Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/12/2009 G Issue 13599
الثلاثاء 05 محرم 1431   العدد  13599
انخفاض قيمة العجز الفعلي عن المتوقع بـ 20 مليار ريال
الاقتصاد الوطني يحقق استقراراً في أرقام ميزانية 2009

 

الجزيرة- د. حسن الشقطي

على الرغم من الأحداث والظروف الطارئة العديدة التي مرت بها المملكة خلال عام 2009 والتي تسببت في زيادة حجم الإنفاق الحكومي العام الفعلي عن حجم الإنفاق المتوقع بقيمة وصلت إلى 75 مليار ريال. وعلى الرغم من أن موازنة العام الحالي الموشك على الانصراف قدرت انتهاء عام 2009 بصافي عجز متوقع في حدود 65 مليار ريال؛ فقد تمكنت الميزانية الفعلية لهذا العام 2009 من تحقيق إنجاز ملموس في تقليص حجم العجز الفعلي عن المتوقع بقيمة وصلت إلى 20 مليار ريال.. البعض يعتقد أن ارتفاع أسعار النفط عن الحدود المتوقعة هو السبب الوحيد وراء هذا الإنجاز في ميزانية 2009 إلا أن حجم الزيادة في الإيرادات الحكومية هذا العام يعتبر أعلى نسبياً من حجم الزيادة الحادثة في أسعار النفط؛ فمتوسط أسعار خام برنت وصل عام 2009 إلى نحو 61.5 دولاراً للبرميل، وهو مستوى أعلى من التوقعات في بداية العام إلا أنه أقل كثيراً عن متوسطه خلال عام 2008 والذي بلغ 97.9 دولاراً للبرميل.

ميزانية عام 2009.. حصاد إيجابي في عام الأزمة الاقتصادية

على الرغم من السياسة المتحفظة التي تبنتها المملكة في تقديراتها لموازنة عام 2009 في مثل هذا الشهر من العام الماضي؛ حيث لم يزد حجم الإيرادات المتوقعة على 410 مليارات ريال، إلا أن الاقتصاد الوطني تمكن من تحقيق إيرادات فعلية وصلت إلى 505 مليارات ريال في ضوء ارتفاع أسعار النفط. وفي اعتقادي أن الإنجاز الكبير هنا ليس للإيرادات النفطية، ولكن للإيرادات غير النفطية، حتى على الرغم من صغر قيمتها؛ فتحقيقها لقيمة 71 مليار ريال في ظل عام الركود الاقتصادي، وفي ظل حركة نشاط لم تكن عالية، يدلل على تحسن أوضاع القطاع غير النفطي بشكل مكنه من إحراز هذه القيمة، وهو ما يعد ثمرة أولية وحصاداً لإنفاق حكومي هائل ومتزايد من عام لآخر لإحراز التنويع الاقتصادي خارج بوتقة القطاع النفطي. أما بالنسبة إلى جانب المصروفات؛ فقد ارتفعت المصروفات الفعلية عن المقدرة بنسبة 16% (ارتفعت من 475 إلى 550 مليار ريال). ويرجع ذلك إلى العديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية، من أبرزها ظروف الطقس السيئ الذي ضرب بعض مناطق المملكة، بشكل استدعى تدخلات بخطط طارئة ذات تكلفة عالية، فضلاً عن الإنفاق الحكومي المتزايد عن المقدر لدعم بضعة القطاعات بعينها تحسباً من حدوث ركود بها.. وإذا أردنا تقييم سياسة المملكة في تقديرات موازنة العام المنصرف ينبغي الإشادة بالسياسة المتحفظة التي مكنت صانع القرار من الخروج بعجز أقل من المتوقع بقيمة 20 مليار ريال، وهو إنجاز حقيقي.

موازنة 2010.. استمرار النهج التوسعي لإزالة كل ترسبات الأزمة العالمية

على الرغم من اعتراف الاقتصاديات الغربية بانتهاء الأزمة العالمية، وعلى الرغم من ظهور ملامح تحسن في أداء النشاط الاقتصادي (الصادرات والواردات) على المستوى العالمي، وبخاصة في ظل ظهور بوادر تحسن الطلب في الدول الأعلى نمواًَ مثل الصين والهند وغيرهما، وعلى الرغم من أن العالم المتقدم بدأ يسير في اتجاه عكسي في تقليص حجم النهج التوسعي، إلا أن المملكة آثرت في موازنة عام 2010 (موازنة العام الجديد) أن تعطي مزيداً من قوة الدفع التوسعية للاقتصاد الوطني في اتجاه إنفاق المزيد من المصروفات العامة التي يمكن أن تحرك وتدفع حركة النشاط الاقتصادي للدولة بوجه عام. وللقطاع الخاص بوجه خاص؛ أي أننا إذا أردنا تقدير مصروفات عامة في حدود 540 مليار ريال على الرغم من أن حجم هذه المصروفات المقدرة في عام 2009 بلغ 475 مليار ريال فقط، ومن المعروف أن أي اقتصاد يستطيع العمل عند مستويات إنفاقه الأخيرة.. بالطبع الإجابة هنا ترتبط باستمرار تبني السياسة التوسعية حتى رغم ظهور ملامح توسع فعلي في النشاط الاقتصادي خلال الربع الأخير من عام 2009 وهذا التوسع المستهدف هنا إنما يهدف إلى خدمة قطاع الأعمال الخاص؛ ذلك القطاع الذي يتحرك ينتعش فعلياً بناءً على حجم المشاريع الحكومية والعامة.

.. ودعم للمواطن

المدقق بالأرقام يلحظ أن حجم الإيرادات المقدرة لعام 2010 يبلغ 470 مليار ريال، وهي قيمة تقترب من حجم النفقات المقدرة لعام 2009 وهذا يعني أنه كان من الممكن للحكومة أن تفترض أن قيمة إيرادات مقدرة عند 470 وقيمة نفقات مقدرة عند 475 ملياراً، وهنا يصبح قيمة العجز 5 مليارات ريال فقط. وكان جميع المراقبين والمواطنين سيسعدون بذلك؟ ولكن تقدير نفقات عند مستوى 540 مليار ريال إنما هو أيضاً من أجل خدمة العديد من المشروعات التي تهم المواطن؛ فكل ريال سينفق على مشروع حكومي عام سيساعد على خلق قيمة مضافة تعادل عدة ريالات، وسيساعد على خلق العديد من فرص التوظف للمواطنين؛ وبالتالي سيساعد على تحسن في مستوى معيشة كل فرد على أرض المملكة.

إنجاز تاريخي.. تراجع حجم الدين العام بنسبة 66% منذ عام 2003

على الغرم من التزايد السنوي في حجم الإنفاق الحكومي، وحتى رغم قبول الحكومة في بعض السنوات العمل على تنفيذ خططها الرسمية بالعجز إلا أن الاقتصاد الوطني تمكن من تحقيق إنجاز تاريخي بتقليص حجم الدين العام من مستوى 660 مليار ريال في عام 2003 إلى مستوى 225 مليار ريال في نهاية عام 2009؛ أي أن مستوى الدين قد تراجع بنسبة وصلت إلى نحو 66% ولنا أن نعلم أن حجم الدين في عام 2003 وصل إلى نسبة 82% من النتاج المحلي الإجمالي، في حين أنه انخفض هذا العام ليصل إلى 13% فقط.

نمو القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 2.5%.. أبرز مظاهر حصاد ميزانية 2009

إذا حدث مثل هذا النمو في إحدى السنوات العادية، فقد نقول إنه أمر عادي أن يشهد القطاع غير النفطي مثل هذا النمو مقارنة بالقطاع النفطي.. وهنا سوف نحلل الأرقام بالأسعار الثابتة؛ لكي نستبعد منها أثر التضخم والتغيرات في الأسعار.. فقد شهد الناتج المحلي الإجمالي نمواً بلغ 0.15% خلال عام 2009م. ويتوقع أن يشهد القطاع البترولي انخفاضاً بنسبة 6.4% وأن يبلغ نمو الناتج المحلي للقطاع غير البترولي بنسبة 3% حيث يُتَوَقَّع أن ينمو القطاع الحكومي بنسبة 4% والقطاع الخاص بنسبة 2.54% ويلاحظ أن نسبة كبيرة من هذا النمو في الناتج المحلي تعزى للإنفاق الاستثماري الحكومي بل أكثر من ذلك؛ فقد حققت كافة الأنشطة الاقتصادية المكونة لناتج القطاع غير البترولي نمواً إيجابياً؛ إذ يُقدر أن يصل النمو الحقيقي في الصناعات التحويلية غير البترولية إلى 2.2% وفي نشاط الاتصالات والنقل والتخزين (6%). وفي نشاط الكهرباء والغاز والماء (3.35%)، وفي نشاط التشييد والبناء (3.9%)، وفي نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق (%2)، وفي نشاط خدمات المال والتأمين والعقارات (1.8%). إن هذه النسب تعتبر مرتفعة بالأسعار الثابتة، كما أن حدوثها في عام مثل عام 2009 المعروف بالركود الاقتصادي الشديد، خاصة خلال النصف الأول، نكون أمام إنجاز حقيقي يحسب للاستثمارات الحكومية المنفذة والمعتمدة في سياق موازنة العام المنتهي 2009م. وعليه، فإن تبني ذات النهج التوسعي خلال عام 2010 يتوقع أن يحرز المزيد من الثمار التوسعية لتحقيق تنويع اقتصادي حقيقي في الاقتصاد الوطني.

محلل اقتصادي



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد