Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/12/2009 G Issue 13582
السبت 18 ذو الحجة 1430   العدد  13582
عود على بدء: هيئة الرقابة على الأشغال العامة
عثمان عبدالعزيز الربيعه

 

هذا الموضوع ليس جديداً، فقد كتبت عنه في عدد (الجزيرة) رقم 13103 وتاريخ 21-8-1429هـ، ولكن كثر الآن ما نراه ونسمع عنه أو نقرأ عنه في الصحف من مشكلات تعترض إنجاز المشاريع الإنشائية الحكومية،

وتكون سبباً في إهدار بلايين الريالات على حساب المال العام، وسبباً في إهدار الكثير والكثير من الوقت على حساب المصلحة العامة، وسبباً أكبر في هز الثقة بالخطط والمشاريع الموعودة على حساب الآمال العريضة والتوقعات في أنفس الناس الذين تمسهم خدمات هذه المشاريع، وذلك من مثل ما يحدث من سوء أو بطء في تنفيذ أنفاق وجسور أو مباني مدارس ومرافق صحية أو نحو ذلك من المشاريع الحيوية.

ومثل هذه المشكلات دفعت كتاباً كباراً مثل الأستاذ قينان الغامدي في جريدة (الوطن) الذي اقترح مؤخراً إنشاء شركة وطنية على غرار شركة الكهرباء تقوم بتنفيذ المشاريع الإنشائية الحكومية على مستوى المملكة، ومثله الأستاذ عبدالله الكعيد في جريدة (الرياض) الذي اقترح قبل ما يقارب عامين إنشاء هيئة حكومية للأشغال العامة تقوم أيضاً بتنفيذ المشاريع الحكومية، ومثل هذه المقترحات الجميلة يمكن اعتبارها ردود فعل متفائلة بنجاح شركات وطنية كبرى أو هيئات حكومية مركزية في القيام بما فشلت فيه مؤسسات القطاع الخاص، إلا أنني لست أرى أن معالجة المشكلات عن طريق تنحيتها جانبا أو القفز عليها أو قلب صفحتها أسلوب صحيح، كما أنه ليس صحيحا جلب حل لمشكلة ما قد يترتب عليه مشكلات من نوع آخر مثل البيروقراطية المركزية والترهل والاتكالية. وسوف نجد أن تلمس القدوة في نماذج مثل الشركة السعودية الموحدة للكهرباء أو الشركة الوطنية للمياه أو الشركة الوطنية للشراء الموحد في غير محله، فإن كلاً من هذه الشركات تنفذ مشاريع ذات طبيعة متجانسة في أهدافها وفي مواصفاتها وفي مكوناتها وفي الخدمة التي تنتهجها، ومن ثم فإن إدارتها والإشراف عليها وتنفيذها أمر مستطاع رغم ضخامة الحجم.

ولكن الأوامر مختلف في قطاع المشاريع الإنشائية، فإن مشروعاً مثل إنشاء مدرسة أو إنشاء مستشفى أو إنشاء مطار محلي أو إنشاء طريق وأنفاق وجسور يختلف كل منها عن الآخر من حيث أهدافه ومواصفاته والخدمة التي ينتهجها. وإلى جانب تنوع هذه المشاريع فهي كثيرة العدد، ومتطلباتها من المشرفين والمهندسين والفنيين والعمالة والآلات ضخمة جداً، الأمر الذي يجعل توحيد القيام بتنفيذها مهمة مستحيلة، ومما يزيد الأمر استحالة أن هذا الاتجاه يخالف استراتيجية الدولة في تشجيع القطاع الخاص وتعزيز مكانته على طريق التنمية.

فلماذا لا نلجأ إلى معالجة لب المشكلة، وهو لب مركب من عدة عناصر، منها (مع حفظ حق المتخصصين في مثل هذه الأمور التقنية):

- غياب المعايير القياسية (مثل كود البناء - حتى الآن على الأقل).

- القصور في إعداد المواصفات (لمحدودية الخبرة مثلاً).

- تطويع المواصفات - إن كانت جيدة ودقيقة - لحجم الاعتمادات المتاحة.

- طرح أغلب المشاريع في منافسات عامة تسمح للمتنافسين بتقديم عطاءات متدنية، والتحايل على التصنيف بالتضامن الصوري مع مقاولين مصنفين.

- التساهل في طلب تأهيل المتقدمين للعطاء.

- تسليم المشروع بعد الترسية - أو أجزاء منه - لمقاولين من الباطن بثمن بخس.

- ضعف إمكانات المقاول المنفذ أو كفاءته أو ذمته.

- الاعتماد المطلق على مكاتب استشارية خاصة في الإشراف على التنفيذ.

- احتمال التواطؤ بين بعض ذوي العلاقة لكسب مغانم شخصية.

- عناصر أخرى غير ما ذكر.

ولأن عناصر المشكلة متعددة ومتنوعة والمشاريع كثيرة فإن الجهة المستفيدة (صاحبة المشروع) لا تستطيع إحكام الرقابة على كل المشاريع، بل هي - حتى لو أحكمت الرقابة - لا تكتشف المعوقات إلا متأخرة، أو بعد فوات الأوان، وفي بعض الأحيان تغض الجهة المستفيدة (صاحبة المشروع) النظر عن أخطاء تظنها صغيرة - تلهفاً منها على إنجاز المشروع - أو ربما تتستر عليها إذا كانت هي منشأ القصور.

من أجل ذلك فإن الرقابة الخارجية أبلغ أثراً عندما تكون الرقابة الذاتية قاصرة، ولو لم يكن في الرقابة الخارجية من خير إلا خشيتها والتحسب لها لكفى. كلنا نعلم أن هناك هيئة للمواصفات والمقاييس تختص بوضع المواصفات القياسية للمنتجات الصناعية، وأن هناك هيئة للرقابة والتحقيق تراقب أداء الموظفين والأجهزة الحكومية، وأن هناك هيئة للغذاء والدواء تراقب وتنظم تداول الغذاء والدواء، وهناك هيئة للتخصصات الصحية تصنف وتقيم مستوى الممارسين، وهناك ديوان المراقبة العامة الذي يراقب النواحي المالية في الأجهزة الحكومية رقابة لاحقة، وهناك هيئة الحسبة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) التي تراقب بعض الأنواع من السلوكيات الأخلاقية والانضباط الاجتماعي، وهناك بالطبع هيئة حقوق الإنسان، فهل سمعتم عن هيئة تراقب أعمال المشاريع الحكومية وتقيم أداء الذين ينفذونها؟ وهي المشاريع التي تستنفد نصف ميزانية الدولة، لا توجد مثل هذه الهيئة، وقد آن الأوان لإنشائها، فإن هيئة حكومية مستقلة لمراقبة الأشغال العامة كفيلة بتحقيق الأهداف التي تمنى تحقيقها كتاب مرموقون - كما أشرت من قبل وكما أشار إلى ذلك الكثيرون غيري.

مثل هذه الهيئة - إن أعطيت الشخصية الاعتبارية المستقلة والصلاحيات والإمكانات الكافية وارتبطت إداريا بمجلس الوزراء - تستطيع أن تكون عونا وسندا للجهات الحكومية صاحبة المشاريع في إنجاز مشاريعها على الوجه الذي يرضي المواطن والمسؤول، ويحفظ المصلحة العامة والمال العام والوقت الذي هو دائما أغلى من المال، ولا ينبغي للجهة صاحبة المشروع أن تتخلى عن وظيفتها في الرقابة الذاتية، ولكن هذه الهيئة سوف تعاون الجهات الحكومية في الأمور التالية - على سبيل المثال لا الحصر:

- تقويم جدوى المشاريع.

- مراجعة المواصفات والعقود.

- وضع معايير قياسية للأعمال الإنشائية.

- تصنيف المقاولين ووضع معايير لتأهيلهم.

- المراقبة الميدانية لتنفيذ العقود.

- التنبيه الفوري عند ملاحظة القصور وتقرير الإجراء اللازم على ضوء ذلك.

- متابعة تنفيذ الإجراءات المقررة.

- متابعة تنفيذ العقوبات المقررة حسب مسؤولية التقصير.

إن بعض هذه المهام تنظيمية إلا أن أغلبها رقابي صرف، ومع أن هذه المهام ليست تنفيذية، إلا أنها قد تثقل كاهل هذه الهيئة، وعندئذ من الملائم أن يوكل للهيئة - إلى جانب التنظيم - الاختصاص الرقابي للمشاريع التي تتعدى قيمة معينة، وأن يوكل لفروعها في المناطق مراقبة ما يقل عن هذه القيمة.

ولكي تحافظ هذه الهيئة على قوتها واستقلاليتها وقدراتها الفنية، فإن من الأوفق تحصيل رسوم على المشاريع التي تقوم بمراقبتها تدفعها الجهة المستفيدة من اعتمادات المشروع وليس المقاول.

إنني أزعم بأن إقامة مثل هذه الهيئة أمر جدير بالتفكير فيه، لأنها سوف تقوم بدور كان حتى الآن مفقوداً.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد