Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/12/2009 G Issue 13603
السبت 09 محرم 1431   العدد  13603
بين الكلمات
شكراً أيها الفساد..
عبد العزيز السماري

 

كل الشواهد تدل على أننا نمر في عصر مختلف، فالحديث عن الشأن الداخلي في السابق لم يصل إلى هذا القدر العالي من الشفافية، فقد أصبحت كلمة (فساد) لا تفارق ألسنة الناس، بل لم يعد هناك حوار بين رأي وآخر حول الهموم العامة، وأضحت الأجوبة مختزلة في جواب جاهز لا يتجاوز أكثر من كلمة (الفساد..!!)..، قد رفع الحديث عن الفساد من درجات الولاء الوطني، وأظهر المواطنون والمسؤلون مدى حرصهم وخوفهم على مستقبل وأمن الوطن..

أصبح الحديث عن الفساد هماً وطنياً، ولم يعد كما في السابق حديث الآخر في الوسائل الإعلامية، فقد فرضت حرية التعبير تأثيرها الإيجابي على المجتمع، وأجبرته على أن يشارك في الحوار العام، وقد نستطيع القول إن آخر فصول مسرحية الإعلام المنظم قد اقتربت من النهاية، فلم يعد مقص الرقيب قادراً على إخفاء الحقيقة، في زمن تحررت فيه الكلمات من معانيها التقليدية، والفساد لم يعد يقتصر على فساد سلوك الرجل أو المرأة الشخصي، ولكن تجاوزه في عقول الناس ليشمل الفساد المالي المنظم، والمحسوبية، وبيع أودية السيول للمواطنين، والإتجار بالعمالة الأجنبية في السوق الوطنية وغيرها..!

لم يصل المجتمع بعد إلى حالة فقدان الأمل في تصحيح المسار العام، فقوة القرارات الحازمة، والتي أحدثت انطباعاً إيجابياً، قد تساعد في تحسين المزاج العام، إلا أن تأثيرها لن يطول ما لم تحدث النقلة الحقيقية، ويتم تفعيل إجراءات المحاسبة ضد المفسدين، فمستقبل الوطن باختصار هو عمق ذلك التفاؤل الذي إذا سادت مشاعره عمَّ الاستقرار في أجواء المجتمع..، والوطن يستحق أن تكون أجواؤه في قمة ذلك التفاؤل..

الفساد مرض اجتماعي يصل في خطورته إلى درجة السرطان في جسد الإنسان، لكنه يتميز بذكائه وخبرته وقدرته على أخذ المبادرة في أحيان، ثم التوقف في مراحل أخرى قبل أن يقوم بحسم خطواته الأخيرة والقاضية على مستقبل الوطن، لذلك يجب أخذ الأمر بجدية متناهية، وبحزم غير مسبوق، فالحرب على الفساد تحتاج إلى الجميع، وإلى سعة أفق وإجراءات من نوع مختلف، وذلك لأن ثقافة الفساد أصبح لها مصطلحات وأنظمة ونفوذ، وأصبح لديها مناعة من ثقافة الوعظ والنصح..

الفساد سلوك اجتماعي، يسعى رموزه إلى انتهاك قواعد السلوك العام، وإلى تشويه المبادئ التي قامت عليها الدولة، هو ما يقوض المصلحة العامة في المجتمع، ويدخلها في مصالح خاصة ضيقة، لهذا يصنف المختصون في قضايا الفساد أنواعه إلى أكبر وأصغر، فالفساد الأكبر ينمو من خلال الحصول على تسهيلات استثنائية تتوزع على شكل معلومات، وتراخيص، وتسهيلات، واحتكار، ومناقصات، واستثناءات، أما الفساد الأصغر فهو قبض الرشوة مقابل خدمة اعتيادية بسيطة، والتي في انتشارها دليل أو علامة على أحد وجوه داء الفساد الأكبر في المجتمع..

من خلال هذه الرؤية تبدو الحرب على الفساد في المجتمع غاية في الصعوبة، فالعلاقات الاجتماعية وتداخلها مع شبكات الفساد تمثل الحصن المنيع ضد أي عملية إصلاح، مما يعني أن المهمة قد تكون مستحيلة في ظل البيروقراطية المكبلة، وهو ما يستوجب إجراءات تصب في رفع درجات الإصرار على التغيير، وذلك من أجل قطع صلات الفساد، ثم مواجهتها من خلال الأنظمة القضائية الحديثة، وأيضاً من خلال منح المجتمع فرصة في أن يعمل مع السلطة ضد الفساد من أجل الوطن العزيز..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد