ينوء كاهل الوطن العربي بمشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وكأن شبح الاستعمار الأجنبي يطل برأسه مجدداً جراء بؤر التوترات الإقليمية والدولية التي تشتعل بأجزاء من الأراضي العربية من المحيط للخليج العربي.. وذلك بتوالي هذه المؤامرات والدسائس المُحاكة حياكة سياسية جغرافية أُريد بها تقويض صرح الوطن العربي، لفتح طريق شرق أوسطي جديد،وتشكيله بمفاهيم سياسية عسكرية تخدم مصالح وأطماعاً توسعية لأجل الهيمنة على خيراته وثرواته النفطية،واستباحة أراضيه عامة.. ذلك هو الاستعمار بعينه وعالمه المتغطرس،والذي هو ديدن الدول العظمى في رزاياه وحروبه منذ قيام (دويلة) إسرائيل التي ألحقت الدمار والشتات بالأمة العربية منذ حرب 1948م إلى أن أتى شهر - مارس عام 2003م حين أُطيح بالبوابة العربية الشمالية للعرب العراق الشقيق، ليترك مثخن الجراح،بعد أن تولت أمره -إيران- لتكمل البقية الباقية على العراق، فهي فرصة ثائرية ثمينة لطالما انتظرتها كثيراً.. ثم تمضي حلقة الاستثارة والاستدارة للبوابة العربية الشرقية اليمن الشقيق،ليكون (عراق) أو (صومال) آخر.. واللافت للنظر هو ما يجري الآن على أرض اليمن وهو بمثابة السيناريو العراقي،وفق منتج ومخرج جديدين إيراني وحوثي،فمُعد السيناريو بعيد كلية عن أعين الرقباء والفضوليين من العرب،فإيران الفارسية مهما طبَّلت وزمَّرت،فكأنها بأقوالها وأفعالها المشينة في محاكاة مع الغرب وفي مماحكة مع العرب،فلا تكترثوا لزخرف القول: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل وغيرها من هذه الهتافات الجوفاء التي تُعبئ الشعوب الغوغائية الجاهلة.. فالمضمون والهدف واضح، وهذا لا يخفى على المواطن العربي، وليس خافياً على الساسة العرب الذين يغلون كالمرجل ويحاولون الدفاع عن أوطانهم وشعوبهم ذلك الدفاع المستديم.. ولكن السياسة مصالح.. وإيران تريد الدخول للنادي النووي،فستضحي بالغالي والنفيس في سبيل ذلك، وكل شيء بثمن.
الدول العظمى أرادت نشر الفوضى بالشرق الأوسط، باستثناء ربيبتها -إسرائيل- حامية حماها،وهذا ما حصل حين وجدت من قام بهذه المهمة الفوضوية مستغلة انهيار الصومال والحرب الإثيوبية الإريترية،لتأتي رغبة إيران الفارسية المتماهية مع الرغبة الدولية كمصلحة مشتركة لا تخفى على الداني والقاصي.. وهي خطط إستراتيجية صهيونية توسعية تحكمية تطبخ على نار هادئة طويلة المدى ليكون التحكم بالعالم قاطبة بمآثره وأسره كلية،حين اختلف توازن القوى العالمية، فقد أفل الاتحاد السوفييتي، تبعه العملاق الصيني،عندئذ تسلمت مقاليد الزعامة الكبرى أمريكا التي استوحدت واستفردت بالعالم، حين تغض الطرف عن كل ما يروق لها في خدمة مصالحها المستقبلية، بل خدمة إسرائيل.
وهذا هو ما شجع الدولة الفارسية، على التمادي للتمدد بإثارة الفتن لنشر مذهبها الشيعي الاثني عشري في الوطن العربي،فقد أصبح العراق، التجربة الأولى لها ومركز ثقلها وانطلاقتها في التمركز في لبنان وفلسطين والصومال.. وأخيراً فلا بأس من الوصول للنقطة المحورية -اليمن- والتوسع والاستيطان بالأوطان العربية حينما رأت إشارة من الغير لتكون هي أول من يقدح هذه الشرارة.. وإلا ما معنى أن تكون الأساطيل الإيرانية محمَّلة بالسلاح،بحجة حماية سفنها في عرض البحر الأحمر،حيث (خليج عدن) من القرصنة الصومالية،ومن ثم ذهاب هذه الأسلحة إلى الميناء الإريتري ليتسلموه مهربين عبر الجبال حيث الحوثيين يصعده لمحاربة الجيش اليمني،والتسلل للحدود السعودية وعمل سبل القتل والدمار في القرى التي تقع بهذه المنطقة السعودية الحدودية مع اليمن الشقيق.
فالتحالفات الدولية شيء بديهي ومعروف،وهو قضاء مصالح بين طرفين منها ما ظهر علانية ومنها ما خفي كان أعظم، فكان ما كان خافياً بالأمس قد ظهر اليوم علانية، حين تحركت إيران بالتوسط بين الحوثيين والحكومة اليمنية فرفضت الوساطة لأنه شأن يمني داخلي وهذه حقيقة.. ثم ظهرت إيران ثانية لتسفر عن قناعها لمناصرة الحوثيين علانية عبر إعلامها وأساطيلها ما بين خليج عدن والميناء الإريتري، بموجب ما تناقلته الصحافة العربية والعالمية.. وإن كانت إريتريا نفت ذلك؟!
ولنأتي للشيء الأنكى والأدهى والأمرّ المرير والشر المستطير،هو ما يتمثل بالإعلام العربي بصحفه وفضائياته الحزبية والقومية التي تؤجج الاختلاف بغثائها المستديم فيما يُذاع بهذه الفضائيات وما يكتب بهذه الصحف المكملة لبعضها البعض،وأستعجب من هذه الدول العربية التي تقطن بها هذه الوسائل الهلامية ولا أقول الإعلامية،كيف لم تستطع تحجيمها،وهي التي تسيء لأوطانها قبل الإساءة للدول العربية الشقيقة،وهي تذم وتقدح في حق أوطانها وحكامها وشعوبها،من خلال ما تبثه على الهواء وتنشره صحافته المؤطرة بالفوضى،كحرية رأي،وهو المعروف بنغمته وانتمائه وتنميته وتوجهاته، وبه من المغالطات والأكاذيب والافتراءات ما شوش ويشوش على الشعوب العربية عامة،والذي بنفس الوقت يخدم مصالح الدول الاستعمارية،وكأنه يستدعيها ويستنجد بها للخلاص من واقع مرير متوهم، يُلاحظ ذلك من واقع الحوارات والندوات الفضائية والكتابة بالصحف المكملة للفجور الهلامي.
كان الله في عون الشعوب العربية والساسة العرب وهم يشاهدون ويسمعون ويقرؤون، المشاهد الواضحة الناضحة بالبطلان،ويسمعون القول النشاز الذي يشنف الآذان، ويقرؤون من الغث ما يأتي بالغثيان،وكأن لسان حال العقلاء يقول: ماذا أصاب الأمة العربية؟.. فهل تروض السفاهة عند الخارجين على القوانين والأنظمة على الصعيد الداخلي،أم تدافع وتروض الدول المتوثبة على خراب أوطانها على الصعيد الخارجي،فتلك هي من المسببات الرئيسة المعيقة للحوار البنَّاء المشترك بين أبناء المجتمع الواحد،التي تعيق سبل التنمية والتطور في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج العربي. والسؤال هو:
الوطن العربي،حقيقة إلى أين يسير؟ وماذا يُراد منه وله؟