Al Jazirah NewsPaper Friday  15/01/2010 G Issue 13623
الجمعة 29 محرم 1431   العدد  13623
 
سويسرا كما عرفتها...!!
عثمان بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز المعمر

 

كان العام 1384-1385هـ عاماً لا يُنسى بالنسبة لي فبقرب أزوفه كان يوم تخرجي من مدرسة اليمامة الثانوية بمدينة الرياض وكنت أترقب النتيجة بفارغ الصبر لترقبي الحصول على بعثة دراسية خارج حدود الوطن حيث سوف تكون أول مرة يكتمل فيها صف ريشي لأطير بعيداً عن حضن والدتي الدافئ وبقية إخوتي الصغار آنذاك. كانت النتيجة مشرفة ولله الحمد بعد توفيق الله بمواصلة الدراسة لساعات طوال أغلب أوقات النهار وعدم التغيب ولو ليوم واحد عن المدرسة فكان ترتيبي السابع عشر على طلاب المملكة في ذلك العام وكان العدد متواضعاً في حدود الثلاثمائة طالب أو يزيد ممن اجتازوا الدور الأول بنجاح ولم تكن هناك أعداد من الخريجين الإناث لأن المدارس الحكومية للإناث لم تفتح رسمياً إلا بعد وقت غير بعيد في مراحل التعليم الأولي أما الأقسام الثانوية فقد افتتحت بعد ذلك بسنوات قليلة ثم توالى افتتاح المدارس بمستوياتها الثلاثة سريعاً وتباعاً فالناس كانوا متعطشين لطلب العلم ولاسيما الإناث منهم حيث تأخر ذلك كثيراً عن البنين لأسباب اجتماعية.

جاء قرار وزارة المعارف بابتعاثي للدراسة الجامعية في فرنسا وعلمت أن من تقرر ابتعاثهم للدراسة في هذا البلد يعدون بالعشرات وسبقتهم أكثر من دفعة لهذا البلد للدراسة الجامعية في العديد من التخصصات وعندما وصلت إلى مدينة جنيف في سويسرا وهي مدينة جميلة ونظيفة وهادئة مقارنة بكبريات دول العالم فهي من المدن التي تحبها وتعشقها وتعشق نسمات هوائها من أول نظرة كمدينة بيروت بلبنان الشقيق مع الفارق في مستوى المعيشة وانضباط الناس والسكينة التي تلف مدينتهم.

قرر الملحق الثقافي آنذاك -طيب الذكر- عبدالله الطويل إبقاء البعض منا للدراسة في سويسرا وأرسل البعض إلى بلجيكا وهولندا لمواصلة الدراسة الجامعية ووجهنا بالتوجه لدراسة اللغة الفرنسية في جامعة (نيوشاتل) وهي مدينة جميلة وادعة ككل المدن السويسرية تقع على ضفاف بحيرة نيوشاتل وجامعتها مثلها صغيرة مدللة نظيفة وهادئة وبدأنا مشوار دراسة اللغة الفرنسية وكانت أول تجربة لي أن أدرس اللغة في معمل يسمى معمل اللغة وبعد فترة وجيزة بدأنا نتعايش مع مجتمعنا الجديد ولغته الجديدة وطقسه البارد وأجوائه النظيفة حيث يحف بك اللون الأخضر من كل جانب وتحيط بك المياه النقية الصافية - لا بحيرة المسك - والأشجار السامقة التي تغير فساتينها حسب فصول السنة ففي فصل الخريف مثلاً تأخذ ألواناً وأشكالاً متعددة أخاذة الجمال وفي الشتاء تلبس فساتين الزفاف ذات اللون الأبيض وألوان من الورود والزهور التي تملأ الشوارع والميادين بتنسيق بديع يسر الناظرين، وأول مرة في حياتي أقرأ لوحات صغيرة مكتوب عليها لا تمشي على العشب فلا أحلى ولا أجمل عندما يجتمع الجمال والنظام والنظافة والتقيد بالتعليمات وقد اجتمع لهم جمال الخضرة ورقة وعذوبة المياه والإبداع والسكون وتقدير كل ذلك والعناية والرعاية لما حباهم الله به. كان الناس في ذلك المجتمع الذي عشت فيه بضعة أشهر أناسا طيبين ودودين تأنس بمعايشتهم والاختلاط والحديث معهم فلهم من رقة وجمال بلادهم وسكينتها ونظافتها ونقاوة هوائها وصفاء مائها نصيب، وحيث كنت أسكن أنا وعدد من الزملاء في أحد أحياء هذه المدينة اللطيفة الرشيقة كانت الرائحة النفاذة تعبق من أحد مصانع الشوكولاتة القريب من حيث نسكن والبلاد السويسرية لا تشتهر بمناظرها الخلابة وما ذكر آنفاً فقط بل تشتهر كما يعلم الجميع بصناعة الساعات من كل صنف ولون وصناعة الشوكولاتة بأنواعها والصناعات العديدة الخفيفة منها والثقيلة وكذلك المنتجات الزراعية والغذائية المتنوعة والجيدة وصناعة السياحة الراقية مما جعلها قبلة للسياح من كل أرجاء المعمورة ناهيك أنها أم البلدان في الصناعة المصرفية والبنكية مما جعلها مستودعا للذهب والمال من مختلف البلدان من زنابيل وأصحاب الثروات الطائلة أو قاروني هذا الزمان يودعونها في هذا البلد للسرية المصرفية الدقيقة فإذا انقضى أجلهم أو سقطوا أو أُسقطوا من عروشهم لا يعلم إلا الله مصير ومآل هذه الثروات الضخمة.

تداعت هذه الذكريات عندي عن بلد عشت ودرست فيه لمدة عام دراسي كامل قبل أن نشد الرحال إلى فرنسا لا باختيارنا ولكن بأمر من الملحق الثقافي لمواصلة تطوير قدراتنا في تطويع اللغة الفرنسية لمواصلة الدراسة الجامعية لاحقاً في جامعات فرنسا كل حسب تخصصه المقرر عليه من قبل وزارة المعارف آنذاك وكانت بكل أسف تجربة غير سارة للبعض منا لتعقيد نظام التعليم الفرنسي في ذلك الزمان وصعوبة اللغة الفرنسية وضخامة أعداد الطلاب في فصول جامعاتنا مما لم يحقق معه الكثير منا ولا سيما ذوي التخصصات النظرية النجاح المأمول مما حدا بالبعض منا إلى العودة إلى أرض الوطن ومواصلة دراسته الجامعية في أحضان جامعتها الوحيدة آنذاك - جامعة الملك سعود - بمدينة الرياض والمحظوظ من وجد سبيلاً للانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة الدراسة حيث كانت القبلة الأولى للطلاب الذي يودون مواصلة تعليمهم خارج الوطن ومن تسنح لهم الفرصة وتسمح لهم الظروف الأسرية لطلب العلم بعيداً وبعيداً جداً عن أرض الوطن الحبيب، وشاءت الأقدار بعد جهود بذلت أن يتم ابتعاث غالبية مبتعثي فرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحقق النجاح للجميع إلا من قلة لا تذكر حيث سهولة تعلم اللغة الإنجليزية ومرونة نظام التعليم الأمريكي وصغر حجم أعداد الطلاب في فصول الدراسة في الجامعات الأمريكية وطيبة المجتمع الأمريكي. كل هذه الذكريات مرت بطيفي وتداعت تباعاً على مخيلتي عندما صدمتني نتائج الاستفتاء الذي قام به أحد الأحزاب السويسرية وقررت الغالبية الموافقة على استصدار تشريع يمنع تشييد المآذن في بلاد العجائب بمعنى منع تشييد المساجد التي يتعبد فيها المسلمون خالقهم ولم يصدر استفتاء أو تشريع يمنع تشييد المعابد اليهودية أو أي دور عبادة لأي ديانة أخرى. عجيب أمر هذا الاستفتاء ونتيجته خاصة في بلاد مثل سويسرا قبلة السياح ولا سيما أصحاب الثروات ومعروف عن السائح العربي وبخاصة الخليجي أنه يصرف وبدون حساب وبالتالي فمن المفترض أن يخطب وده وتتهافت عليه الدول بشتى وسائل الإغراء للقدوم لا أن تنفره وتصده وتقيد حريته في العبادة، ولكن بعد سقوط الشيوعية العدو اللدود للرأسمالية اخترع الصهاينة ومن يدور في فلكهم وهم كُثر فزاعة الإسلام وخطره على الديانة المسيحية وديمقراطية الغرب وحرياته وأيد توجسهم وأساء إلى الدين الإسلامي وأهله بعض من يتولون مقاليد الأمور في بعض البلدان الإسلامية والعربية وبعض من أهلها الذين تحكمهم أنظمة تعشعش في عقولها الجهالة والظلام والتطرف وقصور النظر ومما زاد الطين بلة تواجد منظمات وعصابات على أراضيها تتخذ من الإسلام ستاراً لأهداف ودوافع مشبوهة واتخذت من التفجيرات والقتل والسحل وإراقة دماء الأبرياء وجبات يومية لأبرياء من الشرق والغرب لا ذنب لهم فشوهوا الدين الإسلامي بسماحته وفضائله ونشره رسالة العلم والسلام والمحبة في العالم فكان أن تقابل كره بكره وحقد بحقد وقتل بقتل ومن يعيش رجباً سوف يرى عجباً وسوف يكون حسابهم عسيرا عند الله وسيلقون مصيراً مظلماً لما يقترفونه من أخطاء وأخطار بحق العالم أجمع وليس ذلك من الإسلام بشيء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد