Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/12/2009 G Issue 13604
الأحد 10 محرم 1431   العدد  13604
الرياض مدينة.. تشبه امرأة حسناء في نوبة مطر!
رمضان جريدي العنزي

 

بيني وبين الرياض حالة سرية وأخرى علنية، هي مدينة تشاغب التاريخ والواقع، وأنا أتمرد على سردياتها ومروياتها، ابتكر لها روح مصنوعة من بريق ودهشة، أجلس أمامها لأتحسس حركة رئتيها وعقلها وجسدها...

...الذي يحتفظ بحرارته رغم كل البرودات التي تهرب إليه من الاتجاهات المعاكسة، أنام ويحلم رأسي العنيد بوجهها المحبوب، أنتشي جانباً لأغرق في لجة ضحكاتها، أنيقة هي هذه المدينة، لحضورها صنعة فرح وانتشاء واشتهاء وأنا أجيد صناعات الفرح والانتشاء والاشتهاء، المسافة بيني وبينها خلجات قلب وأنا الذي بها مقيم ومتيم، مشدود أنا إليها دائماً بخيط هلامي، تطير بي إلى فضاءات بعيدة كفراشة شفيفة تلاعبها نسائم الفجر المخضب بالندى، خارطتها منقوشة بشغاف قلبي، وحين يأخذني التعب تفرش جناحيها لي لأسكن إليها وأشم عبقها الأزلي، مدينه الرياض عندي مثل وردة بيضاء تتراقص بين أناملي أقربها إليّ، أشمها، وأهز رأسي نشوة، أضع الوردة في مدى رؤيتي وألاحق دوائر الضوء التي تغمرها، هذه المدينة أحفظ تاريخها وشوارعها وأحيائها وأصوغ لروحها رقية تحفظها من طلاسم السحر المبين، هذه المدينة هي مهرجاني ومملكتي وقطعة من جسدي وصرختي ولؤلؤتي وحريق دمي، أقدم لها شعري وبياض أوراقي وسردي الأخير، يبدو أنني أعيش قدراً متواصلاً مع هذه المدينة العريقة قدراً لا يمكن السيطرة عليه ينز بكل مفاصلي، هذه المدينة التي تضج بملايين البشر وآلاف السيارات والصعاليك والشطار والشعراء والعيارين والعشاق والمقاولين الكسالى وبائعي الأرصفة ما زالت تحتفظ بجمالها وحسنها وإثارتها وحميميتها، لتمدد عمرانها شهوانية تلاحق جسدها الغض الطري، شوارعها تلتحم مع بعضها البعض، وعماراتها الشاهقة تفتح طلاسمها على بعضها الآخر وكأنها في نوبة إغواء دائم، مدينة الرياض تغادر تاريخها باستمرار نحو الحلم البهي، لها أسطورة، لكن لها مغامرة تكشف عن حالة مميزة استثنائية، حالة للدفاع عن رقتها وعذوبتها، حتى الشعراء فيها لا يملكون إلا عذوبة القصائد المفرطة عندما يكونون على أبوابها حين المساء وحين الغسق، يصابون هم باللوعة وبالحنين وشوق اللغة، مدينة الرياض لا أملك إزائها إلا أن أشهر لها شعريتي ونرجسيتي وضوء شموعي وأوقد لها فتيلة سراجي الصغير، إذ هي علمتني أن أراود أمكنتها وكأنها جسد أو سرير، فأنا لا أحيا بدون جسدها وصوتها الخفيض، لمدينه الرياض زوايا مشعة بالرغبة والبياض ورائحة النعناع، ولها سحر يصنع المعجزة لوحده، فهي مدينة أجيئها بكل جنوني وجنوحي وكلامي من دون أن أضل، لأنها مدينة مفتوحة على جهة قلبي كما هي مفتوحة على كل الجهات الأربعة، الرياض مدينة تشبه صناعة الجمر، وصناعة الضوء، وصناعة الدهشة، وصناعة الكلام الجميل، الرياض لا تشبه إلا نفسها ولا تشبهها المدن الأخرى، الرياض لها سرية حب وسرية توغل وسرية سحر وسرية سرد، إذ تبدو هذه السريات كلها هي قناعها الأثير، قناعها السحري الطقوسي الذي نهرب معه كلما أصابتنا نوبة عشق ونوبة حنين ونوبة برد ونوبة غربة، عندها تكتنف هذه المدينة بين يدينا وكأنها غيمة حبلى بالمطر، لقد حول بعض المقاولون الكسالى شوارعها إلى ضيق وضجيج ونكد حتى أوصدوها بالحفريات والغبار والكونكريت والتكسير المستمر وحتى جعلوها مثل طفلة حسناء تبكي ارتباكها، أحكموا أقفالها، أغرقوا شوارعها، ونزعوا شوارعها، وذبحوا روحها ووريدها، وقطعوا أسلاكها وجسورها، ونهشوا جسدها المعطر بأنياب حادة، لكن الرياض رغم هذا حتماً ستعود في يوم عندما تهدأ الريح لتواصل دهشتها ونواصل تلمس جسدها ورائحتها وصوتها حين تصحو بين يدينا وكأنها امرأة لؤلؤية زمردية حسناء في نوبة مطر رذاذ.

** إشارة مهمة جداً: يا معالي سمو أمين منطقة الرياض، عطفاً على ما قلت وسردت أعلاه، ولأني أحب الرياض كثيراً وأعشقها كما تحبها أنت وتعشقها، ولأنك صاحب قلب أبيض ونرجسية وبهاء، ولأن مهنتك إشعال الشموع وتبديد ظلام الرياض وتزيينها، ولأنك لا تنام ولا تستريح ولا يغفو لك جفن، ولأنك ترتحل بين مجرات هذه المدينة الكبيرة، ولأنك تحب قطرات الندى، وضوء الشمس، والغيمة المتهادية، وأسراب الطيور الجميلة، ولأنك تحب التقاء الألوان والأشكال في ساحة مفتوحة، وفضاء واسع، ولأنك تحب أن يكبر مرسم الرياض ليأخذ شكل الطموح والجموح والنماء، ولأن لك تقطيبة جد وصرامة عندما يتناهى إلى سمعك قضية وضوضاء، لذا سأهمسك في أذنك اليمنى لأخبرك عن بحيرة كبيرة وهائلة وخطيرة ولها مدارج سيول وأخاديد، خطرها داهم وعظيم إذا ما فاضت لا سمح الله لظروف مناخية أو تضاريسية أو بنيوية وهي تشبه بالضبط بحيرة (المسك) في (جدة) وهي قريبة جداً من الأحياء الشرقية للرياض ومحاذية لها، هذه الأحياء تكتظ بمئات الآلاف من السكان والوحدات السكانية والمنشآت العامة والخاصة، آمل من سموكم الكريم كما عهدناك وخبرناك أن تزيح عنا رعب هذه البحيرة (الغول) ووحشتها وأن تبشرنا بإزالتها عاجلاً، لأهديك بعدها على قدر ما أملك أصيص زهور مخلوط من أقحوان وياسمين ونرجس وفل وكادي، ولكي أدعو لك بعدها في الهزيع الأخير من الليل بأن يحفظك الله ويرعاك ويسدد نحو الخير خطاك.



ramadanalanezi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد