Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/12/2009 G Issue 13582
السبت 18 ذو الحجة 1430   العدد  13582
المشروع الإصلاحي وإدارة التغيير الاجتماعي.. الملك عبدالله ودولة المحاسبة والقانون
د. علي بن شويل القرني

 

الملك عبدالله بن عبدالعزيز يصنع تاريخاً جديداً للمملكة العربية السعودية، ويؤسس لمرحلة نوعية جديدة في الفكر السعودي السياسي.. الملك عبدالله يعرف كيف يتعامل مع الأحداث،

ويتعاطى دائماً بحكمة وتوازن وقوة وحزم.. عبدالله بن عبدالعزيز هو رجل التاريخ المعاصر ورجل التأسيس بمفهوم الدولة العصرية المبنية على قواعد القانون وأساس النظام..

الملك عبدالله هو رجل الأحداث ورجل قوة القانون ورجل القرار المناسب في الوقت المناسب.. الملك عبدالله هو رجل الأهداف الوطنية الكبرى.. وهو دائماً ومنذ توليه مسؤولية القيادة وهو يبني سياسة سعودية تواصل مسيرة (محورية المواطن) وقاعدة عمل (من نحن دون المواطن السعودي)، وضرورة أن يكون هذا المواطن هو قلب القرار السعودي، وهمزة الوصل الأولى..

فلننظر إلى رؤيته - يحفظه الله - في عددٍ من الأمور المهمة والأحداث الكبرى التي تعاطى معها بمسؤولية وحكمة وحزم وبعد استراتيجي..

1 - نتذكر دائماً زيارته التاريخية لبعض الأحياء الفقيرة ودخوله الطبيعي وتفقده للأهالي رجالاً ونساءً وأطفالاً.. هذا الحدث هو حدث غير اعتيادي بكل المقاييس السياسية والاجتماعية.. وكان ولأول مرة في تاريخ الإعلام السعودي يتم تسليط الأضواء على وضع الفقراء في المملكة وبهذا الشكل الدرامي المهم.. ولم يكن عرض هذا الموضوع عبر تقرير تلفزيوني أو تحقيق صحافي، بل كان عبر زيارة يقوم بها قمة الهرم السياسي في المملكة إلى موقع الحدث، ويتفقد فيه هذه الحالات التي قد تجد تبريراً لها في دول أخرى، ولكن قد لا نجد لها أي تبرير في دولة نفطية مثل المملكة. وقد أراد بنفسه أن يطلع على أرض الواقع ويستمع من هؤلاء.. وليس هذا فحسب، ولكن أراد أن يعترف المجتمع ويطلع على الحالة الفقرية التي يعيشها بعض أبناء وبنات هذه البلاد.

2 - إطلاق الحوار الوطني في بلادنا وتأسيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كان انطلاقة غير مسبوقة في تاريخ المملكة.. فكان يتوجب علينا أن ندرك اختلافاتنا المذهبية والمجتمعية أولاً في مسعى إلى تلاحم الصفوف وبناء اللحمة الوطنية.. وقد عرضت اللقاءات السنوية لأمور وموضوعات لم تكن مسبوقة في نقاشاتنا الوطنية أو في إعلامنا الوطني، وأضيف إليها أن هذه اللقاءات جاءت على الهواء مباشرة من التلفزيون الوطني الرسمي، مما يضيف إلى شرعية هذه الموضوعات وإمكانية تناولها ومناقشتها بشكل علني وعبر وسائل الإعلام..

3 - بعد التداعيات الكبرى لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وما واجهته المملكة من حرب شعواء ضد مبادئها وقيمها ومؤسساتها من مؤسسات ودول وجماعات ضغط وسلطات تشريعية من بعض الدول وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، دعا الملك عبدالله إلى مؤتمر عالمي عن الإرهاب، وعقد بالرياض وناقش مسببات الإرهاب وطرق مكافحته وأطلق يحفظه الله فكرة تأسيس مركز عالمي عن الإرهاب.. وبمثل هذا المؤتمر أوضحت المملكة أنها دولة مستهدفة من الإرهاب ومن المنظمات الإرهابية، وليس كما كانت تتداوله بعض الجماعات والأطراف اليمينية من أن المملكة مغذية للإرهاب وداعمة له.. ويتوجب محاكمتها كأفراد أو مؤسسات.. واستطاع الملك عبدالله أن يبدد هذه الصور السلبية عن بلادنا..

4 - إطلاق مبادرة حوار أتباع الأديان وحوار الحضارات على المستوى الدولي، وما لقيه من صدى عالمي كبير، جعل المملكة أمام العالم تبدو في واجهة حضارية مهمة، وقد استطاع بهذه المبادرة أن يصحح الصورة السلبية التي ارتسمت أمام العالم خطأ عن الإسلام والمسلمين من جراء تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. وقد نال المملكة حكومةً وشعباً الكثير من الصور السلبية التي شوشت على مكانتها بين دول العالم.. واستطاعت هذه المبادرة أن تعيد الوهج إلى صورتنا العالمية..

5 - عودة الملك عبدالله من زيارة خارجية إلى جازان لتفقد أحوال المواطنين المصابين بحمى الوادي المتصدع، وهي حمى معدية ومميتة، ولكنه رفض إلا أن يكون بينهم يتفقدهم ويتعرف على أسباب المشكلة ويوجه مباشرة من موقع ذلك الحدث، بل ويلفت الانتباه إلى تلك المشكلة الصحية..

6 - دعوته إلى مؤتمر عالمي للدول المصدرة والمستهلكة للنفط بعد وصول أسعار النفط إلى مستويات قياسية أكثر من 140 دولاراً للبرميل الواحد، حيث جعل من المملكة دولة مبادرات عالمية، وقد اجتمعت قيادات كبيرة لمناقشة هذه الأزمة العالمية، حيث كانت تدور في أوساط عديدة أطروحات تشير إلى تحميل الدول النفطية هذه الأزمة واتهامها بأنها وراء افتعال مثل هذه المشكلات التي تعود بالفائدة على دولها.. ولكن حضور قيادات سياسية واقتصادية من الدول المستهلكة يعطي دلالة واضحة واعترافاً صريحاً أن الدول المستهلكة هي طرف أساسي في مشكلة المغالاة في أسعار النفط..

7 - أطلق الملك عبدالله مبادرة علمية هي تأسيس جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية.. التي تعد بكل المقاييس جامعة عالمية يراد لها أن تقود مؤسسات التعليم العالي ليس فقط في المملكة ولكن في الدول العربية والإسلامية، وتمثل ريادة عالمية في مجالها، إضافة إلى أن المملكة ستجني الكثير من نتائج البحوث المهمة التي تقوم الجامعة بها في العلوم والتقنية..

8 - استطاع الملك عبدالله أن يؤسس تاريخاً مهماً للتعليم العالي في بلادنا فقد أطلق جامعات المناطق، وأصبح لكل منطقة جامعتها، كما بدأ في التركيز على إعطاء المحافظات الكبرى جامعاتها المستقلة التي تلبي احتياجاتها التعليمية، ومتطلباتها التنموية.. كما أطلق يحفظه الله برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، حيث تبنى هذا البرنامج ابتعاث أكثر من ستين ألف طالب إلى مختلف دول العالم يدرسون التخصصات المهمة التي يتطلبها مشروع التنمية في بلادنا..

9 - تفقد الملك عبدالله منطقة جازان وأمر ببناء عشرة آلاف وحدة سكنية للنازحين من المناطق الحدودية، ويعرف يحفظه الله أن لعبة الوقت مهمة في مثل هذه الحالات، ولهذا كان توجيهه أن يكون بناء هذه الوحدات السكنية بمختلف خدماتها الصحية والتعليمية خلال عام واحد فقط.. حرصاً منه أن ينتفع بها هؤلاء المواطنون بأسرع وقت حتى تكون الفائدة كبيرة وعاجلة..

10 - وأخيراً وليس آخراً، الأمر الملكي الذي أصدره الأسبوع الماضي للتحقيق في تداعيات السيول في منطقة مكة وتحديداً في جدة، التي ذهب ضحيتها أكثر من مئة من المواطنين والمقيمين.. ومن يتفحص الأمر فسيكتشف فيه أن هذا الأمر هو مكاشفة مع واقع المؤسسات التنفيذية التي تدير العمل التنموي، ويجب محاسبتها إذا وقع منها خطأ أو قصور أو فساد إداري. وقد أثبت هذا الأمر الملكي أن محاسبة المسؤولين ستكون هي أساس تسلم قيادة أو مسؤولية العمل التنفيذي في المملكة. وسيصبح هذا الأمر منطلقاً جديداً لمحاسبة مسؤولي الدولة ومتابعتهم أمام ولي الأمر وأمام الرأي العام الوطني..

هذه باختصار شديد بعض من ملامح شخصية قيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله الذي يمكن أن نقول إنه أراد أن يبني لهذه البلاد سياسة نوعية في العمل والإدارة الرسمية لشؤون الدولة والمواطن أو لسياسة خارجية جريئة ذات مبادرات عالمية تجعل من المملكة دولة ريادية وقوة إقليمية كبيرة ذات نفوذ عالمي.. ويمكن أن نستشف الكثير من الأمور المهمة التي تعطي لنا قوة ودافعية كبيرة من رؤية وحكمة هذا القائد الكبير الذي يحظى بحب وتقدير ليس فقط على الصعيد الداخلي، ولكن على المستويين العربي والدولي.. وربما ما نحتاج إليه الآن هو أن يتم تبني هذه المبادرات الإصلاحية وتحويلها إلى خطط عمل وبرامج تنفيذية ترتكز على مؤسسات وطنية تصبح سياجاً لإدارة ومتابعة هذه السياسات الحكيمة وتحفيزها لتصبح مبادئ وسياسات مستمرة تقود العمل السعودي إلى مستقبل أفضل وحياة شريفة ومواطنة حقيقية.. وما يحدث الآن هو تغيير اجتماعي في بنية الفكر العام والمسؤولية الاجتماعية.. ونحتاج إلى مرحلة يتواصل فيها العمل في إدارة التغيير الاجتماعي ليصبح هو الأساس والقاعدة التي نستند إليها في جميع أعمالنا، وخصوصاً ما يرتبط منها بالمواطن مباشرة.. ما نحتاج إليه هو إدارة تنفيذية للخطط الإصلاحية أو للمشروع الإصلاحي الكبير الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله .. فقد أوجد النبتة الطيبة والغرسات المباركة التي تحتاج إلى إدارات تنفيذية تسهر على المتابعة وتعمل على تكريس هذه المفاهيم وضخ الروح المتجددة في هياكل المؤسسات التنفيذية وفق رؤيته الحكيمة ومبادئه الصالحة..

المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد