Al Jazirah NewsPaper Sunday  10/01/2010 G Issue 13618
الأحد 24 محرم 1431   العدد  13618
 
القيادة وقاعدة الحب الصلبة
د. لواء ركن بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود

 

العلاقة الوثيقة التي تربط الشعب بالقيادة تجلت بوضوح لحظة وصول صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز أرض الوطن بعد رحلة علاجية تكللت بالنجاح بحمد الله وفضله، ذلك أن مظاهر الفرح التي جسدها الواقع لم تكن مصطنعة بقدر ما كانت عفوية صادقة تجسد طبيعة مجتمع جُبل على المحبة والتكاتف والتعاضد وتراتبية الاحترام وفقاً لما أملاه ديننا الحنيف وتقاليدنا المتميزة خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية القائمة على الشهامة والكرم والتعاون فيما يحلو لنا تسميته ب(الفزعة)، خاصة أن راحة الشعب تأتي ضمن أولويات القيادة، ويأتي أمن المواطن والمقيم على رأس الاهتمامات.

ونذكر ويذكر غيرنا أن الحياة كانت تسير بطبيعتها إبان أزمات مختلفة وأحداث مستعرة، ففي غمرة تساقط الصواريخ على العاصمة السعودية وأجزاء متفرقة من المنطقة الشرقية إبان أزمة الخليج الثالثة المسبوقة بأزمتين عاصفتين، كانت الحياة تسير بطبيعتها وبالإيقاع والأسلوب والطريقة نفسها، كذلك الحال إبان الحروب المتعاقبة في منطقة تموج بالسخونة. والحال نفسها تكررت أثناء وبعد الحملات التي شنتها الأجهزة الأمنية على الإرهاب والإرهابيين في أعقاب محاولات بائسة وفاشلة لاختراق قدرة تلك الأجهزة المستيقظة لهكذا وضع حتى باءت كل المحاولات بخيبة أمل كبيرة متوقعة، ليظل الأمن حاضراً في كل الحالات، شامخاً شموخ الوطن.

كل هذه الأحداث على ضخامتها مرت دون أن تؤثر على حياة الناس رغم أن جزءاً منها فقط كان كفيلاً لاختلاق برامج ومشروعات تحسب في قائمة الأعمال الوقائية التي قد لا تكون الحاجة ملحة إليها، إضافة لما قد تسببه من مضايقة للمواطن والمقيم والزائر على حد سواء، لكن هؤلاء جميعاً لم يلحظوا شيئاً مما قد يحدث في كثير من دول العالم في حالات أقل خطراً. ذلك أن المنظومة الأمنية السعودية بنيت على أسس راسخة ومتينة قوامها الثقة المطلقة بالمواطن من جهة وبالأنظمة والقائمين على تنفيذ خطط إستراتيجية مستنبطة من الشريعة الإسلامية السمحة من جهة أخرى، ومن أهم ركائزها الأساسية بالطبع العمل بحكمة الواثق المقتدر والمخطط النابه والحريص على مصالح الآخرين الساعي لإشراكهم حقاً في برامج الحماية.

لعل المتابع للحراك الاجتماعي في المملكة العربية السعودية قد أدرك حجم اهتمام ولاة الأمر بالجوانب الإنسانية بشكل لفت الأنظار وكشف عن عاطفة فياضة لا مثيل لها فيما يؤكد الشعور بعظم المسؤولية بما لا يدع مجالاً للشك، خاصة أن رموز الوطن هم من يفعل ذلك على الملأ وفي كل مناسبة تستدعي مشاركة وجدانية مكتنزة بتواضع جمّ، ولا أدل على ذلك من دموع خادم الحرمين الشريفين عندما ذرفت في حضرة مشاهد مختلفة شكلت ألماً إنسانياً لقائد فذّ وإنسان يمتلك حساً مرهفاً تجلى مراراً وتكراراً في مواقف عديدة، فجاء على هيئة قرارات حاسمة تكفل ارتقاء شأن الحق من باب أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، الأمر الذي أكد القدرة على انتهاج الحزم في مواضع الحزم والعمل باللين في مواضع اللين. ولأن ولي العهد كان وما زال من أشدّ الحريصين على بناء قاعدة حبّ صلبة قوامها التآخي وآلياتها المؤازرة بالفعل والقول وفقاً لنهج دين قويم حثنا على البشاشة والتعاطف وانتقاء العبارات انطلاقاً من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم «الكلمة الطيبة صدقة»، لم تكن زيارة سموه الكريم للمصابين من أبناء قواتنا المسلحة وليدة اللحظة بقدر ما كانت أولوية من أولويات سلطان لكل من يعرف سلطان الخير صاحب اليد البيضاء واللسان النظيف والوجه البشوش وكل أنواع الأفعال ذات القيمة، فقد بدأ برنامجه العملي حال وصوله بزيارة أبنائه وتقبيل رؤوس جنده في بادرة قلما نشاهدها، حيث كان -حفظه الله- تواقاً لهذا الفعل مشتاقاً لتبادل الأحاديث مع أبطال القوات المسلحة كما يفعل دائماً قبل أن يحول المرض بينه وبين رغبته في الالتقاء المستمر بالمواطنين، بل وشد الرحال إلى المناطق كافة لتلمس الحاجات، خاصة وقد سنَّ سنناً يؤجر عليها في هذا الصدد تحديداً ومن بينها زيارات الأعياد على سبيل المثال لا الحصر.

لعل المتابع للأحاديث الدائرة إبان تلك الزيارة بين سموه من جهة وجنودنا البواسل من جهة أخرى قد شعر بصدق المقصد وعفوية البوح وحجم التواضع والحب المتبادل من خلال لمسات حانية تجسد الوفاء وتؤكد نظافة سريرة القيادة ووفاء أبناء الشعب في ظاهرة قلما تشاهد بعيداً عن مظاهر الحياة الرسمية الجافة في أرجاء العالم كافة.

فعندما حطت طائرة سموه كان خادم الحرمين الشريفين في مقدمة مستقبلي ولي عهده الأمين سلطان الخير في إطار نهج لحالة التقدير والاحترام المعروفة في مجتمع يؤمن بهكذا فعل، وقد كان اللقاء حميماً مؤثراً جسد الدرجات العلا من تراتبية الاحترام بكل ما صاحبه من حوار راقٍ ينم عن إيمان صادق لكلا القائدين الكبيرين القدوة الحقيقية لجيل من أبناء المجتمع دون شك. فهكذا نشأنا وننشأ نحن أبناء المملكة العربية السعودية محاطين بمن آثروا على أنفسهم فعلمونا كيف تستقيم الحياة بالحب والاحترام المتبادل، كيف نعمم الوفاء ونهتم بالجوانب الإنسانية في شتى مجالات الحياة، كيف نقف شامخين نبني ومن بعد البناء نبني لتظل أشجار الوطن وارفة معطاءة قائمة على مثل هذا النهج المستقيم المفعم بالحب والصدق والتكاتف. ولهذا استطاعت المملكة أن تحظى باحترام الكل تقديراً لسياسة راقية حكيمة تعتمد عدم التدخل في شؤون الغير الداخلية وتهتم بشؤون الإنسان أينما كان، إضافة إلى رعاية هذا الوطن للمقدسات وزوارها من الحجاج والمعتمرين بما أدى لمزيد من الامتنان والتقدير على مستوى العالم الإسلامي.

- مدير إدارة الثقافة والتعليم للقوات المسلحة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد