Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/12/2009 G Issue 13599
الثلاثاء 05 محرم 1431   العدد  13599

هذرلوجيا
عرس الإبداع
سليمان الفليح

 

ها أنتذا تتكئ خلف اتقاد النار و(تشعمها) بحطب السمر النفاذ وأنت تجلس في بيت الشعر الذي يجاوب قطرات الوبل في الإيقاع عائداً إلى براريك القديمة وأنت تتفرّس في وجوه كهول أعيتهم الحياة والترحال في صحاصح البيد وهم يجرون خلف نياق أبادها اليباب منذ نصف قرن ولم يبق لديهم سوى اجترار الماضي المر مشوباً بصهيل خيل الأسلاف وحداء الفرسان أثناء الغارات الخاطفة على المضارب السوداء وحينما يصمتون قليلاً ومن خلال ألسنة اللهب التي لا تشبه إلا سراباً ذهبياً في ليل الصحراء تروح تترنم مع هدأة الصمت بقصيدة خالدة في ذاكرة البداة تقول مفرداتها عن نار الكرماء في موروثك الشعبي الجميل:

(باغٍ إذا شبيتها ثم قبّه

تجذب لنا ربعٍ سراةٍ غيابي

بنسريه يا كليب صلفٍ مهبّه

متكفكفين وسومتهم بالعقابي

ليا باطن الهلباج خطوا لجلبّه

يا زين خبط أعصيهم بالركابي

الوالمه يا كليب عجّل بصبّه

والرزق عند اللي ينشّي السحابي

مع كبش مصلاحٍ لك الله نجبّه

اليا أدبر الهيّن عريض العلابي)

آنذاك ينتابك حزن ذريع لانقراض سُراة الليل الهاشلين من فجاج الرياح. ويصفعك حزن مباغت آخر لأنه ليس بمقدور أحد في هذه الأيام أن (يجبّ) كبشاً نظراً للارتفاع الهائل لأسعار الماشية بسبب جشع التجار وغلاء الأعلاف، ثم تعود إلى واقعك الحزين بكل ما فيه من تفاصيل وأنت تحدّق بالتلفاز، إذ تلمح صديقاً قديماً يطل من شاشته الفضية وتتذكّر بنصف يقين أنه (جبريل أبو ديه) الإعلامي المثقف اللامع وهو يتحدث عن المؤتمر الثالث للأدباء حينها تذكّرت أنك تنتمي إلى ذلك الحشد الجميل من مبدعي الوطن والذي يحتشد في مركز الملك فهد الثقافي أو في ردهات فندق الهوليداي أن، لذلك تطوّح (ملقاط) الجمر وتنهض مستعجلاً لحضور ذلك الكرنفال.

بالطبع وأنت تنهب الطريق تستعرض الوجوه والأسماء: فمنهم من زاملته ذات دهر ومنهم من زاملك في الحرف، ومنهم من جمعتك به صداقة متينة العُرى تهرأت بتقادم الأيام، ومنهم من غاب طويلاً عن العين ولم يغب قليلاً عن القلب لذلك كان شوقك يسابقك لذلك اللقاء.

أما وأنت تدخل إلى الصالة المكتظة بالوجوه ها أنتذا تطلق آهة الحنين:

.. آيه ذاك هو الشاعر محمد الألمعي قد جاء من الجنوب، وذاك هو القاص المبدع عبده خال قد جاء من الحجاز، وذاك هو عبد الله الصيخان من الرياض، وذاك هو نايف الجهني من تبوك، وها هو أحمد الملا - الشاعر- يطوّق عنقك من الخلف آتياً من الشرق، وها هو عبد الرحمن الدرعان قادم من الجوف يصحبه زياد السالم والصديق البهي نواف الذويبان، وها هو القاص المبدع جبير المليحان بابتسامته الرضيّة الهادئة، وها هو محمود تراوري الذي لم يزل محتفظاً بشبابه وشباب الشعر قادم من جدة، وها هو محمد الرطيان آت من رفحاء، وها هو الكاتب حمود أبو طالب، وذاك هو الأستاذ عبد الله المناع لم يزل محتفظاً برباط نظارتيه ورباطة جأشه أيضاً، وذاك هو الزميل القديم في جريدة الرياض ناصر الحزيمي الذي أصبح نجماً تلفزيونياً بعد حلقته المميزة عن التجربة (الجهيمانية) في قناة العربية، وذاك هو سعد الهمزاني والهمزاني المبدع الآخر فارس آت من حائل عروس الشمال، وها هم الأدباء الشماليون الآتون من (عرعر) بوابة الشمال كالقاص الرائع سعيد شهاب الذي يحمل روايته الموسومة (صبرا)، وها هو ماجد الصلال بابتسامته الشاسعة، وها هو الشاعر الدكتور صالح السعدون، وذاك هو سعد بن سويف وعوض بن إبراهيم والزميل فهد الدغماني القادم من طريف. وفي الطرف الآخر من الصالة ها هي الشاعرة المتألقة أشجان هندي، وتلك هي لمياء باعشن وعدد من الكاتبات - الزميلات.

إذن يا الله كم هو كرنفال إبداعي بهيج نتمنى له التكرار والاستمرار وجني الثمار. ولم لا ما دام هو برعاية والد الجميع مليكنا المفدى خادم الحرمين - حفظه الله لنا - فهو أول وأكبر الداعمين للثقافة والمثقفين وهو أول من أشرع لهم مساحة من الحرية والتعبير في عهده الميمون.

يبقى إذن أن نشير بكل امتنان إلى رجل كان بمثابة (الدينمو) الذي لا يهدأ في إمداد المؤتمر بالطاقة والحيوية والمحبة والنشاط وتوزيع الابتسامة الأخوية العذبة على كل من حضر المهرجان، بل إنه يجبرنا هنا على القول إنه كان الوجه (الرسمي) المضيء الذي يخدم الثقافة في هذا الوطن بكل تفانٍ وإخلاص. ونعني بذلك الدكتور عبد العزيز السبيِّل.. ودونما أية مسميات.

لذا يبقى القول أخيراً إن هذا المؤتمر كان مهرجاناً رائعاً بكل المقاييس وعرساً للإبداع. وسنتحدث لاحقاً عن التوصيات!!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد