Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/01/2010 G Issue 13622
الخميس 28 محرم 1431   العدد  13622
 
غربة الأشجار ووطنيتها
ناصر بن محمد أبانمي

 

تزايدت مشاكل أمراض الحساسية خلال السنوات الماضية، ويكاد الجميع يشكو من تلك الأمراض التي لم تظهر في مجتمعاتنا خلال حياة آبائنا.. سؤال يحتاج إلى وقفة جادة لتأمله.

ربما يتبادر لكم بعض الأسباب ومنها ما تغير على حياتنا خلال تلك السنين من التطور الصناعي وتأثيره الصحي على بيئتنا وكذلك قلة الأمطار التي من شأنها ساهمت في إثارة موجات الغبار.

ربما تكون تلك من الأسباب... لكن: هل نحن أكثر تطوراً صناعياً من بعض الدول الصناعية؛ كاليابان أو ألمانيا مثلاً والتي لم تؤثر تلك الصناعات على بيئتهم بشكل يهدد صحتهم وكذلك لم تؤثر موجات الغبار على من يسكنون الصحاري المنتشرة بالعالم.

إن ما أود الوصول له والتركيز عليه هو الأشجار المزروعة بشوارعنا وبيوتنا والتي أسميها بالأشجار (المغتربة).

خلق الله سبحانه لكل كائن حي دورة حياة خاصة به وطرق تكييف لكل كائن حي في بيئته وله سبحانه حكمة في ذلك.

إن الأشجار كبقية الكائنات الحية لها دورة حياة تتكيف حسب البيئة التي خلقت بها ومنها على سبيل المثال طريقة النمو وطريقة التكاثر والغذاء والتخلص من الفضلات ونحوه، والذي أسهم في توازنها الحياتي وضمان عدم الإخلال البيئي.

إن الأشجار التي نزرعها هي أشجار مستوردة من بيئات مختلفة عن بيئتنا تحتاج إلى سمات بيئاتها الأصلية لكي تتم دورة حياتها دون خلل يهز تأثيرها البيئي ككمية المياه التي تحتاجها أو تكرر هطول الأمطار عليها أو رطوبة معينة أو (طريقة التكاثر) والتي تعتمد فيها على الأمطار أو الحشرات الطائرة كناقل أساسي بسبب كثرة حبوب اللقاح، أي بمعنى أنها خلقت في بيئة تناسب تكوينها الحيوي وليست دخيلة عليه.

لماذا نزرعها في بيئة مختلفة ونسمح لها بالتأثير على بيئتنا بسبب انتشار حبوب لقاحها بشكل غير طبيعي والذي اعتمد في نقله (لدينا) على الهواء عوضاً عن الماء الذي كان هو الناقل المفترض حسب بيئتها الأصلية. أليس هذا خلطاً عشوائياً للبيئة.

لم يخلق الله سبحانه الكائنات مختلفة في بيئات مختلفة إلا لحكمة إلهية كالتوازن البيئي لكل مجتمع وحاجاته.

لماذا لا نسهم في تشجير بلدنا من أشجاره الأصلية كالنخيل والتي عرفت بهذا البلد وتكيفت بأجوائه ومناخه الصحراوي، وأتمت دورة حياتها بناء على ظروفه.

لماذا نزرع أشجاراً غريبة تحيى غريبة وتموت غريبة...

تخيل معي نخلة تزرع في بلد استوائي ممطر، هل تتوقع نجاح ذلك؟

ألم يتبادر لك بأن النخلة خلقت لمناخ جاف يناسبها؟ فلو مثلا زرعت نخلة ببلد ممطر ألا تتوقع بأن كثرة الأمطار قد يتسبب في خلل حيوي لديها ربما ينجم عنه بعض الطفرات الجينية لها قد يتسبب في خلل بيئي وتؤثر على من حولها.

ولتكوينها دلالة على مناسبتها لطبيعة مناخنا ككمية حبوب اللقاح وتركيبة أوراقها المسطحة الملمس والتي لا تساعد على جمع الأتربة والغبار وعدم تساقطها بعد موتها.

أدعو إلى الحد من زراعة الأشجار المستوردة وتكثيف زراعة النخيل حتى في الأماكن التي نحتاج فيها إلى الزينة.

فللنخلة جمال خارجي مادي وجمال داخلي معنوي..

فالمتأمل فيها ينظر إلى خلق الخالق سبحانه لها في ارتفاعها وشموخها وشكلها المظلي وجذعها الباسق وتشابك أغصانها مع غيرها مكونة سقفاً يحجب أشعة الشمس ويلطف الهواء وترك مساحة تحتها يُستفاد منه للتمتع بظلالها، وكأنها تقول بأنني خلقت لهذا الدور في هذا البلد. ومدى الاستفادة المتزايدة من منتجاتها إلى يومنا الحاضر ولا زلنا نكتشف روعة هذه الشجرة المباركة.

ولجمال النخلة الداخلي والمعنوي هو إحساسنا بانتمائها لنا ولمجتمعنا وكأنها أحد أفراد الأسرة أو المجتمع، وطول عمرها الذي يعانق بحنان أجيالاً ساهمت في زراعتها ورعايتها وسقايتها وأكل ثمارها والتفيؤ تحت ظلالها كأم حانية على أبنائها وأحفادها لا تستطيع أن تؤذيهم وتهز توازنهم البيئي.

يجب أن نعتز بوطنيتنا حتى في أشجارنا، وتكون السمة المميزة لبلدنا الشرقي العربي كما هي أشجار البلوط والصنوبر والأرز في البلدان الأخرى والتي أصبحت سمة لبلدانهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد