Al Jazirah NewsPaper Friday  15/01/2010 G Issue 13623
الجمعة 29 محرم 1431   العدد  13623
 
ما الخطوة التالية في أفغانستان؟
يوشكا فيشر

 

إن مستقبل أفغانستان لا يبدو مبشراً. فطالبان تكتسب المزيد من القوة العسكرية والسياسية على نحو مطرد، والرئيس حامد كرزاي يخسر التأييد في الداخل وعلى المستوى الدولي؛ نظراً للفساد المستشري في إدارته والتزوير الواضح الذي ارتُكِب في إعادة انتخابه.

وفي الولايات المتحدة انتشر الضجر من هذه الحرب، الأمر الذي جعل الرئيس باراك أوباما يجد صعوبة كبيرة في اتخاذ القرار بشأن زيادة القوات، كما يطالبه جنرالاته. أما البلدان الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي التي أرسلت قواتها إلى أفغانستان فإنها تفضل سحب هذه القوات اليوم قبل غد.

ويبدو أن الغرب فقد حسه بالاتجاه في منطقة هندوكوش - «مقبرة الإمبراطوريات» كما أطلِق عليها بعد الكارثة التي مني بها البريطانيون في يناير - كانون الثاني 1842، التي لم ينج منها سوى رجل واحد من أصل ستة عشر ألف جندي. والسؤال الذي يخطر الآن على ذهن العديد من الناس هو ما الغاية التي يسعى حلف شمال الأطلنطي إلى تحقيقها في أفغانستان حقاً؟

إن أوروبا تلتزم الصمت إزاء هذا السؤال وليس أمام ناظريها الآن سوى هدف واحد: الخروج من هناك. وفي الولايات المتحدة ما زالت المناقشة بشأن الغرض الذي تخدمه الحرب في أفغانستان مطروحة حتى الآن على الأقل. وإذا تتبعنا هذه المناقشة فسوف نستنتج أن هذه الحرب في نهاية المطاف تدور بالكامل حول انتصار القوة العسكرية الأمريكية العظمى على طالبان، حتى تتمكن الولايات المتحدة أخيراً من سحب قواتها من هناك - للمرة الثانية.

من المستحيل أن نجد المصدر الذي تستمد منه حرب أفغانستان مغزاها في أفغانستان ذاتها. فأفغانستان هي ساحة المعركة، ولكن الأسباب التي أدت إلى الحروب التي خربتها ودمرتها منذ منتصف السبعينيات كانت وما زالت كامنة خارج حدودها. وهذا يعني أن «حلاً أفغانياً خالصاً» أمر غير ممكن.

هناك ثلاثة تواريخ تشكل أهمية أساسية في فهم الورطة الأفغانية: 1989، و2001، و2003. ففي عام 1989، حين انتهت الحرب الباردة، كان الجيش الأحمر قد انسحب بالفعل من البلاد، معترفاً بهزيمته. وبعد انسحاب الاتحاد السوفييتي، انسحبت الولايات المتحدة أيضاً من الصراع، وفي تلك اللحظة اندلعت الحرب الأفغانية الثانية - التي كانت حرباً بالوكالة بين جيران إقليميين على السلطة في منطقة هندوكوش، ولكنها تنكرت في هيئة حرب أهلية.

وفي ظل هذه الحرب الأفغانية الثانية، أسس أسامة بن لادن منظمته الإرهابية في أفغانستان التي تحكمها حركة طالبان: تنظيم القاعدة الذي نفذ في الحادي عشر من سبتمبر - أيلول 2001 هجمته الإرهابية البشعة ضد الولايات المتحدة. وبعد شهر واحد بدأت الحرب الحالية في أفغانستان.

وفي مارس - آذار 2003 بدأ جورج دبليو بوش غزوه للعراق، فلم يبدد بذلك القوة العسكرية الأمريكية فحسب، بل وتسبب أيضاً في الربط بين جميع الأزمات المندلعة في المنطقة الواقعة بين شرق البحر الأبيض المتوسط ووادي السند. ونتيجة لحماقة السياسة الخارجية الأمريكية، أصبحت إيران اللاعب الجغرافي السياسي الأساسي في المنطقة بالكامل، فربطت بين القسمين الغربي والشرقي من هذا الحزام الطويل من عدم الاستقرار.

لذا فإن هؤلاء الذين يتصارعون مع الأحجية الأفغانية اليوم لابد وأن يضعوا في اعتبارهم، أولاً وقبل كل شيء، الحقائق الإقليمية: هل يملك الغرب أن ينسحب من أفغانستان؟ إذا كان الأمر كذلك فلابد وأن ننسحب من هناك على الفور. وإن لم يكن كذلك فيتعين علينا أن نكف عن مناقشة «استراتيجية الخروج».

إن التكاليف التي قد تترتب على انسحاب الغرب من هذه المنطقة المضطربة يمكن التنبؤ بها، فسوف يكون لزاماً علينا أن نتعامل مع تهديدات عديدة تعرض أمن الغرب للخطر، وهي التهديدات التي لن تتلاشى بالانسحاب من العراق وأفغانستان: الإرهاب، والتطرف الإسلامي، والتهديد النووي (باكستان وإيران)، وحروب الوكالة والصراعات الإقليمية (في إسرائيل وفلسطين، والعراق، وأفغانستان، وكشمير)، والتفكك الذي بات يلوح في الأفق (تفكك العراق، وأفغانستان، وباكستان، وفي الأمد الأبعد التفكك في منطقة الخليج الفارسي وشبه الجزيرة العربية). وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نتحدث عن سحب قواتنا، بل لا يسعنا إلا أن نتحدث عن إعادة رسم خط المعركة بعيداً إلى الغرب.

فمن المشكوك فيه إلى حد كبير أن تجلب هذه الخطوة المزيد من الأمن. ومن ناحية أخرى، فإن الاستراتيجية التي يتبناها الغرب في أفغانستان حتى الآن لم تحقق إلا أقل القليل من التقدم، بل لقد عملت على تعزيز قوة طالبان يوماً بعد يوم. ماذا ينبغي لنا أن نفعل إذاً؟

أولاً، يتعين علينا أن نحدد هدفاً سياسياً واضحا: تحقيق وضع راهن مستقر في أفغانستان يمنع البلاد من التحول مرة أخرى إلى ساحة معركة للمصالح الإقليمية ومنطلق تنظيمي للقاعدة. وفي غياب الوجود العسكري الكافي، فضلاً عن جهود إعادة التعمير المحسنة والمنسقة، فإن بلوغ هذه الغاية أمر مستحيل.

ثانياً، سوف يساعد تجديد الإجماع الإقليمي على مستقبل أفغانستان في تجنب المزيد من زعزعة الاستقرار في باكستان المسلحة نووياً. وهذا يستلزم ضم مصالح باكستان وإيران في هذا الإجماع، فضلاً عن مصالح الهند والمملكة العربية السعودية، وربما الصين أيضاً. (لا بد أن يلعب صراع كشمير دوراً غير مباشر في هذه التسوية، ولكن لا يجوز لنا الاستهانة بالصعوبات المقترنة بمحاولات ضم هذا الصراع). إن صياغة هذا الإجماع لن تكون بالمهمة الدبلوماسية اليسيرة، ولكنها مهمة ممكنة ولابد أن تشكل الهدف الأساسي لمؤتمر جديد يعقد خصيصاً لبحث الشأن الأفغاني.

ثالثاً، يحتاج الأمر إلى بذل جهود موازية في احتواء الأزمة - بل وربما أيضاً لإيجاد الحلول لها - في منطقة الشرق الأوسط ككل، وفي العراق، والخليج الفارسي، وإيران. والواقع أنها معادلة تشتمل على العديد من العناصر المجهولة، ولكن إن لم نحاول على الأقل التخفيف من هذه القضايا، فإن هذه العناصر المجهولة سوف تستمر في تحدي كل الحلول الجزئية.

ولكن السؤال الكبير يظل هو ما إذا كانت الولايات المتحدة - وحلفاؤها في أوروبا - ما زالت تتمتع بما يلزم من قوة، ومثابرة، وبعد نظر للتعامل مع هذه المهمة. هناك أسباب وجيهة للشك في هذا. ولكن البديل سوف يكون مستقبلاً فوضوياً خطيراً في هذه البقعة الساخنة الضخمة من العالم. قد تبدو أفغانستان في نظر أهل الغرب منطقة نائية، ولكن ما تفرزه من عنف وفوضى هو في الحقيقة قريب منا للغاية.

وزير خارجية ألمانيا سابقاً.
خاص « الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد