Al Jazirah NewsPaper Sunday  10/01/2010 G Issue 13618
الأحد 24 محرم 1431   العدد  13618
 
(عين على الشيخ عبدالرحمن بن هديان)
عبدالله بن سالم الحميد

 

وقفة رثاء ووفاء

- في أنسجة الذاكرة وأعماق الوجدان تسكن وجوه وشخصيات وأطياف لها في النفس حضور، وفي الحياة مودة، وفي المجالس قبول، وفي القلب إشراق، وفي الحديث شفافية، تأنس بوجودهم، ويحزن القلب لغيابهم ولو أياماً أو شهوراً فكيف إذا فرق الموت بيننا وبينهم، وتلك سنة الحياة، ولكن الحياة تبتهج بتجليات البراءة وإشراقات الإيمان يضيء الوجوه، ونكهة الأخلاق التي تجعل للتعامل النبيل طعماً ولوناً وألقاً يتبخر في أنفاس الحياة، ويتردد على ألسنة الناس وأروقة المجالس، وأرجاء المساجد، ويكاد أن يتجول ويتلفت ويتحدث في آفاق الطرقات تتلقفه الهواجس والأطياف حتى بعد الرحيل، ذلك هو الألق الذي يبقى نسيجاً في خلايا الذاكرة وأعماق أعماق الوجدان متفصداً من الأقوال والأعمال والتعامل الممتزجة بالنقاء.

* عرفت الوالد الشيخ عبدالرحمن الهديان من معرفة ابنه الصديق عبدالله، ثم عرفته أكثر حين آنست بحديثه، وارتياد مجلسه العامر الغامر بالألفة والجود فوجدت وشيجة أعمق وأوثق تربطه بوالدي وعرفته منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان حين كانوا أعضاء في خلية واحدة في نسيج خدمة هذا الوطن العزيز تابعين لإدارة المجاهدين في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي الهجري في خدمة الملك عبدالعزيز والملك سعود والملك فيصل - رحمهم الله جميعاً - إلا أن الشيخ عبدالرحمن بن هديان تنقل إلى إمارات ومحافظات أخرى مع والده الشيخ محمد بن هديان حين كان أميراً لمرات ثم للعلا ثم تولى إمارة بيشة في عهد الملك عبدالعزيز، وكان له في تنقلاته ذكريات وطرائف يحدثنا عنها في لقاءات ودية تجمعنا به - رحمه الله - كان معظم حديثه عن والده محمد بن هديان الذي عرف بكرمه وحفاوته بالناس في بيته وحين كان أميراً لمركز مرات ثم العلا التابعة لإمارة المدينة المنورة حين كان أميرها الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم - رحمه الله - ثم أميراً لمحافظة بيشة، وقد أشار إلى ذلك الدكتور محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف في مؤلفه (المختار من الرحلات الحجازية).

كما أكد ذلك المؤرخ العلامة الشيخ حمد الجاسر في أثناء زيارتي له في منزله عام 1418هـ بعد إعداد حلقة عنه من برنامج (رجال في الذاكرة) وبرفقتي الصديق عبدالله بن عبدالرحمن الهديان حين التفت إليه وسألني من هذا؟ قلت هذا الأستاذ عبدالله الهديان، جده محمد بن هديان أمير بيشة سابقاً، فقال الشيخ حمد الجاسر ونعم، محمد بن هديان، أمير بيشة رجل كريم، من رجال الملك عبدالعزيز، معروف بالحفاوة وبحسن الاستقبال، وتحدث عنه حديثاً أذهل حفيده (عبدالله) الذي لم يكن يدرك حينها أبعاد التوثيق التاريخي وأصداء السمعة الطيبة في ذاكرة المؤرخين والعارفين إلى تلك الدرجة من الحظوة التي بسطها الشيخ حمد الجاسر في حديثه البليغ حيث لم يدرك حفيده عبدالله تاريخ ولاية جده (محمد بن هديان) لإمارة بيشة التي بدأت أوائل التسينيات وانتهت أوائل السبعينيات من القرن الماضي من (1365 حتى 1374هـ) تقريباً، وإنما عرف ذلك من إخوانه الكبار سعد وعبدالمحسن وأعمامه عبدالعزيز وسليمان وسلطان ورفقة والده - رحمه الله -.

- ولعل من أهم مبررات الوفاء لهؤلاء النماذج من الأوفياء الذين عاشوا بيننا في هذه الحياة الدنيا أن نذكر محاسنهم عند مغادرة الحياة، ونعبر عن أشتات من الصور التي رسموها في لوحات حياتهم معبرة عن حضورهم الأثير في نسيج المجتمع الذي عاشوا فيه عبر عمرهم الذي تضيئه معاناتهم ومواقفهم وإسهاماتهم المسكونة بالشفافية والنبل والإخلاص والتعامل الأخلاقي مع الناس الذي تبقى آثارة في ذاكرة الأجيال، وتتردد على ألسنة الناس في المجالس، وتنغرس في أعماق الوجدان، ولا أدل على ذلك من الحضور الأثير وقت العزاء والصلاة وحين الوداع وبعده، وشائج نشهدها كل يوم في مجتمعنا تؤكد معاني الألفة والمحبة والترابط بين أعضاء المجتمع مهما تشتت بهم مسارب الحياة، وفرقتهم المعاناة والسبل وارتحالات السفر، تستقطبهم قوافل الغياب إلى بيادر الحضور لتمتزج العبرة بالعبرة في مشهد من مشاهد الخشوع المعبر عن سنة الحياة الدنيا في الشروق والغروب، البداية والنهاية، الاستقبال والوداع لهذا الإنسان الذي خلق في كبد منذ النشأة إلى آخر مراحل الرحيل، وبرغم ذلك يحيا متعلقاً بالأمل حتى وهو يتأمل في مواكب الراحلين، ويتلفت في وجوه المودعين على مرافئ الرحيل، وعند عتبات الفراق مردداً مع عباد الله المؤمنين الصابرين (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

إعتذار

نعيد نشر هذا المقال الذي سبق نشره غير كامل مما أخل به بسبب خطأ فني

www.alhomiad.com



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد