Al Jazirah NewsPaper Friday  18/12/2009 G Issue 13595
الجمعة 01 محرم 1431   العدد  13595

أوتار
التصالح مع الحياة
د. موسى بن عيسى العويس

 

الصحة والمرض، والغنى والفقر، والأفراح والأتراح كلها من العوارض الطبيعية للحياة، لزاماً على الإنسان، لاسيما المسلم أن يتكيّف معها ويتعايش، إن مسّه ضرها، دون سأم، أو ضجر، أو تشاؤم، فالانقياد للواقع أنّى كان ثمرة من ثمرات الإيمان إذا استقرّ في القلوب، وآمنت به الجوارح، ولعلّ (أبي تمام) قد سبر الأحوال عن قرب، وخبر الحياة عن تأمل، حين قال:

وقد تألف العين الدّجى، وهو قيدها

ويُرجى شفاء السمِّ، والسمُّ قاتلُ

من أجل تحقيق ذلك التصالح في أكمل صوره، وتهيئة الإنسان لما قد يستجد عليه من طوائف الحياة وأرزائها كان ذلك التوجيه النبوي الذي من شأنه إيجاد شيء من التوازن في سلوك الإنسان حين يضطرب، أو يغتم، ولم يجد ما يشده إلى الإيمان بالقضاء والقدر، لذا جاء في الأثر، (اغتنم خمسًا قبل خمس: قبل موتك، وغناك قبل فقرك، وشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك).

لا كما يريدها الإنسان ويتصورها، أو يتمناها، الحياة مزيج من الأقذاء والأكدار، والغبطة والسرور، والألم والأمل:

ومكلّف الأيام ضدّ طباعها

متطلّبٌ في الماءِ جذوة نارِ

وإذا رجوتَ المستحيلَ فإنما

تبني الرجاء على شفيرٍ هارِ

الحياة على سعتها ورحابتها أمامنا ميدان اختبار، منه الجيد، ومنه ما سوى ذلك، والإنسان وهو يتفاعل مع ميدانها وتقلباتها قادر على تقبّل هذه الاختبارات، والإفادة منها بأي صورة. والتصالح مع الحياة جزء لا يتجزأ من التصالح مع الذات، والذي إن توافر في النفس البشرية وداخلها كان سبباً لبناء الثقة، والتفاؤل، والطمأنينة.

الربح والخسارة، والفشل والنجاح كلها مؤثرات، ما لم تتصالح مع ذاتك، وتربيها على ذلك ستعيش أبداً في قلق تام، حتى لو حاول الآخرون وجدّوا في أن ينتزعوا ذلك منك، رأفة بك ورحمة، وشفقة ومواساة.

ثقة الإنسان بنفسه، وتنمية هذه الثقة وتجديدها بشتى الوسائل، وفي كل سانحة، والنظر إليها بعين الرضا مفتاح أكيد للمصالحة، باعتبار ذلك من مفاتيح السعادة المبتغاة، وحينذاك لن يعيش ذلك الفرد في صراع داخلي ومستمر، والذي ربما تنامى لديه، أو تطوّر إلى ما يشبه حالات الانفصام، أو المرض النفسي.

المجتمع بجميع أطيافه قادر على صناعة المصالحة، والأخذ بأيدي بعضهم بعضاً، حين تتعثر بهم سبل الحياة، وتتلاطم أمامه أمواجها، فمتى وجد التواصل، والتآخي، والألفة، والمودة، والتراحم زالت معها الكثير من الحواجز، وتقوّضت أمامها الكثير من الأوهام، وبرئت إثر ذلك العديد من الأسقام.

حظنا قليلٌ مما تحتويه كتب علماء النفس، والاجتماع، والتربية من هذا الموضوع، ولو أنا أمعنا النظر، وتأملنا في بعض وقفاتهم وإشاراتهم حيال هذا الموضوع، ووظفناها كما ينبغي، لاستطعنا أن نعالج كثيرا من مشكلاتنا، وأمراضنا، وما يصيب بعضنا من أوصاب، ربما تستعصي أعراضها وطريقة علاجها على دهاقنة الطب الحديث.

dr_alawees@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد