Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/12/2009 G Issue 13604
الأحد 10 محرم 1431   العدد  13604
وقفات مع كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد»
تركي بن مطلق القدَّاح

 

لا شك في أن كتاب عنوان المجد..، لابن بشر من أهم مصادر التاريخ النجدي إن لم يكن أهمها على الإطلاق، خاصة فيما يتعلق بتاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية، ومما يزيد في ذلك استفادته من تواريخ أخرى وتدوينه حقبة زمنية مهمة عاصرها المؤلف، وقد قسم المؤلف تاريخه إلى ثلاثة أجزاء:

الأول: يبدأ من عام 850هـ، حتى عام 1237هـ.

الثاني: يبدأ من عام 1238هـ، حتى عام 1267هـ، وقد أشار ابن بشر إلى أن هناك جزءاً ثالثاً سيفصل فيه بعض الأحداث، وقد أشرت في مقال سابق إلى أنه يبدأ من عام 1268هـ، ويرجح أنه يستمر إلى قبيل وفاته عام 1290هـ( 1)، وقد نقل عن هذه النسخة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ( ت1423هـ)، حيث قال عنها: «قال ابن بشر في نسخة مخطوطة من عنوان المجد خاصة عندي لم أجد مثلها في الطبعة الأولى، ولا الثانية» (2). ثم قال:» انتهى من «عنوان المجد»، حرفاً بحرف، وقد ذكر المؤرخ ابن بشر هذه الترجمة في قضاة الإمام سعود في نسخة اطلعت عليها ولا يوجد هذا في نسخ الكتاب المطبوعة» (3 ). قلت: وهذا النص غير موجود في جميع النسخ المطبوعة، ولا المخطوطة - حسب علمي - ولعل هذا يفيد بوجود نسخة كاملة من عنوان المجد لدى الشيخ البسام، كما رجحنا ذلك في المقال المذكور.

وقد طبع هذا الكتاب طبعات عدة، واستفاد منه الباحثون والدارسون، ولا ضير في ذلك؛ فهو عمدة في بابه وفنه، وإنني هنا بصدد التنبيه إلى بعض الوقفات التي وردت في هذا التاريخ التي لا تقلل من أهميته، لكن ربما بينت بعض الموضوعات التي طرقها ابن بشر في تاريخه، أو أوضحت أنه أغفل أخرى؛ فلا يوجد كتاب إلا وبه خطأ غير كتاب الله - عز وجل - ، ولعل في هذه التنبيهات والوقفات اليسيرة ما يجعل من يتصدى لتحقيق هذا الكتاب يتنبّه لها في المستقبل، ومن هذه الوقفات ما يلي:

أولاً: التعليق على بعض تاريخ الحوادث التي أوردها؛ إذ قد تكون غير دقيقة:

أ - ذكر المؤرخ ابن بشر في وقعة بين طوسون باشا والقوات السعودية سنة 1228هـ: أنها حدثت من العام المذكور (4).

بينما ذكرت وثيقة مصرية مؤرخة في 17 - 2 - 1229هـ مبعوثة من طوسون إلى محمد علي باشا بشأن عملياته ضد قبيلتي بني سعد وناصرة، أنهم وجهوا سيرهم إلى تربة، في العام 1229هـ (5).

والوثيقة أدق لأنها موثقة بالتاريخ الذي تحمله؛ ولأنها مرسلة في حين الحدث، ومن أحد شخوصه المؤثرين فيه. ومع ذلك فإن مجال الشك في رواية ابن بشر ضيق؛ لأن لا فرق بعيد بين نهاية عام 1228هـ، كما ذكر ابن بشر، وبداية عام 1229هـ، كما ذكرت وثيقة طوسون (6).

ب - كذلك ذكر ابن بشر أن خروج الإمام فيصل بن تركي من أسره في مصر في المرة الأولى كان عام 1243هـ(7).

بينما تذكر وثيقة مصرية أنه خرج في أول جمادى الآخرة عام 1241هـ(8).

ثانياً: التعليق على بعض الأحداث التاريخية:

أ - مسألة خروج غصّاب العتيبي من الدرعية عام 1233هـ:

يذكر ابن بشر في أحداث حصار الدرعية من قبل قوات إبراهيم باشا عام 1233هـ خروج غصاب العتيبي من الدرعية، حيث دام الحصار لها أكثر من ستة شهور، فيذكر ابن بشر أنه في آخر حصار الدرعية ما نصه: «فلما كان في آخر الحصار خرج من الدرعية غصاب العتيبي وكان خروجه منها وقت الهجيرة، وقصد الباشا، وهو ممن يظن به الصدق مع آل سعود والصبر معهم، وكان رئيس الخيالة في الدرعية، فلما خرج منها، قوى عزم الباشا على الحرب وقرب القبوس من البلد، وأصاب أهل الدرعية كآبة ووهن من خروجه ..» (9).

وقد تابع ابن بشر الدكتور عبد الله العثيمين عند ذكره حصار الدرعية فقال: «بل إن منهم من خرج منها وقصد إبراهيم باشا وكان من هؤلاء أحد القادة المشهورين، غصَّاب العتيبي ومهما كان السبب وراء اتخاذه ذلك الموقف فإن ما قام به كان ضربة قاسية للمدافعين السعوديين وتقوية لعزيمة إبراهيم وكان من نتائجه تقريبه مدفعيته من أسوار البلدة وتركيز نيرانها عليها» (10).

قلت: بينما تذكر وثيقة عثمانية، وهي مرسلة من محمد بن عريعر إلى داود باشا والي بغداد مؤرخ ما معها من وثائق في عام 1233هـ، حيث جاء فيها أن خروج غصّاب بن شرعان من الدرعية كان بأمر الإمام عبد الله بن سعود نفسه: «.... ويذكر أن غصاب بن شرعان مطرشه عبد الله يم إبراهيم ومطرشه يطلب العف ...» (11).

وهذه الوثيقة تدل دلالة قاطعة على أن غصاب قد خرج بأمر الإمام رسولاً إلى إبراهيم باشا طالباً الصلح . ولا نعلم - حتى الآن - ما حدث بعدها من أحداث بينه وبين إبراهيم باشا؟ ولعل في الأيام المقبلة ما يجلي لنا ذلك .

ب - مسألة خروج الإمام فيصل بن تركي آل سعود عام 1259هـ:

ذكر ابن بشر أن الإمام فيصل بن تركي هرب من معتقله في مصر ورجع إلى نجد، وكان ذلك عام 1259هـ، وقد جاءت الوثائق العثمانية لتوضح عدم دقة ما ذكره ابن بشر(12) الذي أغفل دور الدولة العثمانية .

جـ - حملة الشريف محمد بن عون على القصيم في عهد الإمام فيصل بن تركي عام 1263هـ - 1847م:

فقد ذكر ابن بشر أن سبب هذه الحملة إيعاز رجال من أهل عنيزة والقصيم للشريف المذكور، بينما تذكر الوثائق العثمانية وبعض المصادر الحجازية أن سبب خروجه هو تحصيل الزكاة، لذا فلا يعد ما ذكره ابن بشر عن هذه الحملة دقيقاً (13).

الخلاصة:

يخلص هذا البحث المختصر إلى أن هناك بعض الأخبار والأحداث الواردة في تاريخ ابن بشر تحتاج إلى تعليق وإيضاح مع ما استجد من معلومات في العهد الأخير، خاصة الوثائق المعاصرة للأحداث، فإن هذه الوثائق تساعد على تجلية بعض الأحداث الواقعة آنذاك.

كذلك ضرورة إعادة تحقيق عنوان المجد..، لابن بشر، إذ إن أفضل طبعة للكتاب هي طبعة وزارة المعارف التي حققها الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (14)، أما في السنوات الأخيرة فقد تعددت النسخ من هذا الكتاب، وأصبح بالإمكان إخراج طبعة محققة؛ فالمكتبة السعودية والعربية بحاجة ماسة إلى إعادة تحقيقه وضبطه؛ لأن الملاحظ من كثرة النسخ المطبوعة واختلافها اختلاف بعض الأخبار وتفاوتها بين نسخة وأخرى.

ولعل الأيام والأوقات تسمح لنا بالتوسع في هذا المقال، فنتناول كتاب ابن بشر بتوسع أكثر.

الهوامش:

(1) مقال بعنوان: هل من تكملة لتاريخ ابن بشر، جريدة الجزيرة، العدد 212745، وتاريخ 8 - 8 - 1428هـ.

(2) يرجح في نظري أن النسخة الأخيرة من تاريخ ابن بشر ضمنها نصوصاً لا توجد في غيرها من النسخ، والملاحظ أن نسخة البسام هذه لم يطلع عليها أحد غيره. انظر عبد الله البسام، علماء نجد خلال ثمانية قرون، ط2 (الرياض: دار العاصمة، 1419هـ)، ج4، ص230.

(3) المصدر السابق، ج4، ص232.

(4) ابن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد؛ تقديم عبد الله المنيف، (الرياض: مكتبة الملك عبد العزيز العامة 1423هـ - 2002م)، ص 211 - 212.

(5) كما أن الوثيقة مؤرخة في 23 - 2 - 1229هـ تشير أيضاً إلى سير القوات نحو تربة كان يوم الاثنين بتاريخ هذه الوثيقة كما أن حاشيتها تفيد ببدء السير متجهين إلى تربة، ولكن كانت حركتهم ما يكفي لخمسة أيام فقط من البقسماط والعليق، وأنه يطلب إيصال ما يكفي من البقسماط. انظر دار الوثائق المصرية - القاهرة - ترجمة مكاتبة واردة من طوسون باشا محفوظة في المحفظة رقم نمرة 3، وعدد 1 - 74، نمرة مسلسلة 116 (صورة مكتبة الملك فهد الوطنية)؛ وعبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، من وثائق شبه الجزيرة العربية في عصر محمد علي، (الدوحة: دار المتنبي للنشر والتوزيع، 1402هـ - 1982م)، مج2، ص422 - 423.

(6) عبد الرحيم، من وثائق شبه الجزيرة، مج2، ص420 - 421.

(7) ابن بشر، عنوان المجد، ص323.

(8) خليفة المسعود، موقف القوى المناوئة من الدولة السعودية الثانية (الرياض: دارة الملك عبد العزيز، 1426هـ - 2005م)، ص453.

(9) ابن بشر، عنوان المجد، ص255.

(10) العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ط12 (الرياض: مكتبة العبيكان، 1424هـ - 20م) - ج1، ص220.

(11) الأرشيف العثماني تصنيف D - 19529 - 341 HAT.

(12) خليفة المسعود، موقف القوى المناوئة من الدولة السعودية الثانية، ص347.

(13) محمد بن عبد الله النويصر، حملة الشريف محمد بن عون على القصيم في عهد الإمام فيصل بن تركي 1263هـ - 1847م، مجلة الدراسات العليا، جامعة القاهرة، 2001م.

(14) وقد أعادت تصويرها وطباعتها دارة الملك عبد العزيز.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد