Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/12/2009 G Issue 13593
الاربعاء 29 ذو الحجة 1430   العدد  13593
(سيداو) كلمة سيئة السمعة أو سوء فهم لاتفاقية دولية تقر حقوقاً أقرها الشرع للنساء
د. فوزية عبدالله أبو خالد

 

بين 3 - 5 ديسمبر من هذا الشهر انعقد لقاء استشاري لمجموعة من نساء المنطقة (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعدد من الدول الإسلامية - ماليزيا الباكستان وبنجلاديش).. كان اللقاء بترتيب من المنظمة الدولية لمراقبة حقوق المرأة بالتعاون مع منظمة حوض البحر الأبيض المتوسط لبحوث النوع الاجتماعي.

كان موضوع اللقاء وهذا بيت القصيد, المراجعة الاستشارية من قبل نساء البلدان المشاركة في المؤتمر للتجارب العملية التي جرت في بلدانهن لتطبيق اتفاقية حقوق النساء المعروفة باتفاقية (سيداو) الصادرة عن الأمم المتحدة لمقاومة كل أشكال التمييز ضد المرأة نحو تحقيق المساواة بين النساء والرجال والإقرار بحق النساء في التمتع بكافة حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالاضافة لتمكينهن من الحقوق الأسرية وحقوق المواطنة. أما بالنسبة لمشاركة النساء من تلك البلدان التي لم تجر بها أي تجارب عملية يعتد بها لتطبيق الاتفاقية رغم التوقيع عليها فقد اقتصرت مشاركتهن على تقييم التغيرات الإيجابية التي جرت في وضع المرأة بتلك البلدان مما تزامن صدفة أو بقصد مع فترة ما بعد توقيع الاتفاقية, كنوع ربما من الوفاء المعنوي الذي تكون قد وجدت دول تلك البلدان أن لا مناص لها من تقديمه إزاء ما يتطلبه التوقيع من التزام بالحقوق التي نصت عليها.

وقد تطلبت هذه الطبيعة الاستشارية لموضوع المؤتمر على النطاق الإقليمي للمنطقة المشمولة في اللقاء بأن يجري توزيع المهام الاستشارية بحسب التجانس الجغرافي والاجتماعي وسواه اقتصادياً وسياسياً، مثلاً (مجموعة بلدان الخليج, والمملكة العربية السعودية واليمن) (الجزائر, تونس.. موريتانيا والمغرب) (بلاد الشام سوريا, لبنان والأردن) (فلسطين والعراق لتشاركهن في ظرف العمل تحت الاحتلال) (مصر والسودان) وهكذا جرى تقييم تجارب التطبيق لاتفاقية السيداو وتبادل خبرات والتجارب العلمية سواء في الفهم القانوني لها كاتفاقية تشريعية لحقوق النساء، أو في تمثلها على أرض الواقع كأداة لتفعيل الحقوق الأسرية وحقوق المواطنة للمرأة, في مستويين. مستوى خاص بالمجال المعني بالدول المتقاربة جغرافياً وظروفاً ومستوى إقليمي عام.

وقد خلص اللقاء بعد نقاش مركز بين كل مجموعات مع بعضها البعض أو ما يسمى ب(الفوكس قرووب) وبعد النقاش الموسع على مستوى إقليمي عام إلى تحديد عدد من التحديات التي تعمل على إعاقة التطبيق القانوني لإتفاقية حقوق النساء كما تعمل على إعاقة وجود وعي ببنودها فيما يخص وضع حد لكل أشكال التمييز ضد المرأة وتمكينها من حقوقها الأسرية والوطنية رغم المصادقة عليها. وقد أمكن تبويب هذه التحديات في الأبواب التالية:

- تحديات قانونية.

- تحديات اجتماعية واقتصادية.

- تحديات سياسية.

- تحديات تربوية وإعلامية وثقافية (الأخيرة بما فيها العادات والتقاليد). - تحديات مؤسساتية.

ونظراً لضيق المساحة فسأكتفي بالإشارة إلى بعض أهم ما جاء من تحديات في كل باب من الأبواب أعلاه.

في باب التحديات القانونية كان أهمها:

أ- غياب المرجعية التشريعية المكتوبة والمقننة في كثير من دول المنطقة سواء في مجال تقنين أحوال الأسرة أو في مجال تقنين حقوق المواطنة، وخاصة فيما يخص أوضاع النساء. وهذا كان ينطبق بدرجات متفاوتة على عدد من دول الخليج بما فيها السعودية.

ب- غياب القراءات الشرعية المستنيرة والمجددة لفقه المعاملات بمايخص حقوق الأسرة والمواطنة للنساء واستناد معظم القائم منها على أحادية القراءات الفقهية القائمة على استبعاد التعدد المذهبي وعلى استبعاد النساء من المشاركة في تقديم قراءات فقهية مستنيرة مجددة. وهذا ينطبق على معظم دول المنطقة المعنية باستثناءات نسبية ومنها المغرب.

ج- عدم وجود أي مشروع تشريعي يقوم بقراءة بنود السيداو وتحليلها في ضوء أحكام الشريعة لتوضيح نقاط توافقها أو اختلافها مع الحقوق الشرعية للنساء إذا ما كان هناك تعارض بدل مقاطعتها بالاحتكام لفرضيات مسبقة.

د- غياب الوعي القانوني والشرعي لدى الغالبية العظمى من النساء والرجال أيضاً وخاصة فيما يخص حقوق الأسرة والمواطنة.

في باب التحديات السياسية كان أهم ما جاء فيها:

أ- عدم وجود الإرادة والقرار السياسي على مستوى المنطقة إقليمياً الذي يسمح بالترجمة العلمية والتطبيقية لبنود الاتفاقية حتى من قبل الدول التي قامت بإقرار الاتفاقية والتوقيع عليها كوثيقة تمكين للنساء من حقوقهن الإنسانية.

ب- عدم حمل بعض الدول لتوقيعها على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة والاعتراف بحقوقها الإنسانية والوطنية محمل الجد، فيكون التوقيع وكأنه لمجرد المجاملة الدولية أو للتجمل أمام الإعلام الخارجي.

ج- ضعف المشاركة السياسية على مستوى عام بالمنطقة مما يضيق مجالات الرأي والحوار في القضايا الحيوية لعموم المجتمع مثل القضايا الحقوقية ومنها حقوق النساء في رفع ظلم التمييز ضدهن وإقرار المساواة.

في باب التحديات الاجتماعية من أهمها:

أ- غلبة الانتماءات والولاءات الفئوية - طائفية - مذهبية - قبلية - عشائرية على الانتماء والولاء الوطني مما يعطل العمل بمنظومات قانونية ضمن مفهوم المواطنة وفي ظل الانتماء والولاء إلى وطن.

ب- الفهم الملتبس للاتفاقيات الدولية وعدم تمييزها عن مشاريع الهيمنة الغربية. فمثلاً هناك موقف اجتماعي مرتاب من اتفاقية السيداو. بدأ من النفور من المسمى (سيداو) باعتباره مسمى أجنبياً (سيئ السمعة) وانتهاء بسوء الفهم للاتفاقية بالنظر إليها وكأنها وثيقة تؤدي إلى (التخلي) عن الشريعة أو عن منظومة العادات والتقاليد والخصوصية. يغذي هذا الموقف غياب الوعي الاجتماعي بكل من أحكام الشريعة وبالبنود القانونية لاتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة وإقرار حقوقها الأسرية والوطنية (سيداو).

ج- النظرة الاجتماعية للنساء وأحياناً من قبل النساء أنفسهن كملكيات خاصة بالمجتمع وليس كذوات آدمية لها حقوق وعليها واجبات أسرية ووطنية. والخوف المرضي والحماية الزائدة للنساء بالنظر إليهن كقصر وبعدم إقرار أهليتهن ورشدهن مما ينتج خوفاً مرضياً تابعاً من كل ما قد يؤدي إلى تعديل هذه النظرة التميزية السالبة للمرأة.

في باب التحديات التربوية والثقافية والإعلامية كان أهمها:

أ- عدم إدخال ثقافة الحقوق بما فيها حقوق النساء إلى مناهج التعليم العام والجامعي. حيث لا توجد أي مناهج تثقف النشء بهذا الشأن ناهيك عن أن توجد مساحة للتثقيف بالاتفاقيات الدولية المعنية بالحقوق أو معنى وفائدة التوقيع عليها.

ب- غياب نفس التوجه أعلاه عن وسائل الإعلام بوسائله المختلفة وغياب أي برامج حوارية تناقش على الأقل ما لتلك الاتفاقية الدولية الحقوقية وما عليها ونقاط الاتفاق والتعارض معها وأسباب أي منهما. بل إن ما يجري على مستوى إعلامي يكاد يكون العكس حيث يروج معظم الإعلام المرئي خاصة, لصورة هزيلة للمرأة تستخف بعقلها وحقوقها وتستغل جسدها بأشكال رخيصة طاعنة لكرامة النساء.

ج- غياب ثقافة الحقوق بين النساء والرجال معاً, وضعف ثقافة جدوى المطالبة بالحقوق مقابل استشراء ثقافة الاستجداء أو الانسحاب أو العمل في الظلام. غياب ثقافة احترام المرأة كذات مستقلة آهلة ذات كرامة وكيان اعتباري مقابل انتشار ثقافة النظر إلى المرأة كجوهرة يجب فرض الحماية عليها أو كفتنة يجب الاحتماء منها. فينتج عن الحالتين النظر للمرأة كموضوع وليس كذات مما يخرجها من دائرة التكليف أمام منظومة محددة من الحقوق والوجبات مما كفله لها الشرع قبل 14 عشر قرناً وآن أوان تفعيله وتحويله إلى مشاريع عملية قابلة للتطبيق.

تحديات مؤسسية وأهم ما جاء منها:

أ- عدم وجود نظام في بعض دول المنطقة كالمملكة العربية السعودية يقر إنشاء مؤسسات ومنظمات وجمعيات أهلية نقابية ونسائية وحقوقية وتعاونية... إلخ.

ب- عدم وجود تجربة بمبادرة من منظمات نسوية غير حكومية لتقديم (تقرير الظل) كما هو الحال بقطر مقابل (التقرير الرسمي للدولة) عن أوضاع النساء المحلي ومدى ابتعاده أو اقترابه من إقرار وتطبيق البنود الحقوقية الواردة في اتفاقية (سيداو) مما لا يسمح للجنة المتابعة المنبثقة عن الأمم المتحدة بتقييم تلك الأوضاع أو التوجيه بكيفية تصحيحها في الدول الموقعة على الاتفاقية.

أهم المطالب (التوصيات) التي طرحها اللقاء:

1 - وجود ضرورة لأن تعمل دول المنطقة ممن قامت بالتوقيع والتصديق على الاتفاقية لإقرار حقوق النساء (سيداو) على تعريف معنى التمييز ضد المرأة بما جاء في سيداو أو بأي صيغة وطنية تمنع التمييز ضد النساء منعاً تاماً لا بذريعة النوع الاجتماعي ولا سواها مع العمل على تمكينهن من الحقوق الأسرية وحقوق المواطنة.

2 - وجود ضرورة قصوى في المنطقة لإقرار مدونة تقر وتقنن حقوق الأسرة وحقوق النساء في الأسرة ومن أشدها إلحاحاً تحديد حد أدنى لعمر زواج المرأة لا يقل عن ثمانية عشر عاماً في ظل الاستناد لرأي الطب في ذلك. حق المرأة في حضانة الأطفال وفي النفقة ونفقة الأطفال في حالة الطلاق لا سمح الله. حق الجنسية لأطفال المرأة من زواج من غير جنسيتها.وبعد أختم هذه المراجعة بما أقره ذلك اللقاء الاستشاري الإقليمي وبما جرى التأكيد عليه من قبل المشاركات على اختلاف جنسياتهن وهو ما يتمثل في قول أن اتفاقية السيداو هي اجتهاد دولي جرى العمل عليه عبر عشر سنوات في مرحلة الستينات من قبل مجموعة من النساء والرجال المنتمين إلى عدة بلدان من المجتمع الدولي بما فيهم أعضاء كانوا ينتمون للمجتمع الإسلامي, ولذا فإن هذه الاتفاقية كوثيقة حقوقية دولية ما هي إلا أداة من الأدوات التي يمكن توظيفها لإقرار وتفعيل وتطبيق حقوق الأسرة والمواطنة للنساء مع عدم امتناعها أو علوها على النقد شريطة أن يكون ذلك بطرح بدائل متقدمة مساندة لمزيد من حفظ حقوق النساء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد