Al Jazirah NewsPaper Friday  18/12/2009 G Issue 13595
الجمعة 01 محرم 1431   العدد  13595
نوازع
اقتصاد اليوم
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

 

خلال الأسبوعين الماضيين حدثت توابع اهتزازية للأزمة الاقتصادية مثل مشكلة ديون شركة دبي العالمية، والأزمة اليونانية، وارتفاع الذهب مع انخفاض الدولار ثم تراجع الدولار عن الانخفاض وتغيير اتجاهه.

هذه التوابع ربما تكون نذيراً بظهور توابع اهتزازية أخرى في أماكن مختلفة من العالم، ولعلها تكون بداية النهاية للأزمة المالية، وعودة النمو الاقتصادي العالمي إلى نسبه المعتادة، لاسيما الاقتصاد الأمريكي ومنطقة اليورو لأن هذين الاقتصادين يجران معهما اقتصاديات العالم.

ما يتبع هذه الأزمة هو المعالجة المالية للديون والأموال التي ضخت للدفع بالاقتصاد إلى الأمام، مما قد يترتب عليه طبع الخزائن المالية للكثير من الأوراق النقدية دون تغطية كافية من النواتج القومية للدول، وهذا يعني بالضرورة عرض أكبر للنقود لا تقابله كمية كافية من الإنتاج والذي سيؤدي إلى التضخم وهو ما يقلل من القدرة الشرائية للأفراد.

إن مشكلة العالم المرتبط باقتصاديات هذه الدول أنه سوف يستورد الكثير من السلع والخدمات منها، وهذا يعني تضخماً مستورداً سيثقل كاهل الدول المستوردة له حكومات وأفراد، وهكذا سوف تُصدر نتائج الأزمة المالية إلى دول ربما كانت أقل تضرراً من غيرها.

في خضم هذه المعطيات الاقتصادية، والأحاديث العلمية الجافة التي لا تروق للقارئ غير المتخصص وقد تقوده إلى التساؤل عما يعني له هذا الحديث، وماذا سيلامس من حياته العملية وما يحويه جيبه من دريهمات.

إن كان الأمر كذلك فهذا يعني أن شراء السلع خير من النقد، وأن الاستثمار الآني أفضل من المستقبلي، وأن تحريك المال أجدى من الانتظار، لكن ذلك الإنسان الذي جمع شيئاً يسيرا منه يخشى عليه لاعتقاده بمحدودية الفرص، وقلة الطلب، وهكذا يبقى الأمر في حيرة بين الإقدام والتريث، خشية ما في الإقدام من مخاطر، وما في التريث من نقص القيمة الشرائية للمال الذي أبقاه.

هذه المعطيات العملية والهواجس البشرية تتقاطع لتنتج لنا عالماً غير معلوم الاتجاه والمنحى، مشوش التفكير اقتصادياً، مع أن الدول تسعى بما أوتيت من قوة لتحفيز الطلب ليجر معه العرض فتسير السفينة إلى مبتغاها بالسرعة المناسبة.

الاستثمار في الأسهم أحد قنوات الاستثمار، غير أنه استثمر في غالبه يتجه إلى المضاربة والمضاربة قد تسير اتجاه السوق خلاف اتجاه اقتصاديات الدول، ولذا فهي غير مأمونة العواقب، وربما يفقد المرء جزءاً من ماله في وقت كان يمكن معه توظيفه في سلع أو خدمات تتماشى مع الاتجاه الاقتصادي لبلده أو للدول الأخرى التي يرغب الاستثمار فيها.

والعجيب في الأمر أن بعضاً من المضاربين يدفعون بأموالهم في شراء أسهم شركات تسجل خسائر كبيرة على أمل النهوض، وهو ما قد يحدث غير أن عنصر المخاطرة يظل مطلاً برأسه حاضراً بجسده. لكن الإنسان، مع أمله في الحصول على المال بأيسر السبل يندفع إلى مثل تلك الممارسات حتى وإن علَّمته تجاربه السابقة الحذر والتأكد والتعامل مع الواقع.

المتقاعدون في الدول المتقدمة والوارثون للأموال هم الأكثر استثماراً في أسواق المال لأن دورهم الإنتاجي قد انتهى، وما عليهم إلا توظيف ما لديهم من مال ادخروه ليعطى عائداً يتناسب مع التضخم المالي العالمي أو يزيد، فيعيشون ما بقي من حياتهم في المستوى المعيشي ذاته. أما في العالم النامي فإن الشباب مع الأسف يتسابقون إلى صالات الأسواق المالية سعياً وراء ربح ميسر دون عناء وذلك من خلال المضاربة، ولعل هذا القليل أو الكثير من المال قد استدانوه أو اقترضوه من قريب أو صديق، وهكذا يذهب مال القريب والصديق، وأمل المستدين أو المقترض فتتطاير الثروات في الهواء تحت ضغط الأمل لا غيره.

في خضم هذا الحديث تبرز لنا أهمية توظيف الأموال في سلع وخدمات إنتاجية، وفي كوادر بشرية خلاقة يمكنها أن تضيف لاقتصاديات دولها شيئاً إيجابياً جديداً، وتساهم في توفير شيء من السلع والخدمات الجديدة للعالم، فتنهض الأمة من خلال مساهمتها الفاعلة.

إننا ننتظر شباباً مبدعاً يصنع لنا شيئاً جديداً يستفيد منه الشباب أولاً قبل اقتصاد بلاده، والعالم أجمع، كما هو الحال في التقنية الحديثة مثل الجوال بأنواعه ووسائل الاتصال والتواصل، والأجهزة الطبية، ومعدات الكشف عن الثروات، أو غيرها من الأجهزة والمعدات الأخرى.

إن شيئاً من هذا حتى يمكن حدوثه يستوجب القيام المبكر للشباب، والالتزام المطلق، كما أنه يتطلب من الإدارة أن تكون حريصة على التمسك بمعايير الاختيار المبنية على الكفاءة، وأيضاً العدل في الحوافز والتحفيز.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد