Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/01/2010 G Issue 13622
الخميس 28 محرم 1431   العدد  13622
 
شموع مضيئة
د. ليلى عبدالرشيد عطار

 

طريق الدعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - طويل وشاق محفوف بالأشواك والمحن والابتلاءات.. ولكن العمل فيه متعة وعطاء، صبر واحتمال، حب وإخاء، تضحية وإيثار، تُعطي لحياة المرء معنى، ولوجوده قيمة. إنها حياة غنية ممتعة لا يعرف معناها إلا من عاشها وتذوق حلاوة مشتتها وتعبها وكفاحها، وقضى أيامه ولياليه في مرضاة الله عزَّ وجلَّ.

إن الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ فن ينبغي أن يتدرب المرء على اتقانه، ويتمثل آداب الإسلام وقيمه في نفسه وشخصه، ويطبق أحكامه وشرائعه في سلوكه حتى يتقبل الناس منه برغبة وطواعية.

قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَـــقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ? (3)سورة الصف.

إن داعية اليوم تعيش وسط تحديات شتّى، وصراعات مختلفة، وقيم متذبذبة، ومفاهيم متغيرة، وتطورات سريعة، لذلك فمهمتها صعبة وتكاليفها كثيرة، تحتاج منها إلى فهم عميق لدينها، وإيمان قوي بمعتقدها، ومعرفة دقيقة بواقع الحياة وفقهها، مع عقل مستنير، وحكمة بالغة، وروح وثابة، وقوة شخصية، وثبات على الحق، وإصرار وعزيمة على المضي في تبليغ دين الله مهما أعرض المعرضون، وطغى المتجبرون، وزاد المفسدون، لأنه لن يصمد في هذا الطريق الطويل الشاق إلا المؤمنون الثابتون الموقنون بالله - عزَّ وجلَّ - ودينه الحنيف، الذين لن تثنيهم الشدائد والمحن عن المضي في هذا الطريق إلى نهايته، قال الله تعالى: ?قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ?(10) سورة نوح.

إن داعية اليوم تحتاج إلى فهم مضمون رسالتها:?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ?(36) سورة النحل.

ووسيلتها في تبليغ دين الله قوله تعالى:?ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?(125) سورة النحل. وعدتها في ذلك: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي? (108) سورة يوسف. وقدوتها في دعوتها رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا? (21) سورة الأحزاب.

لا تنتظر جزاءً أو شكورا. ?فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ? (72) سورة يونس.

إن داعية اليوم تحتاج إلى العلم ثم العلم ثم العلم بدين الله عز وجل بشموله وتنوعه وفقهه واختلافاته، وتنبذ التعصب والتشدد والتشدق والتعالم وتتخلق بالتواضع والسماحة واليسر.

إن داعية اليوم تحتاج إلى معرفة الوسائل والأساليب الحديثة المتطورة السمعية منها والمرئية، حتى تبلغ دين الله عزَّ وجلَّ، وتعرضه بطريقة راقية جذابة تتكافأ مع أساليب الاغواء والضلال والإفساد، بل ينبغي أن تكون أقوى أثراً منها.

إن داعية اليوم تحتاج إلى تنمية مهاراتها المختلفة الشخصية والفكرية والقيادية والإدارية حتى تكون عضوة مؤثرة.

إن داعية اليوم تحتاج إلى معرفة النفسيات والشخصيات ومنازلهم حتى تستطيع التعامل معهم بفهم وحكمة، قال عليه الصلاة والسلام: (انزلوا الناس منازلهم).

إن داعية اليوم تحتاج إلى فهم نفسيتها وإدارة ذاتها بشكل صحيح حتى لا تسقط ما فيها على الآخرين، وتتهمهم بما ليس فيهم طلباً للمحمدة، وجرياً وراء الشهرة والمجد.

إن داعية اليوم تحتاج إلى أن تعرف قدراتها وطاقاتها وتحسن توظيفها بشكل جيد يتناسب وميولها واستعداداتها ورغباتها مع التواضع وتجنب الغرور.

كما أنها تحتاج إلى من يسددها ويعينها ولا تكن وحدها لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، فتعتز برأيها، وتغتر بقدراتها، وتثق بحكمتها، ولا تقبل نصيحة غيرها، قال تعالى: ?قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا?(35) سورة القصص.

إن داعية اليوم تحتاج إلى الالتزام بقيم الإسلام ومبادئه وأخلاقياته، فتتحلى بالصبر والحكمة والاتزان والإنصاف وقول الحق مع حسن الظن بالآخرين، ووضع الأمور في نصابها دون محاباة أو غش أو خداع يعطل مسيرة العمل لله. إن داعية اليوم تحتاج إلى إنصاف الآخرين من نفسها، فلا تنتقص من قدر غيرها، ولا تقلل من جهدهم وعملهم، ولا تحقر شأنهم، ولا تنشر عيوبهم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله).

بل تنصف وتقدر وتشجع وتستر وتقوَّم وتكون معول بناء لا معول هدم.

إن داعية اليوم تحتاج إلى الوقار والاحترام لذاتها وتكون قدوة للآخرين، فلا تبتذل في الملبس أو المشرب أو المأكل أو الحركات والتصرفات، لأنها تحمل دين الله، فينبغي أن تكون أمينة عليه، فتظهره بالصورة المشرقة البهية.

إن داعية اليوم تحتاج إلى هجر مجالس الغيبة والنميمة واللهو والعبث والطرب، وحضور مجالس العلم والخير.

إن داعية اليوم تحتاج إلى أن تصلح نفسها ثم أولادها وزوجها ثم الآخرين، ولا تهمل بيتها وأولادها وزوجها، لأن من طبيعة البشر أنهم يقتدون بالنماذج البشرية الكاملة المتوازنة في حياتها، ولا تُقتدى بالمقصرين الناقصين. فلتكن نموذجاً لزوجها وأولادها يُقتدى به.

هذه ليست أحلاماً وأوهاماً نطلبها من أختنا الداعية التي اختارت طريق الحق والصواب، وإنما هي حقائق جادة تتطلبها طبيعة الاختيار، فأهل الضلال والفساد عندما اختاروا طريقهم بذلوا له الأموال والأرواح والأوقات لتصدير بضاعتهم الفاسدة، وعرضوها بأحدث التقنيات المتطورة، ووظفوا لها أكفأ الشخصيات حتى تكون مؤثرة فعالة في جذب الناس وإفسادهم. فهل نحن الدعاة رسالتنا أقل منهم شأناً، وبضاعتنا لا تستحق ما بذلوه؟!!

أستاذ مشارك التربية الإسلامية بكلية التربية للبنات - الأقسام الأدبيةبجامعة الملك عبدالعزيز
– جدة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد