Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/12/2009 G Issue 13593
الاربعاء 29 ذو الحجة 1430   العدد  13593
تقارب (أهل الدعوة وأهل الفن).. من المستفيد؟
ممدوح بن محمد الحوشان

 

تعددت مؤخراً صور ومجالات التعاون بين المنتسبين للعمل الدعوي من جهة والعاملين في المجال الفني من جهة أخرى إذ رأينا جملة من الأعمال الفنية التي يكتبها داعية ويغنيها مطرب..

... أو أعمال أخرى يلحنها ملحن فني شهير ويشدو بها منشد إسلامي أو أن يشارك ممثلون في تدشين مناشط إسلامية.. إلى غير ذلك من الصور التي تدلل وتبرهن على حدوث تغيير كبير في شكل العلاقة بين هاتين الفئتين من المصادمة والإقصاء والتنافر إلى المحاور والتعاون والتقارب.

ولم يكن لهذا التقارب أن يتم أو يظهر على السطح فجأة.. بل هو في تقديري نتاج المراجعات الفكرية العميقة (لسنوات) والقراءات النقدية للفكر الإسلامي التي قام بها رموز العمل الإسلامي ومؤسساته على عدة مستويات وتمخض عنها اجتهادات شرعية (متسامحة) مع واقع العمل الإعلامي المعاصر ومدركة لتأثير (الفنون) على جيل الألفية الثالثة.

في وتصوري أن هذا التقارب بين رجالات الدعوة والإصلاح الديني وبين ذوي الخلق الرفيع من العاملين في الوسط بما يمثله هذان الاتجاهان من تنافر (ظاهري عززته مراحل تشدد ديني سابقة) سيدعم وحدة أبناء المجتمع ويعمق تماسك أعضاؤه ويعزز تعاونهم في سبيل تحقيق الغايات الأساسية المجمع عليها من الطرفين والمتمثلة في تعزيز منظومة القيم الإيمانية والأخلاقية.

وسينعكس اضمحلال صور التنافر بين القوى المؤثرة في تكوين اتجاهات الشباب السعودي إيجاباً في توجيه طاقات الشباب نحو المباح النافع بعيداً عن سبل الغواية المحرمة، ويدرك كل الناشطين في التربية والتوجيه عظيم الأثر وقوة تأثير الرسالة الإصلاحية إذا صدرت من شخصيات (نجومية عند فئة الشباب)

وقد حقق الأطراف المختلفة المفعلة لهذا التعاون مكاسب عاجلة (فالطرفان أهل الدعوة وأهل الفن) أضافوا لرصيدهم الفني أعمالاً متميزة عن باقي المنافسين (التقليدين).. كما توسعت دائرة الشريحة المتلقية لرسائلها الإصلاحية، كما أن الأعمال حظيت برصيد كبير من الاهتمام الإعلامي والجماهيري انعكس إيجاباً على توزيع التجاري والتسويقي لمنتجاتها الإعلامية وبالتالي زاد من قيمة العائد المادي لمشروعاتها التجارية.. وهي مكاسب مشروعة ومتوقعة ولا تتنافى أبداً أو تتقاطع مع المكاسب الأكبر وهو إشاعة روح التقارب والتعاون المشترك بين مكونات المجتمع في المجالات العامة النافعة مع احتفاظ كل طرف بمواقفه الفكرية والشرعية التي يراها ثوابت فكرية لا يمكنه التنازل عنها أو التساهل بها تحت أي ظرف.

ولا يغيب عن بال المتابعين لهذا الحراك أن (المشتغلين بالفن كتابة وتلحينا وأداء وتمثيلا) منهم الصالحون منهم دون ذلك، ومنهم المحبون للخير.. وفيهم من يتمنى توجيه موهبته (أو جزء منها) للعمل الخيري ومن مكاسب هذا التقارب أنه أتاح أمام هذه الفئة من (المشتغلين بالفن) فرصة لمراجعة النفس وتقييم المسيرة واستشعار أثر الموهبة في تعزيز القيم السامية مما سيؤدي - إن شاء الله - إلى تكثيف هذه الفئة لأعمالها الفنية الهادفة (والاحترافية) وقد يكون هذا التعاون (نقطة تحول) في تحديد أولويات العمل الفني لدى هذا الفنان أو ذاك.

ولا شك أن التقارب بين (أهل الفن وأهل الدعوة) سينعكس في مستوى الجودة والمهنية للمواد الإعلامية التي تنتهجها الجهات والشخصيات الإسلامية إنشادا وتمثيلا.. إذ مهما بلغت حرفية (أهل الدعوة) في استيعاب ضوابط وأطر وأدوات مجالات الإنشاد أو التمثيل أو التأليف.. إلا أن (أهل الفن) يتفوقون عليهم بحكم الاحترافية والتفرغ من جهة وباعتبار دعم مؤسسات الإنتاج الفني لهم على مدار العقود السابقة وبحكم المشاركات المكثفة (لأهل الفن) في المسابقات والمناسبات عربيا وخليجيا وعالمياً.

وقد دفع المؤمنون بجدوى هذا التقارب ثمنا قاسيا من سمعتهم.. إذ واجهوا وسيواجهون انتقادات (موضوعية) أحيانا تنتقد التوقيت أو المضمون أو كثافة التعاون.. كما تعرضوا لحملات تشكيك غير مؤدبة وهمجية (وهي الأكثر) يرفض أصحابها التقارب مع كل المخالفين لهم في الفروع الصغيرة ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم!!

كما شوهت للأسف بعض الملاحق الفنية في الصحف سمعة بعض (المنشدين) من خلال إبرازها للمواضيع بشكل مثير ومن خلال عناوين تحريضية لا تعرف أهداف التعاون أو تبرز غاياته بقدر ما هي تحط من قيمة هذا المنشد أو الداعية وتعرضه للجمهور وكأنه تحول من الهداية إلى الانحراف.. الأمر الذي زعزع ثقة بعض شرائح المجتمع بجدوى هذا التعاون وشوش لديهم صورة أهدافه النبيلة.

وفي الختام أدعو المهتمين (أهل الدعوة) الماضين في مسيرة التعاون مع (أهل الفن) إلى التأني في خطواتهم القادمة، وإعطاء النفس والعقل وقتاً للمدارسة والتقييم الموضوعي بغرض قياس أثر هذا التعاون (ميدانياً) على جمهور المتلقين للتأكد من تحقق الغايات التي كان يرومها (أهل الدعوة) والتي أشرنا لبعضها في ثنايا المقالة؟

كما أن عليهم الإجابة عن التساؤلات الكبرى المطروحة إعلامياً واجتماعياً.. والتي من أهمها هل كانت (المنفعة) التي حققها (أهل الدعوة) لإيصال أفكارهم وقيمهم من جراء هذا التعاون توازي حجم (الخسائر) التي لحقت بهم وسط اتباعهم القدامى؟ وعليهم وهم الذين يطلعون على أرقام التوزيع الحقيقية لمنتجاتهم الإعلامية ويتلقون ردود الفعل المباشرة أن يجيبوا على السؤال الصعب الذي يردده (المخالفون لهم).. هل هناك موطئ قادم للعمل الفني الهادف (المتحرر من بعض القيود الشرعية) عند شباب (الآي بود) وفتيات (البلاك بيري)؟

ننتظر من (أهل الدعوة) الإجابة المبنية على الدراسات المسحية الميدانية لتحدد بوصلة خطواتهم القادمة يميناً أم يساراً؟!



mhoshan2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد