإقليمية للأولمبياد الخاص لما يوليه سموه من عناية كبيرة بالمعاقين وحرص على حقوقهم، وتشجيع البحوث العلمية في مجال الإعاقة مبرزًا في هذا الصدد تأسيس سموه لجمعية الأطفال المعوقين منذ ربع قرن، وكذا مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، وما أعلن عنه مؤخرًا عن إنشاء جائزة الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة وغيرها من المواقف التي تصب في خير وصالح هذه الفئة الغالية.

إن هذه المنظومة الكبيرة من الأعمال الإنسانية والتطوعية التي رصدت لهذا الأمير الشهم تؤكد ما حبى الله به ولاة أمرنا من خلال وخصال، وتكرس مفهوم العمل الإنساني التطوعي الذي جسد ولاة أمرنا فيه الأسوة والقدوة، وأصبح ذلك سمة من سمات أبناء هذا الوطن الكبير المملكة العربية السعودية، ما أن يدعون فيه لإسهام تطوعي إلا ويبادرون خلف ولاة أمرهم، ثم إنه عمل يرتبط بالمفاهيم الشرعية، والأسس والمبادئ التي لا تتعارض مع النصوص الشرعية، فهي أعمال إنسانية لا تتجه إلى فئة محددة، ولا ينحصر في مفهوم محدد، بل يستهدف كل جانب تعظم فيه الحاجة، ويشتد فيه أثر النازلة أو الكارثة.

وبعد: فإن اختيار هذه الشخصية المباركة، والأمير الوفي سلمان البر والعطاء لهذه الجائزة العالمية في هذا المجال الإنساني الخيري مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن، بل لكل مسلم، وإننا لنستشعر عظم النعمة من الله أن جعل ولاة أمرنا وأمراءنا قدوات خير، ومثلاً عليًا في أعمال البر، ولا يسعنا أن نرفع شكرنا لله عزَّ وجلَّ أولاً وآخراً فهو الذي منَّ علينا بقادتنا، وهو الذي مكَّن لهم، وجعلهم أئمة في الخير، وهي آلاء متوالية تستحق الحمد والشكر والثناء على الله {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ}، ثم يشرفنا أن نرفع لصاحب السمو الملكي أمير عاصمتنا الغالية الأمير سلمان بن عبد العزيز أسمى آيات الشكر والتقدير، والتهنئة الخالصة والدعوات الصادقة أن يتم الله سبحانه عليه نعمه، ويسبغ عليه فضله، ويكلأه برعايته، ويجعل هذا التقدير والاعتراف من عاجل بشراه في الدنيا، ويدخر له أجزل المثوبة، وأعظم الأجور لقاء كل عمل سيقدمه لهذا الوطن الآمن، ولكل مجال حيوي إنساني إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد